الحياة السياسية في تركيا، مكونة من العديد من الأحزاب، حيث يتجاوز عدد الأحزاب في البلاد 100 حزب، منها: القومي، ومنها المحافظ، ومنها العلماني وغيرها.
وفي الحقب السابقة، والمقصود هنا ما قبل حقبة العدالة والتنمية، كان الصوت الأعلى للأحزاب "العلمانية" والقومية"، مع اضطهاد ملحوظ للكتلة "المحافظة" برلمانياً ومجتمعياً، حيث عانى المحافظون لعقود من حملة رايات العلمانية والقومية.
وبعد تأسيس الجمهورية التركية في 29 من أكتوبر/تشرين الأول سنة 1923، كان تمثيل المحافظين برلمانياً، وسياسياً شكلياً، بل يكاد ينعدم نتيجة السياسات الجديدة المحاربة لوجودهم آنذاك.
ومع انتهاء حقبة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال، بدأت بعض الأحزاب "المحافظة" تظهر شيئاً فشيئاً في الحياة السياسية، وذلك بعد معارك ضارية في شتى المجالات والميادين.
ليظهر الحزب الديمقراطي الذي تأسس 1946، وكان أحد مؤسسيه عدنان مندريس، الذي يتمتع بخلفية محافظة، ومن إنجازاته إعادة الأذان للغة العربية، وإعادة فتح مدارس خاصة بالإمامة، والخطابة، والسماح بتعلم اللغة العربية، والقرآن الكريم بعد أن منعها أسلافه حراس العلمانية.
وعلى الرغم من أنه أدخل تركيا في حلف شمال الأطلسي؛ لتصبح من أهم الدول فيه، وتعتبر كرأس حربة في وجه الاتحاد السوفييتي آنذاك، فإن ذلك لم يشفع له، فتم الانقلاب عليه، واتهامه بالخيانة العظمى وإعدامه شنقاً.
تلا عدنان مندريس العديد من المحافظين، وكان أبرزهم: تورغوت أوزال الذي أتى بُعيد أحداث دامية عُرِفَت حينها بأحداث اليمين واليسار، حيث كانت فرصة ذهبية له لتحويل تركيا إلى بلد صناعية وسياحية.
وقد نجح الرجل في توطيد العلاقات مع دول الخليج ودول العالم الإسلامي.
وساهم أوزال أيضاً في دعم المحافظين بطريقة غير مباشرة، لتنتهي حياته بطريقة غامضة، ظاهرها الوفاة بسكتة قلبية.
وتقول بعض الروايات التركية أن أوزال توفي بشكل طبيعي نتيجة لسكتة قلبية، ويعتقد البعض أنه قُتل بالسم، ولا تزال أرملة أوزال وبعض الأتراك يرفضون الرواية الرسمية عن وفاة الرئيس الأسبق.
واتجهت أصابع الاتهام حينها نحو المؤسسة العسكرية، التي طالما عارضها أوزال، حيث إنه كان يعتبر نفسه رئيساً للشعب، وليس موظفاً لتنفيذ قرارات الجيش.
بعد تلك المرحلة الصعبة سعى المحافظون للمشاركة في الحياة السياسية التركية، رغم القمع الذي تعرّضوا له لعقود، لينجحوا في الدخول إلى البرلمان رجالاً ونساءً.
وقد كان ذلك مؤشراً على تنامي نسبة المحافظين، وحَمَلة الفكر السياسي الإسلامي شيئاً فشيئاً، ليظهر بعد ذلك نجم الدين أربكان، الذي قارع العسكر طويلاً حتى وصل إلى منصب نائب رئيس الوزراء عام 1974، بعد أن فاز حزبه، حزب السلامة الوطني، بـ50 مقعداً في البرلمان.
