تعيش تونس هذه الأيام على أعتاب انتخابات تشريعية مرتقبة، يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، وهي الأولى بعد إعلان الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان في الخامس والعشرين من يوليو/تموز 2021.
وتأتي الانتخابات هذه المرة في ظل وضع متأزّم، وجدل سياسي بعد وضع الرئيس قانوناً جديداً لها دون الرجوع لهيئة الانتخابات.
كما ستكون الانتخابات هذه المرة مصحوبة بالعديد من المفارقات لو قورنت بالانتخابات السابقة، فمن المفارقات أن عشرة مرشحين ضمنوا فوزهم بمقاعد داخل مجلس النواب قبل الموعد الانتخابي، بسبب انفرادهم بالترشح في بعض الدوائر، خاصةً في العاصمة، ورفض مطالب منافسيهم.
ومن المفارقات أيضاً أن الانتخابات القادمة ستكون وفق القانون الانتخابي، الذي وضعه الرئيس قيس سعيد بمفرده، دون العودة للهيئة المشرفة على الانتخابات، وفق تصوراته وأفكاره التي يروّج لها مع بعض المفسرين القانونيين المقربين منه.
وبحسب القانون الذي وضعه الرئيس قيس سعيد بمفرده فإن كلَّ مرشح مطالب بجمع 400 تزكية معرّفة بالإمضاء لدى الدوائر البلدية، أو مكاتب الهيئة العليا للانتخابات.
ومن غرائب الأمور أيضاً في هذه الانتخابات أن 7 دوائر انتخابية لم تسجل ترشيحات خاصة في الخارج، وهو ما يجعل مجلس النواب المرتقب منقوصاً عددياً بأقل من 161 نائباً مفترضين، علماً أن المجلس السابق ضم 217 نائباً، والواقع أن هذا الرقم لا يتناسب مع التطور الديموغرافي الذي تشهده تونس.
كما بدا عدد النساء المترشحات في هذه الانتخابات قليلاً، إذ لم يتجاوز 57 امرأة، وهو ما سيجعل التونسيين يتحسرون على قانون المناصفة الذي ناضلت من أجله منظمات المجتمع المدني والجمعيات النسوية.
ولن يكون موعد الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2022، مثل سابقيه من المواعيد الانتخابية التي عاشتها تونس بعد مقاطعة الأحزاب الكبرى، مثل: حركة النهضة، والحزب الدستوري الحر، وائتلاف الكرامة، وتحالف الأحزاب الديمقراطية، الذي يضم خمسة أحزاب اجتماعية ويسارية.
فأحزاب المعارضة التونسية قررت مقاطعة الانتخابات، واعتبرت الرئيس قيس سعيّد منقلباً على الدستور، ويكرّس حكماً فردياً سلطوياً، بعد أن حل جميع المؤسسات المنتخبة، والانتخاب سيكون على مستوى الأفراد وليس على القوائم كما كان يحدث في السابق، بل وبشروط ترشّح قاسية.
أما بقية الأحزاب المساندة له ومناصروه فقد عجز بعضهم عن جمع التزكيات المطلوبة، لأنهم يفتقدون للعمق الشعبي، كما انتشر المال السياسي، والرشاوى، وتحولت الفترة التي تسبق تقديم أوراق الترشح إلى سوق كبير، وتبادُل للاتهامات بين الشخصيات السياسية والأحزاب، وانتشرت نزعة العروشية والقبلية في الجهات الداخلية.
وهو واقع لم ينكره الرئيس قيس سعيد، وطالب بمحاسبة كل من تورط في شراء التزكيات، فقد وجدت أحزاب الموالاة نفسها في ورطة، بعد أن عجز بعض قادتها عن جمع التزكيات.
واختار آخرون الانسحاب من السباق خشية الفضيحة، ووجّه بعضهم اتهامات غير مقنعة إلى الهيئة العليا للانتخابات، مطالبين في الوقت ذاته رئيس الدولة والهيئة بتيسير شروط الترشح، لكن خاب أملهم.
ومن هذا المُنطلق ينتظر أن تشهد هذه الانتخابات مقاطعة واسعة، فكما جرت العادة فإن الأحزاب هي التي تحشد قواعدها للمشاركة، فما بالك حين تقاطع أغلب الأحزاب الانتخابات، وينتظر أيضاً أن تكون الحملة الانتخابية القادمة باهتة، وضعيفة.
وفي النهاية يمكننا القول إن المجلس القادم سيكون مجلساً نيابياً لأنصار الرئيس قيس سعيد، وللمؤمنين بمشروعه في تكريس البناء القاعدي والحكم الرئاسي، ولن يمارس دوراً رقابياً على أية هيئة، بل سيكون مجلساً ذا صلاحيات شكلية. أما عن تركيبته فلن توجد كتل وازنة، بل أشتات متفرقة، وربما سيتنافس الجميع ليكونوا كتلة الرئيس.
وعندما نعود إلى الاستحقاقات السابقة في بلادنا نجد أن انتخابات 2019 شارك فيها نحو 15 ألف مترشح بين قوائم حزبية وأخرى مستقلة، وكانت محط أنظار العالم، الذي شهد بنزاهتها ومصداقيتها.
وأعلنت الهيئة العليا للانتخابات في تونس قبول 1058 طلب ترشح للانتخابات، ورفْض 363 طلب ترشح، وانسحاب 6 مترشحين، من أصل 1428 طلب ترشح للانتخابات، التي ستُجرى في الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2022.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.