أثار لويس سواريز، نجم منتخب أوروغواي لكرة القدم، الجدل خلال نهائيات مونديال البرازيل 2014، بعضته الشهيرة لمدافع المنتخب الإيطالي جورجيو كيليني، لكنه كان قد صنع الحدث، قبل تلك الواقعة بأيامٍ قليلة فقط، لما كان شريكاً في البطولة لقصة إنسانية مع أحد أعضاء الجهاز الطبي لمنتخب بلاده.. قصة تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم سينمائي بعنوان "سواريز والعجوز".
وقد يكون من المستحسن أن يبدأ الفيلم بعرض لقطة توجه لويس سواريز نحو رجل عجوز غير معروف لمعانقته بعد تسجيله للهدف الأول في مرمى منتخب إنجلترا خلال المباراة التي فازت بها أوروغواي (2-1) لحساب الجولة الثانية للدور الأول لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2014.
فلقد جابت تلك اللقطة معظم المحطات التلفزيونية الكبيرة في العالم، وتساءل الصحفيون على غرار الجماهير الرياضية عن ذلك الشخص الذي بدت علامات الطيبة واضحة على وجهه والذي حظي بإشادة خاصة من النجم الأوروغوياني، وذلك قبل أن تبدأ المعلومات تتدفق عنه وعن قصته المثيرة والحزينة أيضاً مع لويس سواريز.
سواريز أدى موسماً استثنائياً مع ليفربول ثم أصيب قبل المونديال
كان لويس سواريز، قبل شهر من بداية مونديال البرازيل 2014، في أوجّ عطائه الفني والبدني، بعدما أنجز أحد أفضل مواسمه الرياضية كلاعب محترف، فنال لقب هدّاف الدوري الإنجليزي الممتاز للموسم ذاته (2013- 2014)، بعدما سجل 31 هدفاً لفائدة فريقه ليفربول، كما تحصّل على جائزة أفضل لاعب في مسابقة "البريميرليغ".
وتُوّج أيضاً بجائزة "الحذاء الذهبي" لأفضل هدّاف بأوروبا، مناصفة مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي كان ينشط حينها ضمن نادي ريال مدريد الإسباني.
كما كان لويس سواريز في تلك الفترة محل صراع كبير بين قطبي الكرة الإسبانية، ريال مدريد وبرشلونة، قصد الظفر بخدماته مباشرة بعد اختتام نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي احتضنت أطوارها البرازيل في صيف 2014.
وفي الوقت الذي كانت فيه الجماهير الرياضية الأوروغويانية تترقب وتحلم بقيادة لويس سواريز منتخب بلادها نحو التألق في مونديال البرازيل والطموح بنيل كأس العالم، تعرضت لصدمة مفاجئة يوم 22 مايو/أيار، لما انتشر خبر تعرض نجمها المفضل لإصابة على مستوى الركبة خلال حصة تدريبية عادية للمنتخب بالعاصمة مونتيفيديو.
وبعد تشخيص طبيعة الإصابة بدقة بواسطة الرنين المغناطيسي، تبيّن أنّ لويس سواريز يعاني من قطع في الغضروف المفصلي للركبة اليسرى، وأنّ العلاج يتطلب إجراء عملية جراحية عاجلة ثم الخضوع لعملية إعادة تأهيل مكثفة مع أمل ضئيل للتعافي بشكلٍ تامٍ قبل بداية نهائيات المونديال، المقررة يوم 12 يونيو/حزيران.
وفعلاً تم إجراء العملية الجراحية في نفس اليوم الذي تعرض فيه اللاعب للإصابة، ونشر بعدها الاتحاد الأوروغوياني لكرة القدم بياناً رسمياً، منح من خلاله بصيصاً من الأمل لأنصار منتخب البلد الأمريكي الجنوبي، حين قال:" مشاركة سواريز في نهائيات كأس العالم ليست مستبعدة".
وللعارفين بطبيعة إصابة لويس سواريز، فإنّ العلاج منها يستغرق عادة من 4 إلى 6 أسابيع، وذلك بحسب نوعية ذلك العلاج وقوة إرادة اللاعب ومدى استجابة جسده لعملية إعادة التأهيل.
وبما أنّ المباراة الأولى لمنتخب الأوروغواي في الدورة النهائية لمونديال البرازيل 2014، مُبرمجة يوم 14 يونيو/حزيران أمام نظيره الكوستاريكي، لحساب المجموعة الرابعة، فإنّ مشاركة لويس سواريز في تلك المواجهة قد اعتبرت بالأمر المستحيل، كما كان مستبعداً جداً تواجد المهاجم الشرس على أرضية الميدان المحتضن للمباراة الثانية المقررة أمام منتخب إنجلترا يوم 19، في حين كان هنالك أمل ضئيل في جاهزية اللاعب للقاء الثالث أمام المنتخب الإيطالي، يوم 24 من الشهر ذاته.
من المؤكد أنّه كان هنالك لدى الكثير من الأوروغويانيين تفاؤل في تلك الأيام العصيبة بتعافي لويس سواريز في الوقت المناسب لخوض نهائيات مونديال البرازيل، ولكن كان هنالك رجلان اثنان أكثر تفاؤلاً من الجميع، وهما اللاعب نفسه والمُعالج الطبيعي الخاص بمنتخب أوروغواي، والتر فييرا.
