إهمال الشباب، وعدم إيلاء اهتمام لأحلامهم، وتطلعاتهم، هو تدمير للحاضر والمستقبل، وللأسف هذا ما حدث لشريحة كبيرة من الشباب في العراق، فالولاء للوطن تشتت بينهم إلى الولاءات الأخرى؛ الطائفية، والعشائرية، والمناطقية، وضاعت منهم الهوية ومعها الانتماء.
لقد ترك العراق شبابه طيلة أربعة عقود يواجهون أصعب مرارات الحياة من حرب طويلة إلى حصار خانق، ثم الحرب على الإرهاب في البلاد، ناهيك عن أزمات سياسية، واقتصادية عاصفة لا تتوقف.
فأصبح لدينا اليوم في العراق أكثر من جيل ينظر إلى المستقبل نظرة سوداوية ملؤها اليأس من التغيير إلى الأفضل، ويورثها كل جيل إلى الجيل الذي يليه.
وتقف وراء تلك النظرة السوداوية لدى الشباب أسباب، نذكر منها باختصار:
سياسات نظام الرئيس الراحل صدام حسين في عقدَي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وما خلَّفه من خسائر، ذلك الاحتلال الذي أخلَّ بالكثير من القيم في الدولة والمجتمع.
ثم تأتي في المرتبة الثالثة، حسب وجهة نظري، السياسات الخاطئة للحكومات العراقية المتعاقبة على الحكم منذ العام 2003 وإلى الآن.
وتتحمل تلك الحكومات الجزء الأكبر من مشاكل الشباب؛ لأنها جاءت في حقبة التغيير التي كان من المفترض أن تفتح أبواب الأمل من جديد بعد مرحلة "قاتمة" طويلة من الديكتاتورية، والحرب، والحصار.
كما لا يمكننا أن نهمل دور الطبقة المثقفة فيما وصل إليه الشباب العراقي، والتي تتحمل جزءاً من المشكلة؛ لأنها هربت من البلاد مع أول هزة عام 2006، وتركت فراغاً لا يملؤه أحد، وشجعت الشباب على الاقتداء بهم في التفكير بترك البلاد وسيادة حال اليأس من القادم.
ونقصد بالمثقفين: الأساتذة، والعلماء، والفنانين، وكافة المبدعين بكل المجالات.
أما المؤسسة الدينية فإنها لم تكن قادرة منفردة على احتواء الشباب، وتطويع سلوكهم وبث روح الأمل في نفوسهم؛ لعدة أسباب منها:
اختلاف ميول الشباب أولاً، وسرعة تغيير قرارهم ثانياً، وثالثاً سهولة وقوعهم في شباك الأفكار المنفرة من الدين والبعيدة عن أخلاقياته.
إن مسألة الشباب اليوم تعتبر قضية ذات أولوية كبرى تفوق كل المشاكل المطروحة، فالاهتمام بالشباب ينبغي أن ينطلق من توفير حياة حرة كريمة لهم، ليس بالتعيين الحكومي فقط، بل بتوفير فرص العمل لهم بعيداً عن المحسوبية، والمنسوبية، والفساد في القطاع العام والخاص على السواء.
والأهم من كل ذلك صياغة هوية وطنية لكل شاب، حينها سيدرك أن الأمل موجود في بلاده، وأن القادم خير، والمستقبل أفضل، وهذا لن يأتي من فراغ، بل من برامج توعية تتحمل مسؤولياتها الحكومة وكافة الفعاليات الوطنية والاجتماعية.
فالشباب هم القوة القادرة على التغيير، والبناء، والإعمار، وهم الشريحة الأهم في المجتمع؛ لأنها قادرة على العمل والتطوير، فامنحوا الشباب الفرصة للتعبير عن أنفسهم قبل كل شيء ليس في ساحات التظاهر هذه المرة، بل في إطار ضوابط النظام الديمقراطي.
واسمحوا لهم بالدخول إلى العمق السياسي الذي بات حكراً على أشخاص معينين.
فمن أجل تغيير ذلك الواقع المؤسف والمضي قدماً إلى الأمام، ومواكبة التطور الحاصل في المنطقة، يجب إشراك الشباب في العملية السياسية، حتى يصل العراق إلى مرحلة بناء جيل واعٍ، قادر على النهوض بمتطلبات الحاضر ومواجهة مصاعب الحياة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.