تمر ليلة الهالوين من كل عام، مذكرة لنا بأسوأ مخاوفنا، ولكن مع مرور الأعوام والسنين تختلف المخاوف وتتغير مع تطور شخصية الإنسان، ولكن هالوين هذا العام يحمل في طياته إحدى أكثر المخاوف رعباً بالنسبة للعديد من البشر، وهو الخوف من المهرجين.
هل تساءلت يوماً عن حقيقة الخوف من المهرجين؟ لماذا يخاف الكثير من الناس من ذلك الرجل الكوميدي المضحك ذي مساحيق التجميل المثيرة للسخرية على وجهه؟، لماذا يتملك الناس شعور بالخطر بمجرد رؤيته؟ هل هذه مشكلة في هؤلاء الناس، أم مشكلة في مفهوم المهرج نفسه؟
فيلما Terrifier ينجحان في تقديم لمحة لنا عن الإجابة المنشودة، لذا دعني أولاً آخذك في رحلة حول هذين الفليمين.
Terrifier الجزء الأول:
في عام 2016 صدر الفيلم الذي لم تتجاوز تكلفته 100 ألف دولار أمريكي، فيلم يظهر للمشاهد في المرة الأولى أنه أحد أفلام الدرجة الثانية، وبالطبع لم يحصل الفيلم سوى على تقييم 5.6 على IMDB وتقيييم 56% على موقع Rotten Tomatoes، ولكن لم يمنع هذا الفيلم من أن يحصد مكانه وسط كلاسيكيات أفلام الرعب المقدسة.
فقصة الفيلم قد تكون بسيطة إلى حد ما، فهي تحكي عن "Art" المهرج السفاح، والذي يعود إلى هيجانه القاتل باختطاف 3 نساء، وقتل كل شخص يقف في طريقه.
ولكن رغم بساطة القصة الملحوظة، وكذلك الحبكة بشكل عام، يقدم الفيلم جرعة زائدة عن الحد لكثير من الناس عبر الرعب المعوي وهالة الخطر التي تحيط بشخصية المهرج القاتل، فعلى مدار الثمانين دقيقة وهي مدة الفيلم، ستتبع المهرج المجنون، بينما يعيث فساداً في البلدة، ويمزق كل إنسان يرى ابتسامته المرعبة.
ومن هنا تبدأ التفاصيل التي جعلت هذا الفيلم محبوباً لجمهوره بالظهور، فشخصية المهرج تقدم مزيجاً من الرعب والكوميدية السوداء عبر الأداء الإيمائي الذي يشبه، إلى حد كبير، ما رأيناه في فيلم Joker من بطولة خواكين فينيكس.
كما أن الفيلم يقدم جرعة غير مسبوقة من العنف الذي يتبع تصنيف أفلام الـSlasher، وهو العنف الذي حُرم منه المشاهدون بسبب سيطرة الأيدولوجيات الحديثة على السينما لفترة طويلة.
في النهاية، يقدم Terrifier الجزء الأول جرعة قصيرة ومركزة من عنف ورعب القتلة المهرجين، ولكن ماذا عن جزئه الثاني، الذي صدر في السينما مؤخراً؟ هل يرتقي لمستوى التوقعات؟
Terrifier الجزء الثاني:
بالطبع يدمر الجزء الثاني كل التوقعات ويتجاوزها بشكل رهيب، حيث إنه وبميزانية 250 ألف دولار فقط استطاع نحو 6 ملايين دولار، وكذلك تمكن من حصد تقييم 87% على Rotten Tomatoes و6.5 على IMDB.
وتتبع قصته المهرج السفاح "Art" مجدداً، ولكن بعد إعادة بعثه للحياة عن طريق كيان غامض، يعود المهرج ليعيث فساداً في بلدته ويطارد فتاة مراهقة وأخاها الأصغر في ليلة من رعب الهالوين.
إذاً كيف يتفوق الجزء الثاني على سابقه؟
في البداية يصدر الجزء الثاني بعد 6 أعوام كاملة من سابقه، وهو ما جعل الجمهور الذي لم يتعرّض لتجارب مشابهة طوال تلك المدة، في حالة من العطش لإعادة هذه التجربة الدموية المفزعة من جديد.
بشكل واضح، كذلك يمتد الجزء الثاني لمدة أطول من سابقه، حيث أصبحت مدته ساعتين وثماني عشرة دقيقة، وطوال هذه المدة الطويلة نسبياً، نتعرض لجرعة مكثفة من الكوميديا السوداء والمطاردة الحابسة للأنفاس وحمام الدم الذي لا ينتهي.
