"اليد التي تهز المهد قادرة على هز العالم".. هكذا قال نابليون ذات مرة يصف قوة المرأة، وهناك نساء صنعن التاريخ، والحضارة، والرجال، في بلدانهن ومحيطهن، ومن بينهن غراسا ماشيل.
غراسا ماشيل امرأة موزمبيقية، عملت لعقود من أجل حقوق المرأة والتعليم والسلام، في بلادها وبعض الدول الإفريقية، اشتُهرت بزواجها مرتين، في البداية من أول رئيس لموزمبيق، سامورا ماشيل، ولاحقاً من نيلسون مانديلا، عندما كان رئيساً لجنوب إفريقيا.
ورغم حصولها على لقب السيدة الأولى مرتين، وفي بلدين مختلفين، هما موزمبيق وجنوب إفريقيا، ودخولها تاريخ السيدات الأوليات حول العالم، إلى جانب إليانور آكيتاين، التي تزوجت ملك فرنسا أولاً ثم ملك إنجلترا، فإن إنجازاتها أكبر بكثير من مجرد شغل هذا المنصب.
فماشيل امرأة استثنائية، تمتلك كاريزما مختلفة، جذبت كلاً من سامورا ونيلسون مانديلا إليها، وتعد قصتها الآن جزءاً من نماذج التحرر الإفريقي النسائي.
وُلدت غراسا في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1945، على ساحل موزمبيق، المستعمرة البرتغالية السابقة، تنتمي لأسرة من الفلاحين، وكان والدها شبه متعلم، يعول الأسرة عن طريق المبادلة بين مناجم جنوب إفريقيا والزراعة.
عندما توفي والدها أوصى زوجته بأن توفر لماشيل تعليماً مناسباً، وأوفت والدة ماشيل بوعدها، رغم الفقر الذي أحاط بحياة الأسرة.
وعندما حصلت على منحة دراسية إلى المدرسة الثانوية في العاصمة مابوتو، كانت السوداء الوحيدة في فصل من 40 طالباً من البيض.
ونقل عنها قولها آنذاك: "لماذا أشعر بالغربة في بلدي؟ إنهم الأجانب، وليس أنا، هناك شيء خاطئ هنا".
وإلى جانب هذا كانت غراسا مناضلة إفريقية مثل مانديلا من أجل الحرية، مكلفة نفسها بمهمة تحرير شعبها وتعليمه، فقد انضمت غراسا إلى جبهة تحرير موزمبيق، وتم تدريبها مقاتلةً في حرب العصابات لتحرير شعبها وتعليمه.
عاشت فترة في البرتغال، والتقت هناك بزعيم الحركة الذي سيصبح رئيساً لموزمبيق، سامورا ماشيل، وعشِقته خلال الحرب الثورية، وتزوجا في أغسطس/آب 1975، بعد شهرين من حصول موزمبيق على الاستقلال.
وجدت ماشيل أن حياتها مرتبطة بلحظة من التاريخ الحاسم، وقيل يومها إن الاتحاد بين ماشيل وسامورا كان شراكة سياسية أكثر من كونه رومانسياً، فعندما أصبح زوجها رئيساً لموزمبيق أصبحت زوجته الجديدة وزيرة الثقافة.
وحين تولت المنصب كان لدى موزمبيق واحد من أعلى معدلات الأمية في إفريقيا، وفي غضون عامين عززت معدل الالتحاق بالمدارس، وخفضت الأمية، غير أن الأمور سارت في اتجاه آخر، بسبب وقوع حرب أهلية جديدة في موزمبيق سنة 1975، وهو ما تسبب في فوضى وتدمير الاقتصاد.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 1986 قتل الزوج، الرئيس سامورا، في حادث تحطم الطائرة الشهير، وهو ما تسبب في صدمة لزوجته غراسا، وذهبت أحلامها وآمالها أدراج الرياح.
وقد أصابها الحزن حتى أُطلق عليها لقب "جاكي كينيدي الموزمبيقية"، أسوة بزوجة الرئيس الأمريكي السابق جون كيندي، وهذه ليست مقارنة غير قابلة للتصديق، فالسيدتان تتمتعان بنفس الثقة بالنفس، والحضور الطبيعي، وإتقان اللغات.
ويمكننا القول إن نقطة التحول في حياة غراسا كانت قصة زواجها من الزعيم نيلسون مانديلا، لتصبح السيدة الأولى لرجل السلام وزعيم الأمة في جنوب إفريقيا، في 18 يوليو/تموز 1998.
وقد عرفت حياتهما قبل الزواج قصة حب أسطورية تعدت حدود البلاد، والجدران، لتصبح خالدة في التاريخ الإفريقي، رغم معارضة الجميع ومحاربة من المقربين لها، قبل أن يتم تتويج القصة بزواج.
فقد كتبت غراسا ماشيل رسائل إلى نيلسون مانديلا خلال سجنه، وبعد إطلاق سراحه من السجن وبحلول عام 1996 شاع خبر زواجها منه، قبل أن يتزوجها عام 1998، وُلقبت يومها بـ"الرفيقة الرسمية" لمانديلا.
وقد حظيت بطلة قصتنا بتكريمات عالمية وشهادات عليا في مجالات مختلفة، منها القانون وحقوق الإنسان والصحة.
فقد حصلت على جائزة إفريقيا لعام 1992 في مجال مكافحة الفقر، وجائزة الأمم المتحدة للعمل الإنساني عام 1995، ووسام من الإمبراطورية البريطانية من قبل الملكة إليزابيث عام 1997.
ومن أبرز وظائفها الأممية تعيينها في العام 2009 ضمن مجموعة الشخصيات البارزة التابعة للأمم المتحدة، ثم تعيينها مستشارة لجامعة القيادة الإفريقية بالأمم المتحدة عام 2016، وهو المنصب الذي مازالت تشغله حتى الساعة.
ومازالت غراسا ناشطة في حقوق المرأة والدفاع عن العنف الموجه ضدها، ولها منظمة تحمل اسمها في موزمبيق، تسعى لحماية حقوق المرأة الإفريقية في كافة المجالات.
فإذا كان نيلسون مانديلا شخصية تاريخية على مر العصور، فإن غراسا ماشيل أسطورة نسائية إفريقية، حظيت باحترام الجميع ولا تزال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.