منذ قرن تماماً، أعلن رسمياً عن سقوط الدولة العثمانية، وتفككها كخلافة إسلامية ثالثة بعد الدولتين الأموية، والعباسية، وككيان كونفدرالي واسع شمل منطقة الأناضول، وأغلب مناطق البلقان وجنوب شرق أوروبا، بالإضافة إلى أغلب منطقتنا العربية.
ولادة الكيان الإسرائيلي
انتقلت الوراثة غير الشرعية للمنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، إلى بريطانيا وفرنسا، وولدت الدول القطرية، واستقل معظمها على الورق تدريجياً في أربعينيات، وخمسينيات القرن العشرين.
والاستثناء الوحيد كان فلسطين، التي سلمتها بريطانيا بتأييد استعماري غربي شامل للصهاينة المهاجرين من شتى أصقاع الأرض إلى "أرض الميعاد".
وهناك ولد "الابن غير الشرعي" للغرب، أي "إسرائيل"، في عام 1948، وأصيب الجسم العربي بسرطان خبيث، توالت تفاعلاته على باقي أعضاء هذا الجسم.
كانت النتيجة معاناة المنطقة، وابتلاؤها بديكتاتوريات، عسكرية وملكية، أطلق عليها لاحقاً "النظام الرسمي العربي".
بدايات التطبيع مع إسرائيل
توالت أحداث عدة منذ ستينيات القرن الفائت إلى بداية الألفية الجديدة، ثم بدأ تحول النهج العام للأنظمة الوليدة، من معادٍ لإسرائيل قولاً وفعلاً إلى متقبل ومهادن، ولو من تحت الطاولة وبصوت خجول ومنخفض.
ثم وقّعت مصر، الدولة العربية المركزية، والرابطة الجغرافية والاجتماعية للمشرق والمغرب العربيين، اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978.
وتبع مصر في نهج السلام هذا الأردن في وادي عربة سنة 1994. ثم ولدت السلطة الفلسطينية بحكم مبتور وصوري على أجزاء من الضفة الغربية وغزة، بعد محادثات مدريد وأوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبين هذا وذاك، ولد في إيران ما بات يعرف "بالثورة الإسلامية" في عام 1979، وخاضت "الجمهورية الإسلامية" حرباً شرسة في عام 1980 مع العرب متمثلين بعراق صدام حسين، واستمرت الحرب 8 سنوات، وانتهت دون غالب أو مغلوب.
وفي عام 2003 غزت الولايات المتحدة العراق، وأسقطت نظام صدام حسين، بعد عقد من الحصار الاقتصادي، وسياسة النفط مقابل الغذاء.
وقد كانت تلك الشرارة الأولى لإعادة تكوين هذه المنطقة من العالم، مع إدخال ودخول لاعب جديد إلى توازنات الإقليم، ألا وهو إيران.
دور إيران وإسرائيل في إجهاض ثورات الربيع العربي
لتتوالى الأحداث بعد ذلك، حتى وصلنا لعام 2011، تاريخ بدء شرارة الربيع العربي، وقد نجح هذا الربيع جزئياً في شمال إفريقيا ولكنه لم يظهر قط في المشرق العربي، المجاور لكل من إسرائيل وإيران.
وسقطت بعض الأنظمة والزعماء العرب، إلا أنهم استبدلوا سريعاً بأنظمة وزعماء آخرين، هم نسخة طبق الأصل عن أسلافهم، فيما بات يعرف بالثورات المضادة، والتي جندت فيها دول إقليمية عدة، إلى جانب الدول العميقة القائمة في مناطق الثورات هذه.
والأهم أن التغيير المضاد حظي برعاية أمريكية و"شمال أطلسية" كبيرة، فكل ما يهم هؤلاء على ما تبين هو تنفيس الشعوب، وضمان استمرارية نهج الحكم مع أولويتين لا ثالث لهما في الشرق الأوسط: أمن إسرائيل والنفط.
ومؤخراً اختلفت قواعد اللعبة، وبدل العدو أضحى العرب أمام عدوين، فالتدخل الإيراني من خلال اللعب على الوتر المذهبي في الخليج والعراق أسرع في تحويل الشك إلى يقين.
وما لم تأخذه إيران في الميدان خلال حربها ضد العراق في الثمانينيات، بدأت تقطفه بالسياسة كما فعلت إسرائيل بعد عام 1973.
كان هذا من خلال زرعها أدوات ومنفذين لسياساتها في المنطقة كحزب الله في لبنان، وأنصار الله الحوثيين في اليمن، إضافة إلى جماعات المعارضة العراقية بشقيها الشيعي والكردي.
وأخيراً ثبتت إيران تحالفاً مقدساً ذا طابع طائفي مع البعث السوري، والذي للمفارقة التاريخية أيّد ودعم غزو العراق في عام 1990، غير آبه بتوأمة التاريخ والجغرافيا والأيديولوجيا المتحجرة مع البعث العراقي.
صناعة اليأس، والاستسلام العربي، وعلاقة "إيران" و"إسرائيل"
زاد نفوذ إسرائيل وإيران إذاً، وبدأ الجسم العربي بالتلاشي من شدة الضربات، ولعلنا نتذكر ما حدث قبل الغزو العراقي بعام حين اجتمع العرب بقمة بيروت سنة 2002، وهذه المرة أسفر لقاؤهم عن أمر ما على غير العادة، التأكيد على المضي في مبادرة السلام العربية.
وهذا اعتراف رسمي بحق إسرائيل بالوجود، فتمادت أكثر وأكثر، فقتلت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004.
وأما إيران، فوقفت فرحة ومرحة لغزو العراق!
ها هم الحلفاء العراقيون يمتطون الدبابات، ويدخلون عاصمة الرشيد، من الجعفري الجلبي مروراً بالمالكي والصدر، وصولاً لطالباني، والبارزاني.
وها هو النظام السوري حليف إيران يغتال رفيق الحريري، حليف السعودية والعرب، وسط بيروت سنة 2005.
وها هي ثورات السوريين واليمنيين تقمع بكل عنف ووحشية من إيران وروسيا، وخلفهم إسرائيل، وأمريكا مباشرة وغير مباشرة.
نعم إنها صناعة الضعف، واليأس، والاستسلام، تجيدها أنظمتنا العربية للأسف، وإن خرج عليها أحد كما في سنة 2011، سيكون القمع مصيره.
وقد يصور البعض أحياناً أن إسرائيل وإيران حليفتان، وأن كل ما يدور بينهما هو تمثيلية، وقد يصورهما آخرون في صورة الأعداء، فوحدها إيران من ترفع راية العداء لإسرائيل وأمريكا.
والحقيقة المرة أن الطرفين متنافسان على جسد عربي "مريض"، والذي لا بد له أن يطيب يوماً ما.
حينها فقط ستعود الدولتان القائمتان على أساس طائفي وقومي، لحجميهما الطبيعي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.