يبدو أن بنيامين نتنياهو في طريقه للعودة إلى رئاسة الوزراء، وتشكيل حكومته السادسة في إسرائيل. العودة التي أكدت مركزية حزبه الليكود، كمن يقود معسكر اليمين المتطرف، ما كانت لتتحقق دون نتائج استثنائية ومفاجئة حققها حلفاؤه الأكثر تطرّفاً، وتحديداً حزبا شاس والصهيونية الدينية، ومن دون ذلك ما كان التحالف المتطرّف ليتجاوز عتبة الستين مقعداً المطلوبة لتشكيل الحكومة، وبالتالي بقاء حالة الشلل السياسي كما هي، علماً أن النتيجة نفسها وحتى تشكيل الحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، لا يعني انتهاء الشلل والخلافات المستحكمة حتى بين أعضاء التحالف الواحد، بل ربما تكون تعبيراً عنه، ولكن بشكل مختلف ومقنّع، وبالطبع ستكون للنتائج تداعيات على المشهد العام في فلسطين لجهة التعاطي مع الفلسطينيين والسلطة، بل مع السلطتين في الضفة الغربية وغزة، كما مع المواطنين العرب في الأراضي المحتلة عام 1948، المفترَض أنهم مواطنون إسرائيليون قانوناً، ولكن يتعرضون للتمييز مع دعوات لتهميشهم، وحتى ترحيلهم وقتلهم وفق التهديدات والدعاية الانتخابية لحلفاء نتنياهو.
مبدئياً؛ لم تكن النتائج مفاجئة تماماً، حيث أشارت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات إلى إمكانية حصول معسكرنتنياهو على 59 – 60 مقعداً من أصل 120، ولكن مع تطورات واستطلاعات وتحركات الساعات الأخيرة جرى الحديث عن إمكانية الحصول على 61 مقعداً، أي الأغلبية النسبية التي تسمح له بتشكيل الحكومة القادمة.
في الساعات الأخيرة، ومع التهويل المتطرّف وحتى العنصري لنتنياهو وحلفائه بحجة ارتفاع نسبة التصويت في صفوف عرب 48 – اتضح أنه غير صحيح – ارتفعت نسبة التصويت بشكل عام، وفي صفوف اليهود بشكل خاص، غير أن هذا الارتفاع لم يصبّ مباشرة في خانة الليكود، وإنما لحلفائه الأكثر تطرّفاً وبما انعكس إيجاباً عليه في المحصلة النهائية بالطبع، مع حصول المعسكر ككل على 64 مقعداً؛ ستكفل له تشكيل الحكومة القادمة.
بتفصيل أكثر، تحدثت الاستطلاعات طول الوقت عن مراوحة الليكود حول 31-32، وهو ما حصل بالفعل، وهذا رقم غير بسيط، كونه يمثل ربع مقاعد الكنيست مع نسبة أصوات مماثلة تلامس حدود الـ25%، ما يعني أنه بات يمثل فعلاً نقطة جذب واستقطاب والعمود الفقري للمعسكر الأكثر تطرّفاً في الدولة العبرية.
هنا لا بد من الإشارة إلى معطى تاريخي مهم، ومع تأسيس رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون حزب كديما 2005، كحزب يميني وليس وسطياً بالتأكيد، تمت إزاحة الليكود نحو خانة اليمين المتطرّف، ومع اندثار كديما بقي الليكود مكانه، بينما ملأت الفراغ عدة أحزاب على مدى السنوات الماضية، مثل أزرق أبيض والمعسكر الوطني، وحزب هناك مستقبل، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الانتقالي الحالي يائير لايبد.
