ما حكم "نشر الفتاة صورتها على وسائل التواصل والمنتديات"؟
يصلني هذا السؤال بشكل متكرر منذ أنشأت حساباً لي على الفيسبوك، وأعتقد أنه لسببين:
الأول: إما لمعرفة الحكم حقاً.
الثاني: أو للتعريض بي؛ لأني أضع صورتي على صفحاتي، وأظهر على كثير من الفضائيات بالصوت والحركة.
سبق وأجبت عن هذا السؤال، لكن اليوم تكاثرت عليَّ الفتيات بسبب فتوى الداعية عثمان الخميس في الكويت "بعدم جواز نشر النساء لصورهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولو غطين شعورهن". وقال: "لا يجوز للمرأة أن تضع صورتها على تويتر وإنستغرام".
بعدها سألنني مجدداً عن وضع الصورة كبروفايل، أو كمنشور، أو كفيديو تنشر فيه الفتاة شيئاً مما علمها الله، أو تُبرز بعض الفعاليات والنشاطات التي تقوم بها، للتحفيز والمشاركة الوجدانية، ومساعدة الأخريات على تخطي بعض الصعوبات"، لذلك سأعيد نشر ردي على هذه الفتوى، وسأضع الحجج التي يستند لها المحرمون في نقاط، ثم أفند كل نقطة وأرد عليها، وأرجو ألا يُفهم من مقالي أنها دعوة لنشر الصور، وإنما هي لإظهار الحقيقة، ولترك الخيار للنساء بدل قسرهن على الفتاوى الاجتهادية الشديدة.
وأبدأ باسم الله:
أولاً كمقدمة: فقد اختلف العلماء في التصوير الناتج عن حبس الظل لذوات الأرواح، سواء بالكاميرا أو بالفيديو والجوال:
1- فمنهم مَن رأى جواز الصور الفوتوغرافية؛ لأنها ليست مضاهاة لخلق الله، ولكن بشرط أن يكون لما يباح في ذاته، وأن لا يكون وسيلة إلى ما يمنع منه الشرع.
2- وطائفة رأت أن النهي عن التصوير عام، ولا يستثنى منه إلا ما دعت إليه الضرورة أو الحاجة الشديدة كالصورة التي تكون في البطاقة الشخصية مثلاً.
فإذن حكم النساء والرجال واحد في أصل المسألة العام "التصوير الفوتوغرافي".
وجاء في إسلام ويب الفتوى 396037: "التصوير الفوتوغرافي وإن كان محل خلاف بين الفقهاء، ومع قوة القول بجوازه، إلا أن القول الآخر القائل بمنعه، له اعتباره، ففي البعد عنه احتياط، وإبراء للذمة"، "الأخذ بالقول الأحوط في هذا النوع من مسائل الخلاف أمر مطلوب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فينبغي البعد عنه". ولذلك كان ابن باز يكتفي بالتسجيلات الصوتية ويقول لا ضرورة للصورة ولا للفيديو.
وبالتالي: فإن الإنصاف والعدالة والتقوى والمصداقية والحرص على نظافة المجتمع تستوجب أن يكون هذا الحكم للرجل وللمرأة، فيمنعونه هو أيضاً من وضع صورته ويحثونه على هذا.
ثانياً: قال أكثر الفقهاء المعاصرين ما خلاصته: "وضع الفتاة صورتها -في أي مكان- حرام، ولو كانت متحجبة أو منتقبة"، وعللوا: "وجه المرأة عورة على الراجح من أقوال أهل العلم؛ لأنه يجمع محاسنها، وهو من أشد مواضعها فتنة، فلا يجوز إظهاره". واستدلوا: "وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا".
وأبدأ جوابي بالاستنكار، فأين وجه الدلالة في هذه الآيات؟ وأين النص القطعي الذي يجعل الأمر محسوماً بلا جدال ولا خلاف؟!
