يعد الظلم من أهم أسباب هلاك الأمم والشعوب والدول والحضارات، وله مفهوم شامل عريض يؤدي إلى فقدان التوازن في مجالات الحياة كافة وفي علاقة الإنسان مع نفسه ومع الله ومع غيره، وعن هذا تنبثق ظواهر نفسية واجتماعية واقتصادية مرضية وتصورات فاسدة عن الوجود كله، فيعم الفساد الحياة الإنسانية بأسرها.
ويتجلى الظلم والجبروت والطغيان في شخصية فرعون كما جلاها القرآن في كثير من الآيات، يقول تعالى في حق فرعون، ويبدو أن الكلام لكل فرعون: ﴿إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين﴾ [القصص:4]، ففرعون صاحب جبروت وظلم وطغيان، وقد سعى إلى تقسيم أهل مصر إلى فئات لكل منها معاملة خاصة تناسب علاقتها به، من دون أن تكون محكومة بالضرورة بمنطق العدل أو المساواة، فهناك الفئة التي استخفها فأطاعته، وانسجمت مع أهوائه ومطامعه ومطامحه، وارتضت أن يكون لها إلهاً رغبة أو رهبة، فهؤلاء لديه من المقربين، وعنده من المكرمين، ومن هذه الفئات فئة استضعفها واستذلها وامتهنها، فهو يجور على أهلها أعظم الجور، ويورد القرآن صورتين من أعظم صور الظلم، هما:
- أولاهما: يذبح أبناءهم
- والثانية: يستحيي نساءهم
وذكر القرآن لهاتين الصورتين من صور الظلم، ولا أحسبه من باب الحصر لمظالم فرعون، بل من باب التمثيل، ويمكن لمن يفهم ولمن يفطن أن يدرك صوراً شتى أخرى من الامتهان والإذلال ترتبط بهاتين الصورتين "ذبح الأبناء واستحياء النساء"، أو تأتي دونهما، فحين تصل الأمور إلى قتل الأبناء واستحياء النساء، ولا يستطيع المظلومون الوقوف في وجه الظلم والظالمين، فليس هناك ما هو أعلى من هذا الصنف من الظلم، فماذا يبقى للإنسان حين يعجز عن أن يحمي عرضه وذريته؟
إنهم يساقون إلى الموت كما تساق الأنعام التي لا حيلة لها ولا اختيار، بينما يبقى أهلوهم -إن بقي منهم أحد- مشمولين بالشعور بالعجز والقهر والذل والقنوط وقلة الحيلة والانكسار، ومؤكد أنه كانت هناك صنوف أخرى من الإيذاء كسلب أموالهم والتضييق عليهم في كل أمور الحياة اليومية، وتهميشهم وامتهان كرامتهم في كل وقت وكل مكان.
ولفرعون، صور شتى من الظلم تشمل كل من كان يحكمهم، كما تتوجه إلى فئات داخل المجتمع "طبقات"، وقد تتوجه إلى فرد أو مجموعة معينة حين تخرج عن طوعه وتخالفه في الرأي مثلما حدث مع السحرة الذين آمنوا برب العالمين، رب موسى وهارون.. لقد ظن فرعون -لفرط طغيانه وظلمه واستجابة من حوله لكل أوامره أياً كانت- أنه يتوجب على السحرة أن يستأذنوا منه قبل الإيمان بموسى -عليه السلام- فلما آمنوا شعر بحرج موقفه، حيث انقلبت الأمور ضده وهو الذي كان يظن أنها لحظة الحسم لمصلحته، وكان منذ سويعات يشعر بالاستعلاء، ولكنه شعر بالانكسار الذي يبدو أنه لم يعتد عليه، ولم يألفه منذ زمن طويل بعد أن انتصر موسى عليه.
وكان فرعون -لفرط طغيانه- يستسهل القضاء على كل من يحاول أن ينازعه سلطانه، أو يهدده من قريب أو بعيد.
إن الله سبحانه يمهل الظالمين ليثوبوا إلى رشدهم، ويعودوا إلى الحق والصواب، فإن عادوا فقد أمنوا عقاب الله لهم، وإن ظلوا على حالهم من الظلم والطغيان، فإن عقاب الله يأتيهم فيأخذهم أخذاً، ﴿وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير﴾ [الحج: 48]، وقد أملى الله لكثير من تلك القرى الظالمة لعلهم يثوبون أو يتوبون، أو لعلهم يرجعون عن غيهم وضلالهم وبغيهم، ولكن هذا الإملاء لم يكن حافزاً لهم على العودة إلى الصواب أو مراجعة النفس، فكان مصيرهم كما أخبر الله عنهم أسوأ مصير.
وإن الإهلاك بسبب الظلم سنة من سنن الله في سقوط الدول وزوال الحضارات وتدمير الأنظمة الظالمة، وقد مضت في فرعون وقومه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.