العاصمة هي المعقل الأول والأخير لأي ديكتاتور يحكم دولة ما، وهذا هو السبب الذي يزكي صراع السلطة والشعب عليها دائماً.
وعبر التاريخ، قامت الكثير من الانتفاضات والحركات الاحتجاجية التي لم تستطع الوصول إلى العاصمة وقد تم قمعها وإخمادها!
إيران عشية تحول كبير!
تقف إيران الآن على أعتاب تحول مهم وتاريخي، لقد بلغت انتفاضة الشعب الإيراني ذروتها باستشهاد الفتاة الكردية مهسا أميني في طهران، وستشرق انعكاساتها بالنور ليس على إيران فقط بل على العالم أيضاً، وها هي "الثورة" تتواصل لأكثر من خمسين يوماً دون توقف، وتتسع أبعادها ونطاقها كل يوم، وتتحدى وجود وبقاء الديكتاتورية المتسلطة على إيران، وتضع العديد من المعادلات المتعلقة بإيران على المحك وتحت الأضواء.
تشهد شعوب العالم الآن حقيقة كيف ذهب الشعب الإيراني في مواجهة ديكتاتورية عنيفة كند وعقد العزم مصراً على الإطاحة بها، وبكل قوانينها وتشعباتها وأجهزتها.
أبعاد ثورة الشعب اليوم!
وإذا كانت انتفاضة الشعب بالفترات السابقة قد اقتصرت على منطقة بعينها أو طبقة معينة في المجتمع الإيراني، فإن ثورة الشعب اليوم تشمل جميع مناطق وفئات المجتمع المختلفة، ويعتبر انسجامها واجتماعها على "صوت واحد" و"هدف مشترك" من بين سمات هذه الفترة الأكثر وضوحاً من ثورة الشعب!
مطالب وشعارات الشعب الإيراني!
بالرغم من طرح المطالب المشروعة والمتعددة في فترات انتفاضات الشعب السابقة، إلا أن "لغة" الناس في هذه الانتفاضة مختلفة تماماً عن الماضي، حيث لم يعد لدى الشعب الإيراني أية مطالب من هذه الحكومة سوى الرحيل. هذا هو السبب في أن شعاري "الموت لخامنئي" و"الموت للديكتاتور" هما الشعاران الأساسيان للشعب للثورة الحالية.
ماذا يجب فعله؟
يتزامن بلوغ ثورة الشعب الإيراني ذروتها مع أمواج من التوترات والأحداث والمؤامرات؛ مؤامرات الديكتاتورية الحاكمة وأنصارها، كما لو أدى دخول أفراد وتيارات جديدة إلى جعل الأوضاع معقدة لدرجة يتوجب فيها على التقدم أن يكون في حالة من اليقظة غير العادية.
فمن جهة مؤامرات الديكتاتورية الحاكمة الرامية لتحرف الثورة عن مسارها الحقيقي وخلق التفرقة والانقسام في صفوف الشعب، ومن جهة أخرى تصرفات المهادنين الغربيين بالتعاون والتنسيق مع الديكتاتورية الحاكمة بشكل من "البدائل" وزرع اليأس والإحباط في صفوف الشعب.
ويضاف إلى ذلك ظهور أفراد وتيارات وجهات من الانتهازيين والمتسلقة وراكبي الأمواج وهي طبيعة ما تمر به الفترة الانتقالية، وعليه فإن المُضي قدماً و "العبور المنتصر" من هذه المرحلة يتطلب تحركات إيجابية بالاعتماد على المبادئ الشعبية وتجنب حالة "ضياع الطريق"، وعدم إضاعة بوصلة الصواب.
إن المبدأ الأساسي والرئيسي في الثورة ضد الديكتاتورية هو التركيز على "المطلب الأساسي" للشعب في جغرافية الوطن والجغرافيا السياسية الميدانية، وإلا فإن المستفيد الأول من ذلك سيكون الحكومة، وبعبارة أوضح وهو أن المطلب الأساسي لانتفاضة الشعب الإيراني "إسقاط الديكتاتور" مع التمحور والتركيز على "العاصمة" أي طهران والحفاظ على "وحدة القوى الشعبية"، ويجب ألا ننسى أن حكومة ولاية فقيه الملالي وهي أكثر أنواع الديكتاتورية رعبًا، وفي الوقت ذاته لا نظير ولا مثيل لها في تاريخ إيران وتملك من الحيل والخبرات الكثير ومن بين خبراتها وتجاربها مسألة القدرة على "التفاوض" والخداع من أجل شراء "الوقت".
القوة الحقيقة العازمة على الإطاحة بالنظام
لقد ثُبٌت في تاريخ ومشوار نضال الشعب الإيراني ضد "الديكتاتورية الدينية" وهو ما لا يمكن إنكاره أن البديل "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" بمحوره منظمة مجاهدي خلق كان أقوى قوة في المشهد السياسي الإيراني ضد سلطة الملالي وهذا هو سبب تركيز الديكتاتورية الحاكمة دائماً على قمعهم داخل إيران وخارجها.