فالمسألة خلافية، فهناك من قال: "يجوز للمرأة وضع صورتها، ولكن بشروط"؛ والقاعدة الشرعية تقول: "تحريم الحلال أشد عند الله من تحليل الحرام". والوجه هوية، وفيه أهم ثلاث حواس.
ثالثاً: ويحتجون بأنه حرام بتخوفات استنتاجية عاطفية، بعيدة الوقوع ولا دليل عليها:
1- فقالوا: "لو قبلنا بفتوى كشف الوجه (وهنا اعترفوا بأنها فتوى صحيحة!)، فإن نشر الفتاة لصورتها يبقى محرماً؛ لأن صورتها تبقى متاحة للجميع ينظرون إليها متى شاؤوا (في حين المرأة في الشارع، أو السوق تُرى لبضع ثوانٍ).
وجوابي: كيف يقولون: "ولو قبلنا بكشف الوجه" والمذاهب الأربعة على كشفه عند أمن الفتنة، فهي بداية تدل على أنه توجه للرفض، وتحيز للمنع، بوضع "النتيجة"، ثم محاولة حشد الأدلة لقسر النساء عليها، وإقناعهن بأنها الفتوى الوحيدة والصحيحة.
وإن المرأة المسلمة ليست مسؤولة عن سلوك الذكور، ما دامت قد قامت بما عليها من الستر. فهذا شأنهم هم والإثم عليهم هم وحدهم. وليس من المعقول أن تتحمل المرأة قيوداً لا داعي عليها من أجل تخوفات، أو من أجل ثلة قليلة مريضة.
وبالمناسبة "الصورة ليست مثل الحقيقة"؛ لأنها ذات بُعْدَين فقط، ولأنها جامدة وثابتة على هيئة واحدة، بدليل أننا كلنا، وفي مرات متعددة فوجئنا وانحرجنا لما قابلنا أصدقاءنا على الفيس (وجهاً لوجه لأول مرة)، ولم نعرفهم! فهي تعطي فكرة عامة، ولكنها لا تصل لحد الفتنة.
ثم لماذا ينظر الشباب اليوم لصورة امرأة محجبة ومحتشمة، ويبحث في الصفحات المغمورة عن صورة صغيرة لبروفايل وصور الجميلات من الفاسقات والفنانات وغيرهن تملأ الدنيا والشوارع والمواقع والصفحات؟!
2- وقال المانعون: "ليس هناك أي ضرورة لنشر الصورة".
والجواب: فلماذا يحرص الكثيرون على نشر صورهم؟ ألا يدل هذا على أن للأمر أهمية؟ أو على الأقل له أسباب وجيهة؟ وبالنسبة لي كمُتابِعة ومُتابَعة، فإني أُفضّل أن أعرف صاحب وصاحبة كل حساب ليطمئن قلبي، وكثيراً ما أخشى أن يكون رجلاً متستراً، كما أن نشر الصورة يعطي مصداقية للمعلومة التي سوف أسمعها أو أقرؤها.
والخلاصة أنه لا بد أن لوضع الصورة إيجابيات! فعلامَ يستغربون؟ ولو لم يكن لها أي فائدة لما نشر الدعاة والمؤثرون صورهم، ولما تباهوا عن طريقها بإنجازاتهم.
وفي كل حال "الضرورة" تقدرها كل امرأة بنفسها، فهل بالغة وعاقلة وراشدة، وهي التي تقرر ولا يقرر عنها.
3- وقالوا: "من شأن المرأة المسلمة الحياء". والجواب: وهل نشر الصورة المهذبة ينافي الحياء؟ ولقد كانت الصحابيات يخرجن سافرات الوجه، ويعرفهن الصحابة وقد يصفوهن، ويصفون ملابسهن، كما وُصفت المرأة الوضيئة التي نظر إليها الفضل.
