حالة من الذهول سيطرت على إعلامية وضيفها "الشيخ الأزهري"، عبر إحدى القنوات المصرية، حين سأل أحد المشاهدين عن الطريقة التي يجب أن يتصرف بها بعدما شتمته زوجته في مشادةٍ بينهما، ووصفته بأنه: "تربية واحدة ست".
الشيخ اعتبر الوصف "إهانة" يجب أن يتوقف عندها الزوج، مستشهداً بما قاله الشاعر العباسي أبو تمام "يَعِيش المَرْءُ ما استحيَا بِخَيرٍ ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ، فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ، إذا لم تخشَ عاقبةِ الليالي، ولمْ تستَحِْ فافعَلْ ما تَشاءُ".
"تربية واحدة ست" هو الوصف الذي يستخدمه بعض الذكور لوصم الأمهات الوحيدات، باعتبارهن "أقلّ درجة في الرجولة والتربية". ولذلك، حين أراد والد المغني المصري حسام حبيب أن يهاجم من ابنه، قال له: "إنتَ فعلاً مش تربيتي، إنت تربية واحدة ست. طلعتْ من بيت مامي على بيت مراتك يا أخي عرّتنا".
حسام حبيب دافع عن تربية والدته بقوة بعد ذلك، حين ردّ على والده قائلاً: "تربية الست دي اللي هَتخليني ماردّش عليك".
أرقام مرعبة لـ"تربية واحدة ست"
في بلادٍ تقع فيها مسؤولية ملايين الأسر على عاتق نسائها، لانشغال الزوج أو وفاته أو تخليه أو عجزه، يصير مصطلح "تربية واحدة ست" سبباً كافياً للغضب.
في مصر، وبحسب الإحصاءات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تساهم المرأة في 23.1% من النشاط الاقتصادي للبلاد، وتُعيل 16% من النساء أسرهن بالكامل. أعلى نسبة للمرأة المعيلة في مصر تتمركز في محافظات الصعيد، على رأسها سوهاج والأقصر، تليهما الدقهلية والقاهرة.
فما بين التعامل معه باعتباره شتيمة وبين اعتباره "شرفاً" وسبباً للفخر، تبدأ نقاشات لامتناهية، ظاهرها "احترام المرأة" وباطنها "احتقار تربيتها". وربما هذا ما دعا الإعلامي المصري محمود سعد للخروج، عبر قناته الرسمية على يوتيوب، ليُدافع عن المصطلح.
كان محمود سعد غاضباً للغاية، فهو الذي تكفلت والدته بتربيته بعدما تخلّى عنه والده، فتوجّه بحديثه إلى والد حسام، قائلاً إن السيدات يربّين أبناءهن وحدهن بسبب "خيبة وقلة أدب، وتجنّي، وظلم وقهر الرجال".
وأكد أن "تربية واحدة ست شرف"، وهو أمر يستحق الاحتفاء به؛ لأنه ليس من ضمن مهامهن الأساسية، منتقداً القوانين التي تسمح للرجال بالتخلّي عن النساء والأطفال، ومطالباً "كفاية كلام قبيح عن السيدات".
على الطريقة ذاتها، خرج عدد كبير من الوجوه المصرية المعروفة، للدفاع عن استخدام مصطلح "تربية واحدة ست" كإهانة، في مقدّمتهم الإعلامية رولا خرسا التي أبدت فخرها أيضاً، مؤكدة "أنا تربية واحدة ست". كذلك فعلت الراقصة دينا التي أعلنت أن رجال مصر جميعاً "تربية واحدة ست"، سواء كان الأب غير موجود، أو موجوداً ولكنه منشغل في عمله.
الواقع أن "احتقار" تربية الست للأبناء ليس حكراً على مصر وحدها؛ ففي المملكة العربية السعودية تعيل 28% من النساء أسرهن، بحسب إحصائية أولية لبيانات التسجيل في "حساب المواطن"، ومع ذلك تحتاج النظرة للمرأة المُعيلة إلى إعادة نظرٍ، وفقاً لدراسة بعنوان "المرأة المعيلة في المجتمع السعودي المعاصر: دراسة مقارنة بين منطقتي الجوف ومكة المكرمة"، نُشرت في المجلة العربية للآداب والدراسات الإنسانية.
الدراسة أجرتها الباحثة ريم علي، وخلصت خلالها إلى أن السلطة في منطقة مثل الجوف متمركزة بيد الرجل، بينما في مكة تساعد المرأة المعيلة نفسها بنفسها أو يساعدها بعض الأهل أو المستخدمون في بعض الأحوال.
فقد أظهرت الدراسة في مجملها أن المرأة قد تتحمل المسؤولية، لكنها لن تتولى السلطة، أو ما يُمكّنها من تولّي المسؤولية بشكلٍ كامل، لأن الكلمة العليا تبقى للرجال في محيطها.
