تحتضن الجزائر هذه الأيام القمة العربية الحادية والثلاثين، والتي أُجلت مرتين منذ سنة 2020 بسبب جائحة كورونا، وأطلقت الجزائر على القمة "قمة الثورات"، لأن توقيتها يتزامن مع الذكرى الثامنة والستين لاندلاع الثورة الجزائرية المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي.
وهي الثورة ذاتها التي استشهد فيها مليون ونصف المليون شهيد، ما بين أعوام 1954 و1962، وتوجت يومها بإعلان استقلال الجزائر بتاريخ الخامس من يوليو/تموز 1962.
ورمزية تاريخ القمة العربية في الجزائر له دلالاته، حيث التحمت الدول العربية بالثورة الجزائرية، ودعمتها بالمال والسلاح، خاصة دولتي مصر وتونس.
وتجدر الإشارة إلى أن المناضل الطاهر لسود من الجنوب التونسي، وهو ابن مدينة الحامة بولاية قابس جنوب شرقي البلاد، كان مسؤولاً عن نقل السلاح من مصر إلى الجزائر، بعد تكليفه بقيادة جيش تحرير شمال إفريقيا إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
كما احتضن العرب قيادات جبهة التحرير الوطني، التي تمثل الجناح السياسي للثورة الجزائرية.
كما أطلقت القيادة الجزائرية على قمة الجزائر أيضاً "قمة لمّ الشمل"، ضمن مساعيها لاستعادة التضامن العربي، ورأب الصدع بين مختلف الأقطار العربية التي تشهد للأسف خلافات وانقسامات حادة، بعضها لأسباب شخصية بين الرؤساء العرب أو لحسابات سياسية، واصطفافات إقليمية، أو لخلافات حدودية زرعها الاستعمار.
لكن يبقى الموقف من القضية الفلسطينية التي تعتبر قضية العرب الأولى، وخاصة مسألة التطبيع مع الكيان الغاصب، هو الذي عمق الشرخ بين الدول العربية.
ويضاف إلى ذلك الانقسام الفلسطيني، الذي عمّق الخلاف العربي حول القضية الفلسطينية، وهو ما دفع بالجزائر لجمع مختلف الفصائل الفلسطينية المكونة من أربعة عشر فصيلاً، وقيادة وساطة بينهم أثمرت إعلان الجزائر للمصالحة الفلسطينية، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
حيث تمت بلورة خارطة طريق لتوحيد المؤسسات، واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً لفلسطين، ولعل إعلان المصالحة الفلسطينية رسالة من الجزائر لبقية العرب أن المصالحة العربية ممكنة.
وتواجه قمة الجزائر تحديات كبيرة من بينها: غياب بعض القادة العرب، كولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وملك المغرب محمد السادس.
ولعل الموقف من القضية السورية، وحرب اليمن، والوضع في ليبيا، والخلاف الجزائري المغربي حول "الصحراء الغربية" قد عمق الخلافات العربية.
كما تعقد القمة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وإثر جائحة كورونا، وهو ما زاد في صعوبة الأوضاع الاقتصادية، خاصة بالنسبة للدول العربية غير النفطية، وبعضها يعيش اضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة.
وقد لا تختلف هذه القمة عن القمم العربية السابقة، في ظل وجود أنظمة سلطوية تقهر شعوبها، ولا يمكن تفعيل اتفاقياتها دون رقابة مؤسسات منتخبة من الشعب، الأنظمة الديمقراطية وحدها تلتزم بتعهداتها.
لذلك فالجسم السياسي العربي مازال خارج مدار الحداثة السياسية، ولن يكون هناك تضامن عربي أو وحدة اقتصادية عربية من دون أنظمة ديمقراطية، رغم وحدة اللغة، والثقافة، والدين، والمجال الجغرافي.
ويمكننا القول إن الكثير من الأنظمة تحتمي بقوى خارجية، ولا تملك قرارها، ولكن تبقى تطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والكرامة والوحدة حلماً مشروعاً، سيتحقق حين نتخلص من آفتَي الاستبداد والفساد.
وفي النهاية، نذكّر بأنّ الجزائر احتضنت أول قمة عربية سنة 1973، إبان حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، والذي أعلن أيضاً انضمام موريتانيا إلى جامعة الدول العربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.