إذن، حدثت الطفرة التي أدّت إلى انتصار صريح لمعسكر اليمين المتطرّف في مقاعد الأحزاب الدينية والقومية، مع حصول حزبي يهوديت هتوراة على 7 مقاعد وشاس على 11 مقاعداً أي أكثر بـ3 مقاعد مما أعطته الاستطلاعات، علماً أنهم يمثلون المتدينين غير القوميين وغير الصهاينة أصلاً – لا يخدمون في جيش الاحتلال – لكنه باتوا متطرفين سياسياً مع الوقت، حتى مع تركيزهم على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وحصد ميزانيات للمدارس والمؤسسات الخدمية التابعة له.
من جهته، حصل حزب الصهيونية الدينية القومي المتطرّف، بزعامة أيتمار بن غفير وبتسئيل سموترتيتش أيضاً على مقعدين إضافيين 14 مقعداً بدلاً من 12، حسب الاستطلاعات السابقة، وذلك تتويجاً لحملة انتخابية عنصرية وفاشية بامتياز، علماً أنهم من يقودون اقتحامات المسجد الأقصى والتهويد بمحيطه في الشيخ جراح وسلوان، كما التحريض واعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية مع دعوات للتهجير القسري "ترانسفير" ضد العرب في الأراضي المحتلة عام 1948.
في المعسكر المقابل، لم يتراجع حزب يائير لايبد "هناك مستقبل"، بل بات حزب المعارضةً الرئيس، وللدقة حزب اليمين المركزي مع حصوله على 24 مقعداً، ولكنه جرف أصواتاً على حساب حلفائه ضمن ما تعرف بكتلة التغيير، ولذلك عجز حزب ميرتس مثلاً عن تجاوز نسبة الحسم، بينما تجاوزها بصعوبة بالغة حزب العمل.
أما التراجع الكبير، فكان من نصيب المعسكر الوطني وزعيمه وزير الدفاع الحالي الجنرال يني غانتس، المتحالف مع منشقين عن الليكود والذى انضم إليه رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت، كون انتقال الأصوات إلى معسكر نتنياهو وحزب "بن غفير" حصل أساساً من مصوّتي المعسكر الوطني "اليمينيين"، الذي قد يضعف حتى يتلاشى ويندثر نهائياً في المدى المنظور والمتوسط، كمعظم الأحزاب التي أسسها الجنرالات في العقود الخمسة الأخيرة منذ يغال ألون بداية السبعينيات، مروراً بعيزرا وايزمان وموشيه دايان وإسحق مردخاي إلى موشيه يعلون، الذي اعتزل مؤقتاً ورفض التنافس في الانتخابات الأخيرة.
في صفوف كتلة التغيير يمكن النظر كذلك إلى تراجع حزب أفيغدور ليبرمان "إسرائيل بيتنا" من نفس المنظور، وهو بالتأكيد يميني متطرف وعنصري أيضاً، بينما فضّلت شريحة من مؤيديه التصويت للنسخة الأصل، الأكثر تطرفاً وفظاظة في معسكر نتنياهو.
في الانتخابات الأخيرة رأينا مرة أخرى دليلاً ساطعاً على تراجع وانهيار اليسار بالمعنى الإسرائيلي؛ حيث راوح "ميرتس" حول نسبة الحسم، وعليه ستخلو الكنيست لأول مرة منذ 3 عقود من الحزب الصهيوني الوحيد الذي يعرف نفسه كيساري.
فيما يخص عرب 48 كانت المقاطعة سيدة الموقف مع عزوف نصف الناخبين تقريباً عن الاقتراع كتعبير عن الإحباط تجاه الأحزاب العربية وانقساماتها وخلافاتها وعدم توحدها، علماً أنها نالت مجتمعة 15 مقعداً في انتخابات 2015، والعزوف يعبر كذلك عن القنوط واليأس من المؤسسة الإسرائيلية التي تزداد عنصرية وفاشية تجاههم.
في الجانب الآخر، وفيما يخص النتائج، فلا شك أن الحضور الأكبر كان للحركة الإسلامية "المدجنة" بزعامة منصور عباس التي حصدت 5 مقاعد، وهي نتيجة تعادل ما حصلت قائمة الجبهة الديموقراطية والعربية للتغيير معاً.