لعلّ المأساة الحقيقة أن النظرة السلبية للأم المعيلة وأطفالها لا تقتصر على المرأة داخل المجتمعات العربية فقط، ولكنها تصحبها أيضاً إلى الخارج، سواء كانت مهاجرة أو لاجئة!
هل حقاً "تربية الست" مشكلة؟
في الوقت الذي تُعيل فيه المرأة 25.2% من العائلات الأمريكية، بدأ الباحثون في رصد الأضرار التي تقع على أطفال الأمهات المعيلات.
ومن بين تلك الدراسات، واحدة بعنوان "رفاهية الطفل في العائلات ذات الأم الوحيدة"، وقد خَلُصت إلى أن الأطفال الذين تُعيلهم والدتهم يعانون من الصعوبات والمشاكل ذاتها التي يعانيها الأطفال الذين يشترك الأب والأم في تربيتهم وإعالتهم.
المشكلة لا تتعلق بغياب الأب في الأساس، فالعديد من الدراسات اللاحقة أثبتت أن المشاكل التي يقع فيها الأطفال الذين تُعيلهم والدتهم تختفي إذا ما توفرت الظروف الملائمة والعادلة لأمهاتهم -مادياً ومعنوياً- والعكس صحيح، حين تبدأ المآسي مع تدهور أحوال الأم المعيلة خاصة إذا كانت القوانين لا تدعمها بما يكفي.
لعلّ الطرف الأكثر تضرراً في المعادلة بالكامل هي الأم نفسها، التي تعاني -ليس فقط من النظرة السلبية لها ولأطفالها- ولكن أيضاً من المشكلات التي تواجهها خلال التربية.
هذه المشكلات فصّلتها مجموعة من الدراسات العلمية، مثل تلك الدراسة التي أُعدت عام 2017 بعنوان "تعزيز القوة والقدرة على الصمود في الأسر التي تُعيلها الأم"، والتي أجرتها جمعية "البحث في تنمية الطفل" الأمريكية.
وقد خلصت إلى أن الأمهات الوحيدات يعانين من "أمومة متطلبة"؛ فالضغط الهائل الذي يشعرن به نتيجة المسؤولية التي تقع على عاتقهن -من دون مساعدة من المحيط- يعرّضهن لمجموعة من المخاطر تتراوح بين الصعوبات الاقتصادية والمشاكل النفسية، من شأنها أن تعرّض الأطفال لمخاطر أهمها عدم القدرة على التكيّف مع المجتمع.
لكن الموضوع قد يصبح أسوأ، بحسب دراسة نشرها المجلس الوطني للعلاقات الأسرية الأمريكي، وأشارت إلى أن قلق الأمهات وغضبهن يرتبط بالقلق والغضب لدى أبنائهن في مرحلة المراهقة.
فانتقال القلق والغضب إلى المراهقين أكثر وضوحاً في العائلات التي زادت فيها مسؤولية الأبوة -إلى جانب الأمومة- على الأم، وفي ظلّ غياب الوقت الكافي الذي يجب أن تخصّصه لنفسها.
هذا المعيار بالذات -قدرتها على البقاء وحدها لفترة كافية- كان السبب الرئيسي في انتشار شعور الضيق داخل بعض العائلات واحتوائه في بعض العائلات الأخرى، حيث تتمكن الأمهات من التقاط أنفاسهن، فيؤدين مهامهن من دون ضغط.
المطلقات أسوأ حالاً من الأرامل!
لعلّ المفاجأة أن وضع الأطفال يختلف وفقاً لوضع الأم، إن كانت مطلقة أم أرملة؛ ففي دراسة بعنوان "هيكل الأسرة ونجاح الأطفال: مقارنة بين عائلات الأرامل والمطلقات"، خلُص الباحثون إلى أن الأطفال في الأسر التي تُعيلها الأم، بسبب الطلاق، يتمتعون بمستويات أقل بكثير من التعليم والعمل والسعادة خلال مرحلة البلوغ، مقارنةً بالأمهات الوحيدات الأرامل.
ولكن مع ذلك لم تختلف أي من القيم الأسرية، والسلوكيات المتعلقة بالصحة، وأبعاد أخرى من نمط الحياة.. ولكن ما سبب هذا الاختلاف؟
بحسب الدراسة، فإن الأمهات المطلقات يشغلن مناصب مهنية أدنى، ويتعرّضن لضغوط مالية أكبر، نظراً لتراكم المسؤوليات واضطرارهن إلى العمل في وظائف مدفوعة، مع وجود تباين ضخم في الحماية الاجتماعية والتعامل القانوني والمادي بين المطلقة والأرملة.
فالأرملة تحظى بغطاءٍ كاف نسبياً من الحقوق، فيما تكافح الأولى للحصول على أبسط الحقوق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.