مع اقترابنا خطوات قليلة من نهاية الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، يعود ملف هانتر بايدن، نجل الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى دائرة الضوء في الإعلام والمحاكم الأمريكية، وذلك بعد تأخير طال لسنوات بتهم فساد وتهرّب ضريبي وتعامل مع جهات أجنبية، على رأسها أوكرانيا، التي جنى منها ملايين الدولارات.
هذا الملف يعود ليفتح باب النقاش واسعاً، حول فرضية التقاطع والارتباط بين علاقات الرئيس بايدن وابنه بأوكرانيا وشركاتها النفطية، وبين إصراره على الاستمرار بالحرب ضد روسيا هناك حتى الرمق الأخير على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين.
على مدى السنوات المنصرمة، كانت هذه المعلومات حول هذا الملف المثير للجدل، تطفو على سطح الاهتمامات الأمريكية، ثم تختفي. لكن يبدو أنّ فيلماً سينمائياً خرج إلى الضوء قبل نحو شهرين، يروي مغامرات ابن الرئيس، هانتر بايدن، كان خلف تحريك هذا الملف المنسيّ في أدراج القضاء الأمريكي بضغط من بايدن نفسه، على ما يؤكد أعضاء الحزب الجمهوري. يصرّ الجمهوريون اليوم على ضرورة أن يسلك هذا الملف طريقه نحو إصدار حكم بحق ابن الرئيس، على أمل أن يطوّق هذا الحكم لاحقاً والده سياسياً على يد الجمهوريين، في حال فازوا بالانتخابات النصفية في الأيام المقبلة، ويمنعه من بلوغ الولاية الرئاسية الثانية.
عنوان الفيلم "My Son Hunter"، يُعرض على شبكة الإنترنت ويكشف جانباً من حياة هانتر بايدن الماجنة، فيظهر ميوله وسلوكه بتعاطي المخدرات وممارسة الجنس مع بائعات الهوى. كما يكشف جانباً من الصفقات المشكوك فيها مع رجال أعمال أوكرانيين وروس وصينيين، ومحادثات بين الأب (جو بايدن) والابن حول صفقات فساد في أوكرانيا.
الفيلم لا يخلو من مشاهد الخلاعة والجنس، وقد حقق نجاحات كبيرة وأثار اهتمام الجمهوريين والمحافظين إلى جانب شخصيات هوليوود ذات الميول اليمينية. الفيلم بدأ عرضه في لوس أنجلوس مطلع شهر سبتمبر/أيلول الفائت، أي قبل الانتخابات النصفية بنحو شهرين.
وبحسب سلسلة تحقيقات أجرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، مؤخراً، فإنّ الفيلم يكشف جانباً من محادثات أجراها هانتر مع شركة Burisma، وهي شركة غاز طبيعي أوكرانية، مؤسسوها هم الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يوشينكو، ووزير الموارد الطبيعية ميكولا زلوتشيفسكي، وكانت سبباً لكسب هانتر بايدن ملايين الدولارات مقابل "أعمال استشارية"!
كاتب السيناريو وفريق الإنتاج، كشفوا لموقع "ديلي ميل" أنّ الفيلم مليء بالقصص الحقيقية، التي رَسَمَ حواراته من أحداث ووثائق ونصوص ورسائل بريدية، استقاها من وسائل الإعلام، وكتبوا سطوراً من اقتباسات مصدرها رسائل حصلوا عليها من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن. وقد سبق أن أعلن منتجوه عن حملة تبرع من أجل استكمال تصويره في صربيا، ومن هناك بدأت القصة.
أثارت الحملة حفيظة نجل الرئيس المتهم الرئيسي بتلك الأحداث، ففعل المستحيل من أجل إخفاء الحقائق. فبحسب تحقيقات استقصائية أجرتها الصحيفة، فإنّ محامي هانتر وفريقه أجروا عملية تجسس خاصّة، ذلك بعد السفر على متن طائرة خاصة إلى صربيا، منتحلين صفة صحافيين ينتجون أفلاماً وثائقية، وأخفوا شخصياتهم الحقيقية من أجل التجسّس بشكل مريح على التفاصيل، حيث حصلوا من فريق العمل على حق الوصول الكامل إلى التفاصيل، وأجروا مقابلات فسجّلوا ساعات من لقطات فيلمه الوثائقي المفترض.