عربياً، أثبت التجمع الوطني الديموقراطي صاحب نظرية دولة كل مواطنيها، حضوره، وهو كان على بُعد آلاف قليلة من الأصوات لتجاوز نسبة الحسم، ونظرياً حاز على 3 مقاعد تقريباً، ما يعنى تكريس نفسه كلاعب مهم ومركزي سيلعب دوراً مهماً في مواجهة سياسات الحكومة العنصرية الفاشية القادمة.
في التداعيات الفلسطينية للنتائج لا شك أن الضفة الغربية ستشهد مزيداً من القمع والتطرّف والتهويد والاستيطان واقتحامات الأقصى، واستشهاد 4 مواطنين أول أمس الأربعاء، بدا تعبيراً مباشراً عما هو قادم.
وسيعود نتنياهو كذلك إلى سياسته التقليدية المتضمنة عزل قيادة السلطة في الضفة الغربية، وفرض الأجندة الأمنية الاقتصادية عليها، دون أفق سياسي، ولا حتى اتصالات ولقاءات من أي نوع، مستغلاً تجاهل المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية في ظل الأزمات والتحديات المتفاقمة الماثلة أمامه، ما يضع تحديات إضافية على الفلسطينيين للتصدي للاحتلال في الميدان، كما لفرض قضيتهم على جدول الأعمال الإقليمي والدولي.
تجاه غزة سيتواصل الحصار، مع السعي لصيانة الواقع الراهن، ضمن سياسة تقليدية gنتنياهو لإخراجها من دائرة الصراع، وإلقاء تبعاتها على النظام المصري المستعد لتحمّل المسؤولية، مقابل دعم سياسي وأمنى إسرائيلي في سيناء كما في واشنطن أمام الإدارة والساحة السياسية بشكل عام.
بالعموم لن يكون حديث عن تسوية ومفاوضات، والعمل بالمقابل على إدارة الصراع ضمن الواقع الراهن مع السعي لتغييره وفرض وقائع استيطانية وتهويدية جديدة كلما سنحت الفرصة، كما رأينا في الشيخ جراح أواخر عهد حكومة نتنياهو الخامسة في مايو/أيار 2021، والذي أدى ضمن أسباب أخرى إلى هبة القدس ومعركة سيفها، واشتعال جذوة المقاومة التي لم تنطفئ حتى الآن، رغم جرائم الاحتلال الموصوفة خلال العام الماضي.
إقليمياً، سيعمد نتنياهو إلى مواصلة مسيرة التطبيع مع الدول العربية، التي انطلقت مع حكومته الخامسة، وذلك ضمن مساع لتقوية العلاقات الاقتصادية والأمنية معها، بمعزل عن القضية الفلسطينية، وترويج مزاعم قدرة إسرائيل على حل مشاكل وأزمات الدول المطبّعة.
دولياً، سيكون توتر وعلاقة باردة ومتشنجة مع العالم ككل، تحديداً أمريكا جو بايدن، وسيعمل نتنياهو على تقطيع الوقت بانتظار الانتخابات الرئاسية عام 2024، على أمل عودة حليفه وصديقه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، علماً أن خسارة الحزب الديموقراطي انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بعد أيام، ستحوّل إدارة بايدن إلى بطة عرجاء عاجزة عن الضغط على الحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، هذا على افتراض امتلاكها النية لذلك في ظل استنزافها الداخلي والخارجي.
في المحصلة أفرزت الانتخابات قيادة يمينية متطرفة عنصرية وفاشية، دون مساحيق تجميل أو أقنعة، ولكنها تكشف من جهة أخرى عن الوجه البشع للدولة العبرية، وتحقق النبوءة السوداوية والشهيرة لمؤسسها وأول رئيس وزراء فيها، دافيد بن غوريون، عن حركة حيروت التي انبثق عنها حزب الليكود "إنهم خياليون.. أعطهم السلطة يدمرون الدولة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.