كذلك يكمن السر في نجاح الجزء الثاني الملحوظ، أنه يقدم التركيبة المثالية لما يجب أن تكون عليه أفلام الرعب تحت تصنيف الـSlasher، والتي ظهرت منذ ستين عاماً.
وفي النهاية يداعب الفيلم بشكل مركز أكثر الخوف المرضي داخل قلوب البشر من المهرجين، مما يدفعنا للتساؤل عن سبب خوفنا الملحوظ منهم.
لماذا يخاف الناس من المهرجين؟
يتشارك العديد من الناس في خوفهم من المهرجين، ويسمى هذا الخوف بالـCoulrophobia، ويمكن إرجاع هذا الخوف إلى كون تركيبة شخصية المهرج هي إحدى أقدم التركيبات الأدبية في التراث الإنساني، والتي تُسمى بشخصية المخادع.
بالطبع شخصية المخادع ذاتها تم اقتباسها بشكل كامل من النصوص الدينية، وهي الشخصية التي كانت مرآة لما عليه شخصية الشيطان، أو لوسيفر، أو ساتان أو إبليس على حسب تسميتك له.
تمثل شخصية المهرج والمخادع تركيبة مريبة للكثير من البشر، فهي تمتاز بالكوميدية والسخرية، وكذلك بالشر المطلق والخداع والخبث، وهذا المميزات تدفع البشر بشكل طبيعي للشعور بالقلق وعدم الراحة تجاه هذا النمط من الشخصيات.
بالطبع لم ينفك الأدب العالمي منذ بداية التاريخ الإنساني عن تقديم العديد من الأمثلة والتنوعات المأخوذة من ذات التركيبة، مبينة بذلك الخوف المتوارث القديم داخل البشر.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، في روايته المشهورة "الشيء" أو "It"، وكذلك في الأفلام الرائعة التي أُقتبست منها، استمد ستيفن كينج شخصية المهرج الشرير بيني وايز من شخصية حقيقية، وهي السفاح المشهور "جون واين جاسي"، وهو أحدث مثال يمكنني الحديث عنه، لأنه يمثل التركيبة المثالية لتلك الشخصية.
من هو جون واين جاسي مصدر معظم اقتباسات المهرجين السفاحين؟
في طفولته، عانى جون من طفولة صعبة بسبب والده المدمن على الكحول، والذي عرّضه للتعنيف والضرب المستمرين، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فصديق والده أيضاً كان يقوم بالإعتداء عليه جنسياً.
كانت الطفولة الصعبة من العوامل المهمة في تكوين شخصية جون، وجعله يتبنى تركيبة شخصية المخادع بشكل كامل، فجون استطاع إخفاء الظلام الذي اختمر داخله مدة طويلة، وارتدى قناعاً ضمن به مكانة اجتماعية ملحوظة بين محيطه من البشر.
فقد تزوج وأصبح رجل عائلة ملتزم، عرفه الناس بأعماله الخيرية وعطفه على الأطفال اليتامى، وكان مشهوراً كذلك بارتداء زي مهرج، حيث يمازح به الأطفال خلال أعياد ميلادهم وحفلاتهم التي حاول فيها تعويضهم عن مأساة يتمهم.
حصل جون على شهرة ملحوظة في وسائل الإعلام باسم المهرج بوجو، وأصبح مصدراً للخير ومثالاً للفخر وسط المجتمع الأمريكي الخيري، ولكن كما قلت سابقاً لم يكن ذلك سوى قناع ومزيج من شخصيته المخادعة.
فكما كان المهرج بيني وايز لطيفاً ومرعباً، وكما كان المهرج "Art" كذلك، كان جون رعباً متخفياً، حيث قام باختطاف 33 شاباً وطفلاً ما بين عامي 1972 و1978، ثم اغتصبهم وقتلهم ودفنهم أسفل منزله.
في عام 1994، تم إعدام جون بالحقنة القاتلة، بعد كشفه بسبب هروب إحدى ضحاياه واعترافه بكل جرائمه، وفي النهاية أصبح جون المثال الحقيقي والمصدر الرئيسي لاقتباس جميع شخصيات المهرجين السفاحين في أفلام الرعب، فقد قدم بشكل مثير للاهتمام التركيبة المثالية والأكثر رعباً وفزعة لشخصية الشيطان المخادع ذي القناع اللطيف والكوميدي، فأصبح كأنه وحي محفور في التاريخ الإجرامي.
لذا، ماذا تنتظر؟ يأتي يوم الهالوين من كل عام ليمنحك فرصة أن تختبر نفسك أمام مخاوفك، والآن حان الوقت لمواجهة خوفك من المهرجين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.