وقال بعضهم: "إن ذلك منافٍ للستر الذي أمرت به المرأة"؛ ولأنهم لم يجدوا أي دليل، استندوا لآية خاصة بنساء النبي: "فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ". ولأنهم عرفوا أنها لا تفي بالغرض، عقبوا بآية لا علاقة لها بالصورة: "فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ"؛ مما يدل على أنهم يريدون تعزيز المنع بأي وسيلة.
4- وقالوا: "نشر الصورة سيجعل البر والفاجر يرى المرأة".
والجواب: وما المانع أن يراها البر، فهو قطعاً سيغض بصره، أو لعله يريد الزواج، فهذه الصورة تسهل الأمر عليه وعلى محارمه من النساء ليتعرفوا على الفتاة خُفية بلا إحراج لها ولأهلها.
كما أن الصورة تعزز العلاقة بين البنات، وتسهل البحث عن الصديقات القديمات، وتيسر التواصل والاطمئنان إلى كونها هي فعلاً، ولا تتخفى، وأن حسابها لها وغير مهكر.
5- وقالوا ليخوفوا فيمنعوا: "كم من فاجر تلاعب بتلك الصور ودبلجها؟".
والجواب: هذه الحيلة عمرها أكثر من خمسين سنة، وأصبحت معروفة، وكثير من المحترفين يؤكدون أن المسألة ليست سهلة، والموبايلات اليوم في كل مكان ومع كل شخص وما يدرينا ونحن في مجالس النساء الخاصة، أن تصورنا امرأة خفية وتعطيها لأخيها الفاسد؟! وأقصد أن المخاوف لا تنتهي فهل سنقضي حياتنا ونحن نغطي وجهنا أمام النساء والرجال، خوفاً من رجل فاسق قد -وأكرر قد، وأكرر قد- يتصرف بالصورة؟!
و"قد" تستعمل في اللغة العربية للتقليل مع الفعل المضارع، فالأمر نادر، كما أن الفتوشوب يمكن اليوم اكتشافه وبمنتهى السهولة.
6- وقال بعض المعاصرين مستنكراً: "وبعضهن يعتقدن أن وضع صورهن بالحجاب غير ممنوع شرعاً، وهو ممنوع".
والجواب: واعتقادهن هو الصواب، وإن المرأة تتكبد عناء الحجاب لتخفي جمالها، ولتستطيع ممارسة حياتها بشكل طبيعي فكيف تجعلونها فتنة في كل حال؟!
7- بعضهم حرم نشر الصور من باب سد الذريعة.
والجواب: الصورة بالأصل للتعريف عن الشخصية، مثل الاسم تماماً، فلماذا تذهبون دائماً لسوء الظن وللأفكار المنحرفة؟!
هل مجتمعاتنا مريضة لهذه الدرجة؟ وهل شبابنا بهذا السوء؟! فهذه ذريعة بعيدة، ومحتملة وليست مؤكدة. والسؤال الجوهري لماذا سد الذريعة على النساء دائماً؟!
ولا شك أن المرأة عليها مساعدة الشاب على العفة ولكن إلى حد، وهو عليه لجم نفسه وكف بصره.
وهنا أود تنبيه الرجال لأمر: فإذا كان الرجل يدرك فتنة المرأة (والنساء تعجز عن فهم هذه النقطة كما يقول الرجال)؛ فإن المرأة تدرك "فتنة الرجل لها"، فلماذا يعجز الرجال عن فهم هذه النقطة، واتخاذ خطوة إيجابية بصددها؟ فنحن نعرف كثيرات ممن فتنهن بعض الفقهاء المعاصرين لجمالهن وحلاوة حديثهن، فهل يقبلون أن يحتجبوا ونكتفي بسماع أصواتهم؟!