وقد تحالف الرجل حينها مع حزب الشعب الجمهوري، ليبدأ مشوار انتزاعه لبعض المناصب السامية كحزب، وحصوله على عدة حقائب وزارية، مثل: الداخلية والعدل والصناعة، ويبدأ منذ ذلك الحين مسار آخر من تغلغل الإسلاميين في كواليس وأروقة السلطة.
وفي 1980 عاد الجيش التركي للسيطرة على السلطة من جديد، وتقييد "الأحزاب المحافظة"، وحظر حزب السلامة الوطني، ليؤسس بعدها أربكان حزب الرفاه، الذي سيقوده لاحقاً إلى سدة الحكم، ويشكل حكومة ائتلافية يكون رئيساً لوزرائها، ويصبح بذلك أول رئيس لحزب إسلامي يصل إلى سدة الحكم.
ثم عاد مسلسل الانقلابات في تركيا في 28 من فبراير عام 1997، بعد انقلاب أبيض على النظام الحاكم، ممثلاً في حكومة أربكان من قبل العسكر، ويستمر بعدها سيناريو قمع المحافظين أكثر.
ولأن الضربة التي لا تقتلك تقويك، عاد المحافظون عبر حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم منفردين بالسلطة، وفي تلك الحقبة استندت سياسة الحزب على كثير من الخطوات التي بدأها أسلافهم من المحافظين.
لذا يمكننا القول إن مسيرة العدالة والتنمية أتت لتكمل طريق مندريس، الذي امتد حكمه لعقد من الزمن، وأوزال الذي امتد حكمه لـ6 سنوات تقريباً ومن ثم أربكان.
وجاءت هذه الحقبة أيضاً لتقوي الكتلة المحافظة على جميع الأصعدة سياسياً، وعسكرياً وثقافياً، وأكاديمياً، واقتصادياً، وهي من الأمور التي ساهمت في إفشال الانقلاب العسكري الذي حدث في 2016.
وقد كان ذلك أكبر مؤشر على تنامي المجتمع المحافظ الذي حمى النظام الحاكم من انقلاب المؤسسة العسكرية التركية.
ففي هذه المرحلة تتجسد قوة المحافظين كمجتمع، وكشريحة ضخمة من خلال استقطاب الأحزاب المعارضة لهم، لكسب أصواتهم في الانتخابات،
وهي ذات الأحزاب التي تعاني من عدة أزمات، ومشاكل داخلية منعتهم من الوصول إلى سدة الحكم ولو بحكومة ائتلافية.
حيث أصبحت تلك الأحزاب المعارضة تسوق لنفسها عبر دعوتها لنساء محجبات، بعد أن كان الحجاب أمراً ممنوعاً حتى لطالبات المدارس والجامعات، كما هو حال زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كليجدار أوغلو، الذي يقود مؤخراً دعوة فحواها طلب الصفح من المحجبات، والمتدينين، والمحافظين.
ولقد أصبحت المرأة المحجبة اليوم تشارك في خطابات المؤتمرات الحزبية، كرسالة غير مباشرة لتلك الكتلة المحافظة.
ففي فقه الانتخابات واستقطاب الأصوات، كل شيء مباح، ومسموح حتى لو اضطر أعضاء تلك الأحزاب "النساء منهم" لارتداء الحجاب مؤقتاً.
وفي الأخير نقول إن الأحزاب التركية المحافظة، عاشت عدة مراحل في فصول السياسة التركية منذ التأسيس وحتى يومنا هذا.
حيث بدأت مسيرة مشاركتهم بالحياة السياسية تحت رايات الأحزاب العلمانية منذ 1946، مروراً بعهد مندريس فأوزال، ومن ثم أربكان.
وأخيراً الوصول إلى سدة الحكم عبر العدالة والتنمية، والسيطرة على جميع مفاصل الدولة، وقد ساعد هذا الأمر في تنامي الفكر الإسلامي على جميع الأصعدة، ليصل الإسلاميون لمرحلة الأكثرية التي يريد أن يستقطبها الجميع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.