فلويس سواريز كان يدرك جيداً أنّ الإرادة الكبيرة والانضباط التام في اتباع برنامج إعادة التأهيل سيقودانه لا محالة نحو الشفاء من الإصابة في أقصر مدة ممكنة، خاصة أنّ المكلف بمرافقته في عملية إعادة التأهيل هو أحد أعضاء الجهاز الطبي لمنتخب أوروغواي، والتر فييرا، الذي يملك تجربة كبيرة وكفاءة عالية في تخصص العلاج الطبيعي والذي قرر من جهته رفع التحدي والتضحية بصحته هو من أجل تجهيز نجم منتخب بلده للمشاركة في الحدث العالمي.
الطبيب العجوز جعل من علاج سواريز قضية وطنية
وقد جعل فييرا من علاج لويس سواريز قضية وطنية، فيما أصبح هو بطلاً قومياً بعدما نجح في مهمته المستحيلة؛ ما جعل أبناء أوروغواي يطلقون عليه اسم "الرجل المعجزة".
فبعدما غاب لويس سواريز عن المباراة الأولى للدور الأول لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2014، التي انهزمت فيها أوروغواي أمام كوستاريكا (1-3)، فإنه شارك في المباراة الثانية التي جرت أمام إنجلترا يوم 19 يونيو/حزيران 2014، أي بعد 28 يوماً من تعرضه للإصابة، أي 4 أسابيع بالتمام والكمال، وهي أقصر مدة ممكنة للتعافي من ذلك النوع من الإصابة.
وبما أنّ لويس سواريز شارك في مواجهة إنجلترا ضمن التشكيلة الأساسية وتألق فيها بشكل لافت بتسجيله هدفي فوز أوروغواي (2-1)، فإنّ ذلك يعني أنّه كان قد خاض عدة حصص تدريبية جماعية مع زملائه، أي أنه شفي من الإصابة قبل ذلك الموعد بأيام عدة.
ويعود الفضل في كل ذلك إلى المعالج الطبيعي والتر فييرا، الذي كان يبلغ حينها 62 سنة، بعدما كرّس كل جهده ومعظم وقته لعلاج لويس سواريز من الإصابة الخطيرة، حتى إنّه ضحّى بصحته من أجل تجهيز هداف الأوروغواي للمشاركة في مونديال البرازيل والمساهمة في إنجاح مسيرة منتخب بلاده في هذه البطولة العالمية الكبرى.
وقد كشفت زوجة والتر فييرا، السيدة كارمن، في تصريحات لها بعد صعود نجم زوجها، في تلك الفترة، أنّ زوجها كان يعاني أحد أنواع مرض السرطان، وأنّه أجرى آخر حصة للعلاج الكيميائي قبيل السفر إلى البرازيل رفقة منتخب الأوروغواي، وأنّ الأطباء قد منحوه الضوء الأخضر للسفر لأنّ حبه للعمل يساعده في العلاج، موضحة أنّه قد توجه إلى البرازيل بحقيبة كبيرة مليئة بالأدوية.
وكان يتمثل عمل والتر فييرا طيلة أربعة أسابيع في علاج النجم السابق لنادي ليفربول بحيث كان قبل السفر إلى البرازيل، يزوره كل يوم في بيته في أوروغواي كما كان يقوم أيضاً باستضافته عنده من أجل القيام بحركات إعادة التأهيل وحصص الدلك.
وقد اعترف لويس سواريز بفضل والتر فييرا، وذلك من خلال رسالة شكر وجهها له بالفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مباراة إنجلترا، قال فيها: "لولاه لما كنت هنّا.. لقد مر هو الآخر بأوقات صعبة.. لقد ضحى بزوجته وبأبنائه.. لن أنسى أبداً فضله علي".
عضة سواريز الشهيرة للإيطالي كيليني أفسدت القصة الجميلة
وشارك لويس سواريز، في اللقاء الثالث لمنتخب أوروغواي، لحساب دور المجموعات، والذي فاز به أمام نظيره الإيطالي، بفضل هدف يتيم من تسجيل دييغو غودين.
وقد صنع سواريز الحدث في تلك المباراة بعضته الشهيرة لكتف مدافع منتخب إيطاليا، جورجيو كيليني، وذلك دون أن يشاهده حكم اللقاء، فلم يتعرض حينها للطرد، ولكن اللجنة التأديبية للاتحاد الدولي لكرة القدم وبعد معاينتها لفيديو المباراة، قررت استبعاد النجم الأوروغوياني من المونديال، ثم عاقبته بحرمانه من اللعب في 9 مباريات مع منتخب بلاده، إضافة لـ4 أشهر مع ناديه.
وأُقصي منتخب الأوروغواي في الدور ثمن النهائي لمونديال 2014، بعد انهزامه أمام نظيره الكولومبي 0-2؛ حيث افتقد لفعالية وشراسة مهاجمه لويس سواريز الذي وبعد قضائه بعض الأيام الصعبة، أمضى عقداً احترافياً جديداً مع نادٍ أوروبي كبير، وتعلق الأمر بفريق برشلونة الإسباني الذي دفع 81.72 مليون يورو لنادي ليفربول قصد تسريحه.
أما الطبيب والتر فييرا، فإنه لم يعش بعد ذلك المونديال أكثر من عامٍ واحدٍ ونصف؛ إذ وبعد معاناة كبيرة مع المرض الخبيث، غادر الحياة يوم 3 يناير/كانون الثاني 2016.
وقد نعاه لويس سواريز بحزن شديد من خلال حساباته على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فقال: "اليوم، فقدنا أكثر من صديق.. لن أنسى أبداً ما فعلته لي، لأنك علمتني أشياء كثيرة في الحياة، وأشكرك على إتاحة الفرصة لي للعب في كأس العالم".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.