على الرغم من انتصار الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية من جهة، والتصريحات العلنية من رؤوس هذه الأحزاب حول التوافق على نتنياهو كرئيس للحكومة القادمة من جهة أخرى، فإن مهمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية لن تكون مهمة سهلة.
خطورة مهمة نتنياهو تتمثل في ارتفاع سقف مطالب الأحزاب المنتصرة في الانتخابات، وصعوبة تطبيق هذه المطالب على الأرض في ظل تلويح أمريكي برفض التعامل مع رئيس فصيل "العظمة اليهودية" إيتمار بن غفير.
ويوصف بن غفير بالشخصية المتطرفة بأطروحاته، الرافضة للحل السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وضرورة أن تعاد صياغة هيكلية الدولة بما يتوافق مع الطابع اليهودي الخالص.
ومن المعضلات الحقيقية التي ستواجه نتنياهو أيضاً حجم ونوع التنازلات التي سيقدمها إلى قادة اليمين المتطرف والذين حققوا نجاحات غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية، ويُفترض أن يلعب بن غفير دوراً محورياً في مساعدة نتنياهو على العودة إلى السلطة مع حزب "الصهيونية الدينية" الذي يتزعمه.
وإلى جانب ذلك تأتي عقبات خارجية أمام نتنياهو ممثلةً في تزايد الغضب الشعبي العربي من عمليات التطبيع المجانية مع إسرائيل.
ويلوح في الأفق شكل نهائي للاتفاق بين الأحزاب اليمينية المتطرفة، نظراً لشوقها للعودة إلى السلطة من قِبَل نتنياهو، والذي لن يتوانى عن تقديم أي تنازلات لبقية الأحزاب في سبيل تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، بينما تتلخص مطالبات الأحزاب المتطرفة في عدة أمور:
أولها: الكفاح من أجل الحصول على وزارات مهمة في التشكيلة الحكومية القادمة. وتتركز أنظار الصهيونية الدينية حول وزارات الأمن والعدل والمواصلات والتربية والمؤسسات المعنية بعملية الاستيطان.
وتأتي محاولة السيطرة على هذه المؤسسات الهامة ضمن سياق عمل الأحزاب اليهودية المتطرفة في محاولة تصفية كل الأشكال والعناصر التي تضر بالشكل اليهودي للدولة، بحسب زعمهم.
ثانياً: تطالب الأحزاب اليهودية بإعادة المساعدات المالية التي قطعها عنهم وزير المالية السابق أفيغدور ليبرلمان.
حيث اتجهت هذه الأحزاب إلى الإفلاس في عهد الحكومة السابقة. وهم من خلال الضغط على نتنياهو يسعون إلى إعادة تمويل حملاتهم، ومؤتمراتها الداعية لطرد الفلسطينيين، وزيادة عدد المستوطنات في الضفة الغربية ومحاولة السيطرة على كافة أحياء القدس.
ثالثاً: تصفية ما تبقى من اليسار الإسرائيلي؛ إذ تنظر الأحزاب المتطرفة إلى هذا اليسار على أنه عامل في تلويث الدولة اليهودية والعامل الأهم في تقديم التنازلات للفلسطينيين، والعرب من خلفهم، ولذلك فلا بد من إقصائهم بشكل كامل من المشهد السياسي للبلاد.
وقد أسفرت الانتخابات الإسرائيلية عن عودة حزب الليكود إلى الواجهة مرة أخرى؛ حيث حصل حزب نتنياهو الليكود على 31 مقعداً، و"الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش المتحالف مع "القوة اليهودية" برئاسة إيتمار بن غفير على 14 مقعداً، وحزب "شاس" للمتدينين الشرقيين على 12 مقعداً، و"يهدوت هتوراه" لليهود الغربيين على 8 مقاعد.
بينما مُني اليسار الإسرائيلي بهزيمة ساحقة، وكان نصيب أحزاب معسكر التغيير بزعامة يائير لابيد 24 مقعداً لحزب "يوجد مستقبل" الذي يتزعمه، و12 مقعداً للمعسكر الرسمي برئاسة وزير الدفاع بيني غانتس، و5 مقاعد لحزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة وزير المالية أفيغدور ليبرمان، و5 مقاعد لكل من القائمة العربية الموحدة وقائمة الجبهة.
كل تلك المعطيات التي بين أيدينا قد تقود حكومة نتنياهو إلى مصير مشابه للحكومات الإسرائيلية السابقة بعد فترة وجيزة.
وما يهمنا الآن في هذه الانتخابات بحق هو قراءة موقف الناخب الإسرائيلي بتمعن والبناء على هذا الموقف؛ إذ إن الناخب الإسرائيلي اختار التطرف، ومبايعة اليمين لقيادة إسرائيل نحو المجهول.
ويمكننا أن نعتبر هذه الانتخابات تكريساً للسقوط الأخلاقي والسياسي الذي تعيشه إسرائيل منذ نشوئها بصورة غير شرعية من جهة، وتعزيزاً لنظرية المؤسسين وأحفادهم بأنّ الدولة اليهودية يجب أن تكون خالصة لليمين المتطرف وبأنه لا مجال للعب الديمقراطية في الدولة الصهيونية الحديثة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.