كان إمام محمد -اسم مستعار- يتصفح فيسبوك حين وجد منشوراً لصفحةٍ أنشئت حديثاً تخصّ هيئة حكومية، وورد في المنشور خبر عن منح ستُعطى لعدد محدود من الشباب خلال يوم تم تحديده في الإعلان، وأن الأولوية ستكون لأسبقية التسجيل.
يستيقظ إمام محمد باكراً على غير عادته، ويسرع بسيارته نحو الجهة الحكومية التي تم الإعلان عنها في المنشور الذي قمنا بذكره، وفي طريقه يجد نفسه في زحام خانق. في طريقه، يتعرض لحادث مروري، وعلى أثره يصاب بإعاقة دائمة سترافقه مدى حياته.
بعد مدة من العلاج، وخلال مرحلة التعافي، يقابل صديقه الذي كان قد أرسل له هو الآخر المنشور الذي يتحدث عن المنح.
يخبره صديقه بدوره أنه قد ذهب بالفعل للمؤسسة الحكومية، وأنه قد أُعلِم بأن المنشور كاذب، وبأنهم لم يعلنوا عن منح، وأن إدارة الهيئة حاولت التواصل مع الموقع بغرض إغلاق الصفحة دون جدوى أو استجابة من فيسبوك.
ببساطة هذا مثال حي وحقيقي لما يمكن أن يحدثه أثر الفراشة المرتبط بالأخبار المضللة التي قد يعتقد البعض أنها ربما تكون محلية جداً، أو أنها تُنقل على نطاق ضيق، ولا يمكن أن تؤذي أحداً، بينما في الحقيقة هذه الأخبار يمكن أن تسبب مشاكل كثيرة لمن يصدّقها، وقد تتخطى نطاق استيعاب من يروّجون لها أو يبتكرونها بغرض جذب التفاعلات.
لم يكن إمام ليخرج من بيته باكراً في ذلك اليوم المحدد الذي تم الإعلان عنه في المنشور، ولم يكن أيضاً ليتعرض لذلك الحادث الذي تسبب له في إعاقة.
لنأخذ مثالاً آخر، آمال رأت صورة نشرتها صفحة عامة على فيسبوك، لها العديد من المعجبين والمتابعين، وكانت تلك الصورة تظهر مَعلماً تاريخياً قيل إنه موجود في تايلاند. نظراً لانبهارها بالمشهد تُقرر آمال أنها ستوفر المال هي وزوجها بغية الذهاب في رحلة لتايلاند لرؤية ذلك المَعلم، وبعد مدة تتمكن فعلاً من الذهاب، لكنها تفاجأ بأن المعلم الذي رأته ليس حقيقياً ولا وجود له في هذا العالم من الأساس، وبأنه مجرد مبنى تم توليده من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وانتشر من خلال منصات التواصل الاجتماعي على أنه مبنى حقيقي.
بطبيعة الحال تشعر آمال وزوجها بالإحباط، وبأنهم قد كلفوا أنفسهم مبلغاً كبيراً من المال لقاء مشاهدة شيء اتضح لاحقاً أنه غير حقيقي.
في هذا المثال نرى خسارةً مالية وإحباطاً شديداً تسبب به ادعاء قد يبدو للبعض غير مؤذٍ، لكنه كلف آمال وزوجها آلاف الدولارات!
ادعاءات غير مؤذية
مع الأسف الشديد توجد هناك الكثير من الأمثلة لادعاءات تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويتم التعاطي معها على أنها ليست مؤذية، ومن غير الممكن أن يكون لها أثر سلبي على من يصدقونها. إلا أن الاعتماد على هذا الاعتقاد وحده خاطيء، وهو يساهم بشكل غير مباشر في جعل منصات التواصل الاجتماعي مصدراً للمعلومات المزيفة، ويؤذي روادها من خلال امتدادات انتشار الادعاءات التي يتم التفاعل معها أحياناً من قِبل عشرات الآلاف من الأشخاص.
ولا يبدو أن هناك خطة جدية يعمل فيسبوك على وضعها، وبموجبها يمكن أن يقطع السبيل نهائياً عن انتشار الأخبار المضللة.
دمغ المعلومات
يتعاقد فيسبوك مع جهات مستقلة في سبيل مكافحة الأخبار المضللة، وعادة ما تخضع المناشير التي يتم التأكيد على أنها مزيفة لعملية خفض لعدد مشاهداتها، إلى جانب إعلان يرافق المنشور المزيف يوضح أنه غير حقيقي.
ولكن مَن منا يراجع منشوراً قام برؤيته والتفاعل معه بعد مرور ساعات طويلة، أو أيام؟
كيف لك أن تخرِج فكرة من رأس شخص قام بتصديقها والتفاعل معها، إلى جانب آلاف الأشخاص، ودمغت في رأسه؟
ألا يجب أن تكون هناك آلية، بموجبها يتم إعلام المتفاعلين مع الادعاءات بشكل مباشر، بأنهم قد تفاعلوا مع خبر كاذب؟
ما فائدة أن يتم خفض عدد مشاهدات خبر كاذب تم التفاعل معه مسبقاً من قِبل آلاف الأشخاص الذين قاموا بتصديقه، إن لم تكن هناك آلية يتم إبلاغهم من خلالها بأنهم قد وقعوا ضحية تصديق خبر غير حقيقي؟
قطع الطريق
تعتمد عملية رصد الادعاءات التي تتبناها الكثير من منصات التحقق على (مدى انتشاره-هل تم التفاعل معه بشكل كبير)، وذلك يعني أن بعض الأخبار يُسمح لها بالانتشار حتى تصل لآلاف الأشخاص، قبل أن يتم العمل عليها من قبل تلك المنصات!
وهنا بإمكاننا أن نطرح سؤالاً آخر:
لماذا لا يُقطع الطريق على هذه الأخبار قبل أن تصل لأكبر عدد من الناس، ويكون لها أثر سلبي على حياتهم؟!
ليس بإمكاني أن أجد تفسيراً لهذا سوى أن شركة "ميتا" المالكة لفيسبوك ليست جادة حقاً في محاربتها للأخبار المضللة، وذلك لأن هذه التفاعلات تجتذب العديد من الزوار للموقع وتجعلهم متعلقين به.
المحلي غير مهم
في المثال الذي قمنا بطرحه في بداية المقال تعرض إمام محمد لحادث، وذلك لأنه خرج من منزله في وقت ليس معتاداً بالنسبة له، وذلك ليسبق الآخرين ويتمكن من نيل منحة مالية، تبين لاحقاً أنها مجرد خبر كاذب.
الأخبار الشبيهة بالخبر السابق عادة ما تحظى بنسب مشاهدة محكومة بمناطق معينة، كمحيط مدينة أو حي أو منطقة، لذلك يتم تجاهلها واعتبارها أخباراً محليةً يتم تناقلها على نطاق محدود.
ومن هذا المنطلق يجب أن نطالب "ميتا" بتبني نهج جديد في مكافحتها للأخبار المضللة، يعتمد على خلق دوائر صغيرة من المدققين الذين توكل إليهم وظيفة التدقيق فيما يتم تناقله في مجتمعاتهم المحلية، وإبلاغ مسؤولي منصات "ميتا" بها، وإلا فإن "ميتا" ستكون مسؤولة عن انتشار هذه الأخبار التي تؤذي المجتمعات المحلية، بالأخص في الدول التي تعيش حرباً أو أزمات اقتصادية واجتماعية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.