أيها المسلمون: الفتنة من الطرفين والرجل يَفتن المرأة ويسحرها فلا تنام ليلها ولا تهنأ بنهارها وهي تفكر به، وإن قصة الفتنة الوحيدة التي جاءت بالقرآن كانت من (1) امرأة (2) متزوجة (3) فُتنت برجل تظنه أقل بالمرتبة الاجتماعية (وهو النبي الكريم يوسف عليه السلام)؟! حتى لراودته عن نفسه بكل جرأة! فتأملوا.
فتكون خلاصة الحكم: يجوز للمرأة نشر صورتها على وسائل التواصل ما دامت بالضوابط الشرعية، ولكن مجتمعاتنا إذا خيرت بين أمرين اختار أكثرها الأصعب بدعوى الأحوط!
وفعلهم يخالف السنة لو فقهوا، ومنشوري ليس دعوة لنشر الصور، وإنما للتأكيد أن من تفعله لا تقع في محظور ولا تقوم بمعصية.
ولأن النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين بقي أن أوجه ملاحظات وتساؤلات للذين يفتون بالتحريم، فأقول لهم نحن لا نستطيع نصح المارقين عن الدين والمفسدين، ولكن والمفروض أننا نستطيع مخاطبة المشايخ والمؤثرين؛ لأن هدفنا واحد، فاسمعوني:
1- هل برأيكم الوقت مناسب لمثل هذه الفتاوى؟ أم هي تزيد التشكك والتحدي؟!
بدليل ما رأيناه من جرأة العامة وتطاولهم على الشيخ، والذي فهمه البعض تطاولاً على الدين، وليس بكذلك، وإني لموقنة أن كثيراً ممن وضعت على بروفايلها صوراً فيها تبرج وتغنج ليست الصورة لها، وإنما وضعتها عن قصد لتقول لهذا الشيخ: "كفى" "كفى".
فالتطاول ليس على الدين وإنما على محتكريه. وأقسم بالله أن العاطفة الدينية في بلادنا العربية والإسلامية قوية، والناس تحب ربها ودينها، فساعدوها بدل استفزازها.
ولو كنت مخطئة وكان حقاً تطاولاً على الدين لا سمح الله، فينبغي على المشايخ حفظه والتصرف بحنكة بالبدء بالثوابت والأولويات، والكف عن تشددهم، فالسوقة يخشى منهم، وأشر الناس من اتقي لشره.
2- لماذا تحرمون وتحسمون القضايا الخلافية، بدل ذكر الحكم مشروطاً، أليس تحريم الحلال من الكبائر، وهو فتنة للعامة؟
وكيف تجعلون "حرمة كشف الوجه" فتوى عامة لكل الكرة الأرضية، دون مراعاة العرف ومواطن الفتنة، ومكان السكنى ودرجة التقوى.
3- ولديَّ سؤال لهؤلاء المؤثرين، ولمن وصلوا في بعض البلاد للحكم وللسلطة وللقضاء: "ما قصتكم مع النساء؟! ولماذا تبدؤون دعواكم للإصلاح بتقييدهن وحبسهن، وتحريم الحلال عليهم: هل هي عقدة نفسية أم ثأر؟ فبلادنا مليئة بالفساد والربا والرشوة، وسائر الكبائر… وهَم كثيرون ممن وصلوا لسلطة دينية تحريم كل ما يستطيعون تحريمه على المرأة".
4- دعونا نتخيل ماذا سيحدث لو امتنعت كل النساء الملتزمات عن وضع صورهن؟
بالتأكيد: ستمتلئ وسائل التواصل بصور الفاسقات والتعري، وسوف يتابعها بناتنا وصبياننا؛ لأنهم اليوم يحبون الصوت والصورة لأنها أكثر تأثيراً وأكثر توضيحاً وأقرب للقلوب والعقول. وسيخلو الجو لهن ولن نجد إعلاماً مرئياً موازياً، وسيكون حال أولادنا بئيساً، وصدقاً وجود صور وفيديوهات الملتزمات يملأ الفراغ ويعادل الكفة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.