الحياة كلمة، وموقف، والجبناء لا يكتبون التاريخ، بل إن التاريخ يكتبه من عشق الوطن وقاد ثورة الحق، وأحب الفقراء، وخير للمرء أن يموت في سبيل فكرته، من أن يعمر طول الدهر خائناً لوطنه "جباناً عن نصرته".
نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1954 لعله الشهر الأقرب لقلب الشعب الجزائري، ذلك اليوم الذي كان شاهداً على المشاركة الأولى للمرأة الجزائرية في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، سواء في الجبال أو القرى الصغيرة أو المدن الكبيرة. ولم تدخر المرأة الجزائرية يومها جهداً أو التزاماً، بل انخرطت دون انضباط في هذا النضال الشرس ضد الاستعمار.
وقد خلد التاريخ دور المناضلات الجزائريات في تاريخ المقاومة الجزائرية مثل جميلة بوحيرد، وزهراء الظريف وحسيبة بن بوعلي التي استشهدت وغيرهن.
ولعل من أبرز الأسماء التي حفظت في تاريخ المقاومة الجزائرية، المقاومة جميلة بوباشا، التي تعرضت للسجن والتعذيب، ونجت من عقوبة الإعدام في اللحظات الأخيرة بعد حركة تضامنية نشأت حول قضيتها.
فما هي قصتها؟
وُلدت جميلة ابنة عبد العزيز بن محمد وعمروش في 9 فبراير/شباط 1938، وهي ابنة ناشط جزائري، وانضمت إلى صفوف جبهة التحرير الوطني تحت الاسم الحركي خالدة إلى جانب النساء الجزائريات الشابات المحبات للحرية.
كما انضمت بوباشا إلى شبكة المفجرين، وشاركت بنشاط في حرب العصابات الحضرية التي قادها في قلب العاصمة مجاهدو جبهة التحرير الوطني.
وفي 10 فبراير/شباط 1960 في الجزائر العاصمة، تم إلقاء القبض عليها مع والدها وشقيقها، وشقيقتها، وصهرها، وتعرضت للتعذيب والاغتصاب خلال أكثر من شهر من الاعتقال.
وطلب حينها من المحامية الشهيرة جيزيل حليمي الدفاع عنها، قبل أن يتم القبض عليها بمجرد وصولها إلى الجزائر ثم طردها.
وبعد عدة سنوات تمكنت المحامية من مقابلة جميلة في سجن بربروس، ورؤية آثار التعذيب على جسدها.
ومنذ ذلك الحين حظيت قضية جميلة بوباشا بتغطية إعلامية دولية، فتم إنشاء حركة باسم الحرية لأجل جميلة بوباشا بواسطة الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار وانضم إليها العديد من المفكرين الفرنسيين مثل: جان بول سارتر، وإليسا ترويلت وجيرمين تليليون، ولويس أراغون.
مواقف أثرت في قضية سجن بوباشا
ومن أبرز المواقف التي أسهمت في انتشار قصة البطلة بوباشا هي ما قام به الرسام الإسباني الكبير بابلو بيكاسو، حين رسم صورة جميلة بوباشا لإنقاذها من المقصلة، وانتشرت تلك الرسمة قبل يوم من تنفيذ الإعدام بحق المناضلة الجزائرية، وقد حملت صورة بيكاسو معها إدانة للمعاناة النساء الجزائريات اللائي تعرضن لأسوأ معاملة استعمارية.
وقد كان لموقف المحامية سيمون دي بوفوار دور كبير، بعد دفاعها عن بوباشا من خلال عرض حقائق عن قضيتها، وذلك خلال مؤتمر صحفي شهير في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران سنة 1960، وبعد ذلك المؤتمر الصحفي بعام ظهرت جميلة بوباشا أثناء محاكمتها وتعرفت رسمياً على جلاديها.
وفي 21 أبريل/نيسان 1962 رأت بوباشا النور، حين أفرج عنها تطبيقاً لاتفاقيات إيفيان التي أنهت الحرب الجزائرية.
وقد تم إنجاز فيلم روائي طويل عن سيرة جميلة بوباشا بعنوان "من أجل جميلة" في العام الجاري، وتم تصوير هذا الفيلم في فرنسا والمغرب، وعُرض على هامش إحياء ذكرى اتفاقيات إيفيان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.