الترتيب الحالي للقوى المتخاصمة!
لقد وضعت ثورة الشعب الإيراني الحكومة على وشك السقوط، ويزداد انهيار الديكتاتور وقواته بشكل غير مسبوق، وبعض قادة الحكومة بصدد الهروب من إيران، وبات الناس وخاصة الشباب الإيراني في مرحلة مهاجمة القوات الحكومية، وكلما سنحت لهم الفرصة قاموا بتأديب عملاء الحكومة، ولا يزالون، وتتوسع وحدات المقاومة وتعيد تنظيمها بشكل غير مسبوق ولا يزالون يهاجمون المراكز الحكومية بشكل يومي، بالإضافة إلى استمرار الثورة الوطنية، وتصاعدت وتتصاعد شعارات الشعب المنادية بإسقاط الديكتاتورية كل يوم، ولم تستطع تهديدات قادة النظام وخاصة قادة ما يسمى الحرس الثوري أن تمنع الشعب من التحرك والاستمرار بالثورة، فلقد عقد الشعب العزم والنية ومصمم على تنفيذ القرار الذي اتخذه ولن يرضى بأقل من إسقاط النظام.
تذكير هام
كنا قد كتبنا بعد المجيء بإبراهيم رئيسي وتعيينه وتنصيبه رئيساً لـ"جمهورية الملالي" من قبل علي خامنئي في مقال بعنوان "إبراهيم رئيسي آخر رئيس للديكتاتورية الدينية!" وأن خامنئي "من أجل بقاء نظامه الديكتاتوري يحتاج إلى أشخاص مثل إبراهيم رئيسي الذي كانت يداه غارقتين في دماء الشعب والسجناء السياسيين حتى مرفقيه" وكان هذا التعيين "مقدراً أن يكون من علامات المرحلة الأخيرة من الديكتاتورية المتسلطة على إيران"، وكذلك كنا قد كتبنا أن "هذا التحور ينسجم تماماً مع منطق واستراتيجية المقاومة الإيرانية، وأنه لا الشاه ولا الشيخ اللذان لا يمتثلان تماماً مع الحدود المرسومة ترسيماً أساسياً في المشهد السياسي الإيراني، وفي السنوات الأخيرة عندما أصبحت الإطاحة بالديكتاتور الحاكم مطلباً رئيسياً للشعب الإيراني، ارتدت فئة من المدعين زيفاً بأنهم معارضون ملابس الشعبوية وأظهروا أنهم متوافقون مع الشعب الإيراني ولكنهم في الحقيقة كانت لديهم توافقات بالباطن مع الديكتاتورية، وهدفهم الرئيسي هو تعكير المشهد السياسي الإيراني لمصلحة الديكتاتور!".
بزوغ فجر "الحرية" عند الإطاحة بالديكتاتور!
يترادف شعار "الحرية" في إيران مع الإطاحة بالديكتاتور؛ ذلك لأن القاسم المشترك البارز بين جميع الأنظمة الديكتاتورية، وخاصة الديكتاتورية الدينية الحاكمة والتي تتلخص في "قمع الحريات"، والحرية ليست رغبة وإنما هدف يتحقق بإسقاط الديكتاتور، وتحت ضياء "الحرية" لن تقع إيران في أسر الديكتاتورية أبداً!
عزيمة الشعب الإيراني الراسخة!
لا بتهديدات الحرسي حسين سلامي قائد ما يسمى الحرس الثوري الذي خاطب الشعب الإيراني وقال: "دعوا الشر جانباً، اليوم تنتهي أعمال الشغب! ولا تنزلوا إلى الشارع بعد الآن"، ولا بمخططات خامنئي ولا رئيسي والسلطة القضائية تُشفى أوجاع هذا النظام المستعصية، ولن يتوقف الشعب الإيراني عن الحركة التي بدأها، وسيردون كيد الديكتاتورية إلى نحرها، والعنف والحكم العسكري وإحضار الحرس والقوات الأخرى والمسلحين الأشرار وذوي الزي المدني وقادة الأركان والإسناد والإسناد والمخابرات والقوات البرية والجوية والبحرية إلى الميدان لن تتمكن من الصمود والمقاومة أمام إرادة الشعب الإيراني، والإيرانيون عازمون على إعادة "إيران" إلى مكانتها الحقيقية في المجتمع البشري المعاصر من خلال الإطاحة بالديكتاتورية الدينية وإقامة حكومة وطنية شعبية ديمقراطية، ومما لا شك فيه أن استقرار وأمن هذه المنطقة من العالم يتطلب الأمر نفسه.
كلمة أخيرة
تتجه ثورة الشعب الإيراني الآن على استمرارها واتساعها بجميع المحافظات إلى العاصمة (طهران)، ولا يوجد في خريطة مسيرة الشعب الإيراني نحو الديكتاتورية الحاكمة سوى شعار إننا "نساء ورجالاً مقاتلون.. فقاتل حتى نقاتل".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.