وهذه العملية لم تكن إلاّ محاولة لتطويق الأدلة بشكل مسبق قبل صدور الفيلم. وبالتالي، التستر على هانتر بايدن نجل الرئيس جو بايدن الذي أصبح لاحقاً رئيسَ الولايات المتحدة، ودُفن الملف، لكن إلى حين.
وتعود القصة كلّها إلى جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن. تعطّل هذا الجهاز، فأودعه في ورشة للتصليح بولاية ديلاوير، حيث اكتشف صاحب الورشة البيانات فنسخها من القرص الصلب، وسلمها إلى رودي جولياني، عمدة نيويورك والمحامي الشخصي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ثم لاحقاً، وبعد أخذ وردّ في المحاكم، كشفت صحفٌ أمريكية عن قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي بالاستيلاء على جهاز الكمبيوتر بضغوط من الرئيس الجديد جو بايدن، الذي اتهمه منافسه الخاسر دونالد ترامب باستخدام الحكومة لحماية نفسه وحماية ابنه من التداعيات.
كما تقول الرواية الجمهورية، إنّ الرئيس بايدن عيّن أحد كبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية ضمن مجلسه الاستشاري للاستخبارات الوطنية، وذلك من أجل إخفاء الحقيقة والتأثير على نتيجة الانتخابات التي أتت به رئيساً في عام 2020، على الرغم من مزاعمه بأنّ البيانات في الكمبيوتر المحمول كانت "نتاج معلومات مضللة روسية". مارس بايدن ضغوطاً لاستبدال مدعٍ عام في أوكرانيا أصر على استكمال التحقيقات بالملف نفسه بطلب من ترامب، كما رفض معاقبة مجموعة من الأوليغارشيين الروس، الذين تربطهم صلات بابنه هانتر، وسبق أن شاركوا في إخفاء أنشطته المشبوهة في أوكرانيا عن الكونغرس.
لم يكتفِ بايدن بهذه الإجراءات، بل قام بتعيين رئيس الأركان السابق في البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية، جيريمي باش، ضمن المجلس الاستشاري للاستخبارات التابع للرئاسة، والمؤلف من 16 مقعداً. وكان باش واحداً من 51 مسؤولاً استخباراتياً وقعوا كتاباً أكّد أنّ فضيحة جهاز الكمبيوتر هي "نتاج معلومات مضللة روسية"، ما أدى إلى رفض شرعية محتوياتها.
وكذلك، مورست ضغوط فيدرالية على مارك زوكربيرغ مالك شركة "فيسبوك"، لحجب القصص المثارة حول هانتر بايدن وقضية المحمول على موقعه الأرزق، وحذّروا زوكربيرغ من مغبّة السماح بنشر هكذا "معلومات مضلّلة".. وكل ذلك من أجل إخفاء الأدلة.
أمّا اليوم، فأعاد الفيلم إحياء الملف في أروقة المؤسسة القضائية الأمريكية والكونغرس أيضاً، تزامناً مع الانتخابات النصفية التي تُنبئ باحتمال حصد الجمهوريين للأغلبيتين في مجلس النواب والشيوخ، قد تكونان سبباً مانعاً لوصول بايدن إلى ولايته الثانية أيضاً بعد سنتين.
هذا الملف، يعيد أيضاً إلى الأذهان حرب العراق، التي اندلعت على خلفية تُهم ساقتها إدارة جورج بوش الابن، باقتناء بغداد لـ"أسلحة دمار شامل". لكنّ الهدف غير المعلن كان في حينه النفط. فهل تأجيج الخلاف بين أوكرانيا وروسيا، الذي أوصل الطرفين إلى حرب طاحنة اليوم، كان خلفه الغاز المتدفق من روسيا إلى أوروبا، وصفقات نجل الرئيس جو بايدن المشبوهة في أوكرانيا؟ لعل التاريخ كفيل بالإجابة عن هذه الأسئلة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.