سيدي بدران، ولي مجهول لا يعرف عنه أي أحد من سكان المحروسة شيئاً، وله ضريح مجهول أيضاً ظهر فجأة أثناء تخطيط القاهرة الخديوية، ورفض أن يغادر مكانه، فقد أصاب الأذى كل الذين حاولوا نقل الضريح من مكانه الحالي داخل قصر عابدين إلى مكان آخر.
سيدي بدران وحكاية القاهرة الخديوية
عندما تولى الخديوي (إسماعيل باشا) حكم مصر المحروسة سنة (1863م)، كان من ضمن خططه لتطوير القاهرة أن يجعلها قطعة من أوروبا، وأن تكون القاهرة مثل باريس في كل شيء، أي صورة بالكربون منها.
وحتى يحقق الخديوي حلمه بتغيير ملامح القاهرة فقد قرر نقل مقر الحكم من قلعة الجبل، التي تم تشييدها أيام الدولة الأيوبية، إلى مكان لا يبعد عن القلعة سوى 2 كيلومتر، ذلك المكان هو قصر عابدين الحالي، الذي أصبح مقراً لحكم أسرة محمد علي باشا حتى سقوط الملك فاروق وقيام جمهورية الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر.
تضمنت خُطَّة الخديوي إسماعيل، إلى جانب نقل مقر الحكم، إقامة مدينة جديدة عُرفت فيما بعد بالقاهرة الإسماعيلية، أو القاهرة الخديوية، وهي منطقة وسط البلد الحالية.
بدأ إسماعيل في تنفيذ خطته لإنشاء القاهرة الجديدة، فاختار لها الضفة الشرقية لنهر النيل، فقرر في البداية بناء قصر مركزي يُصبح مقراً لإدارة الدولة المصرية.
ومن هنا بدأت حكاية الشيخ بدران، التي ارتبطت بعملية تخطيط القاهرة الخديوية، واستمرت معها حتى تاريخ اليوم، يقول أصل الحكاية عندما شرع الخديوي في أعمال تخطيط قصر عابدين واجهته مشكلة في نقل رفات الموتى، إذ كانت منطقة القصر مليئة بالبرك والمستنقعات والقاذورات، وتوجد بها الكثير من المقابر والأضرحة.
كانت المشكلة التي عطلت أعمال الحفر والتخطيط هي مشكلة نقل رفات رجل صالح، يُقال له (سيدي بدران)، فكما قيل إن كل العمال والمهندسين الذين حاولوا نقل رفات الولي المزعوم قد أصابهم الأذى، وتراجعوا عن عملية نقله، فلما عجزوا رفعوا الأمر لجناب الخديوي إسماعيل فأمر بترك الضريح في مكانه داخل حدود القصر، وقد بقي ذلك الضريح المجهول في مكانه إلى يومنا هذا داخل قصر عابدين.
سيدي بدران أصله وفصله
بالقرب من البهو الرئيسي لقصر عابدين يوجد مقام أو ضريح لولي مجهول يُدعى "بدران"، لا أحد يعرف أصله أو فصله، أو من أين جاء، وما اسمه، ومتى وُلد، ومتى مات، ومن أقام له هذا المقام، وهل هو ضمن قائمة شيوخ وأولياء مصر المعروفين؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لا أحد يعرف الإجابة عنها، ومع ذلك هذا الضريح حقيقة وأمر واقع وموجود فعلاً لولي غامض ومجهول، اسمه "سيدي بدران"، ظهر إلى العلن منذ نشأة القاهرة الخديوية.
كلّ ما نعرفه هو أن هنالك رجلاً صالحاً تسميه العامة "سيدي بدران"، وتزوره وتتبرك به، وتطلب منه المدد والعون، يقع مقامه داخل قصر عابدين التاريخي بوسط البلد بالقاهرة الإسماعيلية.
اهتمت أسرة محمد علي باشا اهتماماً كبيراً بضريح الشيخ بدران، فحافظت عليه وجدّدته، وبنت غرفةً خاصةً به مزخرفة ومنقوشة يكسو جدرانها اللون الأخضر.
اهتمَّ الملك فؤاد الأول بضريح الولي المزعوم بصفة خاصة، فعمل له زخارف نباتية ملونة، وكتب به آيات قرآنية، كما أعادت الحكومة المصرية ترميم الضريح ضمن خطتها لترميم قصر عابدين في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.