في أكتوبر/تشرين الأول من السنة الجارية، وقّعَ المغرب مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية "شراكة خضراء" بشأن الطاقة والمناخ والبيئة؛ في إطار التزامهما بتنفيذ اتفاق "باريس للمناخ"، وترمي هذه الاتفاقية إلى تعزيز إطلاق مشروع "الهيدروجين الأخضر"، بينما انخرطت الجزائر في بناء منشأة إنتاج هيدروجين أخضر باستخدام الطاقة الشمسية، لإنتاج 1 غيغا-واط من الكهرباء في الجزائر. أما مصر فانخرطت في المشروع عبر وساطات من شركات لها مصالح اقتصادية.
والأخضر ليس وصفاً للون الغاز الذي قد يصبح مسالاً، لكنه يعني، بحسب مروجيه، أن إنتاجه لن يؤدي إلى تلويث البيئة بالانبعاثات الضارة، حيث يعتمد على إنتاجه من مصادر الطاقة البديلة، كالرياح والكهرباء، وأن تركيب وحدات للطاقة الشمسية جديدة، وزيادة الاستغلال، يعنيان استنزافاً للمياه أكثر والأراضي، والموارد، مما يرفع التكلفة أكثر.
في المغرب، تبدو "سياسة الهيدروجين الأخضر" تتمدد، وقد تدفع الطبقة المتوسطة في المغرب ثمنها لاحقاً إذا نجحَ ما يتم التخطيط له، وفي خضم جدل وتخوفات دائرة حول ارتفاع ثمن قنينات الغاز "البوطان" بالبلاد في حالة ما إذا رفعت الدولة الدعم عنها، دعا البنك الدولي قبل أسبوع، الدولة إلى إلغاء هذا الدعم، وتخصيصه لاستثمارات جديدة في مجال "الهيدروجين الأخضر" بداعي "الحفاظ على البيئة".
لفهم أولاً تركيبة ما يُسمى بـ"الهدروجين الأخضر"، نشر باسكو سابيدو، عن مرصد شركات أوروبا CEO والمعهد الدولي، تقريراً يشرح حقيقة مشاريع الهيدروجين الأخضر التي يدفع بها الاتحاد الأوروبي تجاه دول شمال إفريقيا، ويستند التقرير في البدء إلى دراسة أعدها خبير الطاقة مايكل برنارد بتكليف من مرصد شركات أوروبا والمعهد الدولي تبحث في أمر المغرب والجزائر ومصر.
وخلصَ التقرير إلى أن "الهيدروجين الأخضر" ورغم أنه يُنظر إليه ويقدم من قبل صناعة الغاز بصفته حلاً أخضر، فإن التحول من الغاز الطبيعي/الأحفوري إلى الهيدروجين ليس بالحل المناخي الناجع للاتحاد الأوروبي أو لشمال إفريقيا".
حول هذه الصفقة، التي أفرد لها الخبراء المذكورون صفحات مطولة، تخفي وراءها أشياء عدة، ومطامع مختلفة، وحيل جديدة، وقد تُحقق كل شيء إلا شيئين أساسيين وهما: الحفاظ على البيئة، وخفض التكلفة.
ويكشف تقرير "هيدروجين من شمال إفريقيا: حقيقة خطط الاتحاد الأوروبي لاستيراد الهيدروجين الأخضر"، أن "قضية إنتاج الهيدروجين وتكاليف النقل وأنواع الوقود "الخضراء" المرتبطة به تشكل مصدر قلق كبير".
وأضاف التقرير: "وتصبح التكلفة مثيرة للقلق بشكل خاص عندما يكون الهيدروجين المنتج في شمال إفريقيا موجهاً لتلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الطاقة. إذا كانت أوروبا ستستخدم هيدروجين شمال إفريقيا، فقد تكلف ما يصل إلى 11 مرة أكثر من استخدام الغاز الطبيعي. وهنا من الواجب طرح السؤال: من سيدفع هذه التكاليف؟".
ويبقى هذا السؤال مشروعاً، ويُضاف إليه سؤال رئيس آخر: هل سيتحول الأمر برمته إلى باب خلفي لاستمرار استغلال الوقود الأحفوري؟ وفي مسألة أخرى، لماذا يُوجه الاتحاد الأوروبي أنظاره لشمال إفريقيا؟ فخلال مؤتمر، على علاقة بموضوع تعزيز مشروع "الهيدروجين الأخضر" بالمغرب، صرحت مسؤولة أوروبية بأن "اختيار شمال إفريقيا لتوليد كميات كبيرة من الهيدروجين، يعود إلى سبب مناخها الجاف والمساحات الشاسعة من الأراضي المتوافرة لديها واليد العاملة الرخيصة".
وفي هذا الصدد يقول مؤلفو التقرير حول اهتمام الاتحاد الأوروبي بـ"الهيدروجين الأخضر": "يمكن تفسير اهتمام الاتحاد الأوروبي المتزايد بالهيدروجين الأخضر على أنه حصان طروادة لصناعة الغاز، أو باب خلفي يسمح باستمرار عمليات الوقود الأحفوري".
ويضيف: "في الحقيقة، يرى الاتحاد الأوروبي أنه لا يزال من الممكن استخدام أشكال أخرى من الهيدروجين، (منخفض الكربون) المصنوع من الغاز مع ثاني أكسيد الكربون الذي يتم التقاطه ودفنه تحت الأرض والذي يعرف بالهيدروجين (الأزرق)، والذي سيكون بمثابة (وقود انتقالي) نحو الهيدروجين الأخضر".
وبالتالي، إن الدفع بالهيدروجين الأخضر واقتصاد الهيدروجين أمر نال بالفعل الدعم من كبرى شركات النفط والغاز الأوروبية، ويقول التقرير: "إن الهيدروجين الأخضر تراه الشركات باباً خلفياً لاستمرار أشغالها، يمكن من خلاله استخراج الهيدروجين من الغاز الطبيعي/الأحفوري".
وتود هذه الشركات بناء موجة من الإقبال على الهيدروجين الأخضر، ثم بناء طلب اقتصادي كبير عليه، وعندما لا يتوافر ما يكفي من الكهرباء الخضراء أو سعة كافية للتحليل المائي لإنتاجه؛ يحل محله الهيدروجين الأزرق. إن هذه الشركات مشاركة بالفعل حالياً في هذه المشاريع وتراها بمثابة حل دائم ومستقر يمكنها من أن تهرب به إلى الأمام.
وهكذا تحاول شركات الغاز الأوروبية خلق الضجيج حول اقتصاد الهيدروجين بحيث تضفي الشرعية على استخدام الأشكال الضارة من الهيدروجين في حالة نقص الكهرباء الخضراء، حيث تأمل شركات الغاز الأوروبية أن يتجاوز الطلب إمدادات الكهرباء المتجددة اللازمة للهيدروجين "الأخضر" وبهذا يضطر الاتحاد الأوروبي (أو العالم بأسره) إلى الاعتماد على الهيدروجين الأزرق. وبهذه الطريقة، فإن ما كان من المفترض أن يكون "وقوداً انتقالياً" قد يصبح عملياً "وقود الوجهة النهائية".
ويرى كُتاب التقرير، المدعوم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية، أنه من أجل إحداث قطيعة تامة مع نموذج الطاقة الاستعماري الجديد المبني على إخضاع شعوب الجنوب، يجب على الاتحاد الأوروبي التخلي بشكل قاطع عن أهدافه الواهمة لاستيراد الهيدروجين، وإعادة التركيز على تلك الاستثمارات الواعدة بالطاقات المتجددة والكفاءة الطاقوية بشكل عادل ومنصف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.