ربما لم يُحَك للمسلمين من المؤامرات، منذ قيام دولة الإسلام في المدينة وحتى سقوط الدولة العثمانية آخر خلافة إسلامية في العالم الإسلامي، ما حاكته ودبّرته أمريكا، منذ صعودها بعد الحرب العالمية الثانية، كأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم منذ ذلك الوقت وحتى الساعة.
سلسلة المؤامرات الأمريكية كثيرة، ولعل أهمها وأكبر الأدلة على وجودها أحداث "11 سبتمبر" وما أعقبها من أحداث وحروب غيّرت خريطة العالم الإسلامي، وشُوِّهت صورته وفَتَحت به أمريكا على العالم الإسلامي باباً من الخراب والدمار الذي لا ينتهي. تحت مسمى وبذريعة محاربة الإرهاب، وهي كلمة باطل وما أريد وما يراد بها أشد وأعظم، وقد صارت فيما بعد تهمة لكل مسلم تسوّل له نفسه المطالبة بحقه، وذريعة لتبرير قتله وسجنه.
من المعلوم والمعروف أن أمريكا لا تقدم رجلاً ولا تؤخّر أخرى إلا في سبيل المحافظة على مصالحها وكل ما من شأنه توسيع رقعة وتقوية نفوذها وسلطانها. بدءًا بالانقلابات العسكرية ودعم الأحزاب والأطراف السياسية والاتفاقات الاقتصادية وبناء القواعد العسكرية في البلدان الإسلامية منذ سقوط الدولة العثمانية، وانتهاءً بالحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة.
شكّل بسط السيطرة وتوسيع رقعة النفوذ سياسياً وعسكرياً مطلباً أكثر من استراتيجي وميدان سباق حاول كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية الفوز والحصول على أكبر نصيب من الكعكة فيه، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي لطالما كانت هدفاً ومطمعاً وغنيمة تتنافس عليها القوى الإمبريالية الاستعمارية قديماً ( فرنسا وبريطانيا) قبل سقوط الدولة العثمانية وبعده.
لذلك وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للدخول إليه، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وشعورها بنشوة النصرة والرغبة في كسب مزيد من النفوذ والسيطرة في العالم، وسد الفراغ الذي وقع في الشرق الأوسط نتيجة تآكل قوى الدول الاستعمارية.
وفي ظل صعود نجم الاتحاد السوفييتي، الذي بدأ ينافس نجم أمريكا في زعامة العالم واستقطاب الدول والزعماء لكسبهم لصالحه على حساب أمريكا (كالزعيم الليبي معمر القذافي والعراقي صدام حسين)، كان قرار أمريكا كالمعتاد لمجابهة السوفييت وكمحاولة لجذب البساط من تحتهم، بإقامة الانقلابات على الرؤساء وزرع الانقسامات في الدول التي تراها غير خاضعة، أو ترى أن من مصلحتها تقسيمها. وهو ما حدث بدعم فصل جنوب السودان عن السودان، ودعم فصل بنغلاديش عن باكستان، ودعم إسرائيل في مقابل الدول العربية والضغط عليها للاعتراف بها دولة يهودية ذات حق وسيادة ووجود قائم على حساب أرض وشعب فلسطين المحتلة.
أو نشوب الحرب وتغذية الصراعات العرقية والطائفية فيها، والخلافات البينية بين الدول الإسلامية الشقيقة كما هو الحال الآن بين دول الخليج والواقع الآن بين شعوب العراق وسوريا من الخلاف والاقتتال بين السنّة والشيعة، وليس هذا فحسب فثمة سعي حثيث لدى أمريكا بمنع العرب خصوصاً، والمسلمين عموماً، من امتلاك أو صنع أسلحة متطورة، تعزز حماية أمنهم أو تؤدي إلى استقلال قرارهم وتقوية موقفهم والدفاع عن مصالحهم وحقهم.
وهذا يظهر جلياً في منع أمريكا العراق وغيره من الدول العربية التي سعت إلى امتلاك أسلحة نووية لإقامة توازن وامتلاك قوة ردع في مواجهة إسرائيل، عدو العرب اللدود، الذي سمحت له، بل دعمته بالمال والخبرات حتى صنع سلاحاً نووياً صار يهدد به أمن العرب ووجودهم.
هذا إضافة إلى غزو أمريكا للعراق وتدميره كلياً خدمة لإسرائيل، وتقديمه قرباناً وهدية لإيران الشيعية التي هي الأخرى تهدد الدول العربية والسنية، وهذا هو ما أضعف موقف دول الخليج وعلق قرارهم بأمريكا التي جعلت من نفسها حامية لأنظمة حكمهم وأمنهم من تهديد إيران الشيعية.
وفي باكستان، الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك سلاحاً نووياً، سعت أمريكا بحدها وحديدها لمنعها من امتلاك سلاح نووي لمواجهة الهند الخصم اللدود الذي يهددها، إلا أن محاولتها باءت بالفشل بسبب السرية والغموض الذي اعتمده الباكستانيون والفشل الاستخباري الأمريكي في تتبع سير البرنامج وعرقلته.
ورغم كل ذلك، فإن سيل التآمر وسلسلة المؤامرات الأمريكية تجاه العالم الإسلامي لا تنتهي ولا تتوقف هنا، ولا يبدو أنها ستتوقف أو تنتهي حتى في أوقات الحرب والأزمات والظروف الحرجة، ففي أثناء الحرب الباكستانية الهندية، رفضت أمريكا تزويد باكستان بصواريخ مضادة للدروع لمواجهة الدبابات الهندية التي بدأت التوغل في الأراضي الباكستانية، بل منعت الصين وهددتها بفرض عقوبات في حال زودت باكستان بتلك الصواريخ.
وفي أثناء حرب البوسنة والهرسك رفضت أيضاً تزويد الجيش البوسني بالسلاح لمواجهة اعتداءات الصرب المدججين بأعتى الأسلحة والعتاد العسكري الحديث.
وفي سوريا منعت الثوار السوريين من الحصول على أسلحة نوعية أو مضادات طيران محمولة على الكتف لصدم هجمات طيران النظام السوري الوحشية على المدنيين العزل.
وقبل احتلال العراق سهّلت هجوم صدام على الكويت، ووافقت عليه سراً لتتزعم محاربته وإخراجه منها على العلن لاحقاً، وهو ما يظهر نوايا أمريكا الخبيثة المبيّتة تجاه العالم الإسلامي، التي تسعى من ورائها إلى تدميره واحتلاله وتقسيمه من جديد لنهب ثرواته وخيراته وإذلال شعوبه كما فعلت فرنسا وبريطانيا من قبل.
ليست أمريكا، وإن ادعت نشر الحرية والديمقراطية وحماية الشعوب وحقوق الإنسان التي هي أول وأكبر المنتهكين لها ومناهضة الاستعمار إلا امتداداً للفكر والنظام الإمبريالي الاستعماري القديم الذي كان قائماً في عالمنا الإسلامي بعد سقوط الدولة العثمانية وتقسيمها.
ومن خلال سرد هذه الأحداث والوقائع فإن من نافلة القول أن سياسة أمريكا تجاه العالم الإسلامي عموماً، وبصفة واضحة جلية، تراوحت بين المؤامرة والتآمر!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.