كهنة المعبد.. حين حاول شيخ داعشي أن يدعوني للانضمام إليهم!

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/08 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/08 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش

تخيل معي أن يتم اختطافك واقتيادك إلى مكانٍ غير معلوم؛ حيث تتعرض لصنوفٍ مختلفة من التعذيب؛ التعذيب الجسدي والنفسي، وتظن أنك لن تنجو، وتمرق ذكرياتك كوميضٍ يخترق عقلك، فيتوقف شعورك بالألم للحظات، وتبدأ في إدراك ما اقترفته لكماتهم وسياطهم وصواعقهم الكهربائية وعصيّهم الغليظة الاَثمة بجسدك، وأنك قد سقطت بداخل هوة سحيقة لا تعلم إن كان بها درج للصعود ومخرج للنجاة.

هل تعلم ماذا بعد؟

في حالة أنك لم تتركنا بعد ما مررت به، وقبعت داخل زنزانتك مع سجناء اَخرين، سيبدأ جيش الإيمان في التقرب منك، ومُحاولة تجنيدك واستنطاقك بالبيعة وإسباغ نعمة أنك من جُند الله، وأنك ستثأر من الطواغيت جُند الشيطان ممن قاموا بإيذائك وتعذيبك. تتوقف مدى أهميتك وإفادتك على من سيقوم بتجنيدك، فإن كنت تتسم بالمواصفات العشر للفرد المُسلم سيُلاحقك حُراس المعبد لتجنيدك، وإن كنت من المخالفين للتيار الإسلامي وتتسم شخصيتك بسمات القيادة والمُحاججة العقلية سيتودد إليك رأس الهيكل الهرمي لداعش في السجن، وهم من أطلقت عليهم مُسمى الكهنة.

من هم الكهنة؟

هم أقل فئات الدواعش عدداً في السجن، وهم أكبر الفئات سناً، وهم الذين يُؤصلون لفكرة أن تنظيم الدولة الإسلامية يُمثل المفهوم الصحيح للعقيدة الإسلامية. في بعض الأحيان تخلو بعض السجون من تواجدهم، ونادراً ما يجتمع اثنان منهم في سجنٍ واحد. تتفرد هذه الفئة بالإمامة بين مُريديها والإلمام بالعلوم الشرعية من العقيدة والتوحيد والحديث وعلوم القراَن، وفي أحيان أخرى يكون لأحدهم مؤَلّف في فرع من العلوم الشرعية. 

يتصف السجين من هذه الفئة بالإنصات للاَخر وقلة الكلام وإعطاء الدروس والمُحاضرات الشرعية وإجازات حفظ وتلاوة القراَن الكريم، والانكفاء على نفسه في تأدية العبادات. له قُدرة على الخطابة والإقناع وتحليل شخصية السجين المُستهدف تجنيده. يجعلك تشعر بالتقدير الشديد، ويُبدي احترامه لعقليتك حتى تأتي اللحظة الحاسمة؛ إما أن ينجح في ضمك إلى زُمرتهم، أو أن يفقد الأمل بك فيُطلق عليك أتباعه يرمونك بسهام الكُفر.

كنت قد قابلت أحدهم أثناء فترة التحقيق معي. كان رجلاً في اَخر العقد الخامس من العمر، يمتاز ببنية جسدية قوية، ويواظب على أداء الرياضة، ويقوم بإعطاء الدروس أثناء فترات التريض في مجموعة من الزنازين. له كتاب عن الأربعين النووية، وساهم بشكل فعّال في تجنيد العديد من الشباب صغير السن لداعش وإعلان البيعة لدولة الخلافة.

قابلته أول مرة حين أتى إلى زنزانتي لإعطاء درس لبعض السجناء. كنت في هذه الفترة أتواجد في زنزانة لمجموعة من الشباب المُعتقلين في إحدى قضايا جامعة الأزهر، وكان أغلبهم من أبناء التيار الإسلامي. أثناء المحاضرة كنت أقرأ كتاباً وإن كنت أنصت إلى ما يُقال، حتى وجه الحديث إليّ إن كنت أرغب في الانضمام لهم والمناقشة في مُحاضرته. حينها أجبته بأنه لمن دواعي سروري، ولكني الآن أذاكر لقُرب موعد الامتحانات، فابتسم ابتسامة هادئة.

قابلته مرة أخرى أثناء التريض، وكان يمارس تمارين السويدي، وكنت أركض حتى لا يتهاوى جسدي جراء مكوثي ما يقرب من ثلاث وعشرين ساعة داخل الزنزانة. بدأ بالسلام وتجاذب أطراف الحديث معي. تناقشنا عن مفهوم السجن وأصله التاريخي وتحدثنا عن حركة 6 أبريل وعن دولة الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا، وعبر عن تثمينه لدور 6 أبريل في إشعال شرارة الثورة والبحث عن الحرية والعدل، ولكن أي حرية وعدل نسعى إليهما؟ قال لي إنه ينقصني العلم الشرعي، وأن يكون علمي وعملي لوجه الله، وأن دولة الخلافة قائمة وتُرحب بالجميع.

''النَّاسُ مَعَادِن كَمَعَادِن الذَّهَب وَالفِضَّة، خِيَارُهُم فِي الجَاهِلِيَّة خِيَارُهُم فِي الإِسْلاَم إِذَا فَقُهُوا''- عن أبي هُريرة عن النبيّ ﷺ. 

لقد ذكرَ هذا الحديث كنوع من تقديم التقدير لي وحثّي على اتخاذ طريق الحق (داعش).

لم يكن عدائياً معي حين لم أجب دعوته لي، وبدأ كل منا في إظهار التجاهل للاَخر، وإن كنت على النقيض أتابع ما يقوم به، وكان يتقصى أخباري ومُناقشاتي مع تلامذته.

النموذج الثاني لهذه الفئة يتمثل في الشيخ (م.ح) مُسيِّر الدواعش في السجن الصحراوي، والذي تدور هذه السلسلة عن رؤيتي لتصنيفات الدواعش في السجن من خلال حديث لم ينتهِ بيني وبينه بعد. ففضلاً عن الصفات التي يتسم بها والتي ذكرتها سابقاً والتي لن تختلف عن سابقه، فإنه تاجر قادر على استقطاب العديد من السجناء من خلال مهارته في القيادة والخطابة وانتقاء أبلغ المعاني التي تلمس وجع ومعاناة السجين، واستحضار الصور المماثلة من التراث الإسلامي وكيفية النجاة. لديه القدرة على الدمج بين الماضي من التاريخ الإسلامي وربطه بالحاضر.

وطبقاً له، هناك طريقان مفترقان وهما طريقا الجنة والنار، فالجنة طريقها المنشود يمر عبر تعاليمهم، والنار عن طريق مخالفتهم، وذلك لحديث النبيّ ﷺ: 

''افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقةً، وافترقتِ النصارَى على اثنتَينِ وسبعينَ فرقةً، وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً''. 

يرى (م.ح) أن داعش هي الفرقة الناجية من النار!

الآن بعد هذا السرد، تخيل يا صديقي أنك مررت بهذه التجربة العصيبة وتتعايش معها، فأين سيكون موقعك؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
زين الناجي
ناشط سياسي مصري
تحميل المزيد