يتعرّض مخيم شعفاط لحملة استهداف ممنهجة منذ تنفيذ عملية فردية في 2022/10/9، وهو ما تفاقم على أثر فشل أذرع الاحتلال الأمنية من الإمساك بالمنفذ، وتنفيذه عملية أخرى في 2022/10/19، وشهد أيام اختفاء المنفذ العشرة اشتباك خوض أهالي شعفاط معركة إرادة مع الاحتلال.
وإلى جانب أهمية العملية، فقد عملت أذرع الاحتلال على استهداف المخيم بشكلٍ ممنهج في السنوات الماضية، حتى أصبح المخيم نقطة مقاومة استثنائية في وجه الاحتلال، إذ تشهد أحياؤه اشتباكات شبه يومية مع الاحتلال، ولا يمكن لقوات الاحتلال اقتحام المخيم من دون أن يجد رداً من أهالي المخيم. وحول ما جرى في المخيم في الأيام الماضية وخلفيات الأحداث والاستهداف، نقدم في المقال الآتي بعضاً من هذه التفاصيل.
موقع المخيم وتأسيسه
يقع مخيم شعفاط شمال شرق القدس المحتلة، أقامته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) ما بين 1965 و1966، وهو آخر المخيمات بناءً قبيل النكبة، وتعود أصول اللاجئين القاطنين فيه إلى 55 قرية تابعة لمدن القدس واللد ويافا والرملة، وهو المخيم الوحيد الذي يقع ضمن دائرة نفوذ بلدية الاحتلال.
وبحسب وكالة الصحافة الفلسطينية "وفا"، فإن المخيم قد أقيم بديلاً عن مخيم المعسكر، الذي كان في البلدة القديمة. وعلى أثر احتلال الشطر الشرقي من القدس، أحاطت سلطات الاحتلال المخيم بعددٍ من المستوطنات الإسرائيلية، فمن جهة الجنوب مستوطنة التلة الفرنسية، ومن جهة الشمال مستوطنة "بسكات زئيبف"، ومن الشرق مستوطنة "عناتوت"، إلى جانب محاصرته من "الجدار العازل" من ثلاث جهات، ما يضيق على حياة السكان ومعاشهم.
فصل المخيم عن القدس
تُشير الصحفية المقدسية، هنادي القواسمي، في مقالها على متراس، إلى أن حكومة الاحتلال، وخلال بنائها جدار الفصل على أثر اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، تعمدت أن يُقصي مسار الجدار المخيم والمناطق المحيطة به، على الرغم من أن هذه الأحياء تُعد تابعة لبلدية الاحتلال في القدس المحتلة، وبحسب القواسمي فإن هذه الأحياء هي: رأس شحادة ورأس خميس (من أراضي شعفاط)، وضاحية السلام (من أراضي قرية عناتا).
وأدى عزل المخيم والمناطق المحيطة به إلى غياب الكثير من الخدمات العامة التي تقدمها أذرع الاحتلال، على الرغم من أن القاطنين في شعفاط والأحياء المحيطة به يحملون بطاقات الهوية الزرقاء.
ومع تزايد أعداد القادمين إلى المخيم، ومحاولة الاحتلال الانسحاب من المخيم، تزايد أعداد القاطنين في المخيم، وتصاعد بالتوازي البناء لطبقات عدة، وتحول المخيم إلى ثقل سكاني ضخم.
استهداف الأونروا في المخيم
شكلت ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرصة للاحتلال لفرض مزيد من التضييق على الفلسطينيين، وقد شهدت تلك السنوات محاولة إنهاء عمل الأونروا في الخيم، ففي 2018/10/4 كشف تقريرٌ إعلامي إسرائيلي عن تخطيط الاحتلال لإغلاق جميع مؤسسات وكالة الأونروا في القدس المحتلة، وأن بلدية الاحتلال في القدس وضعت خطة تتضمن إنهاء عمل الوكالة في المدينة، وإغلاق مؤسساتها، بما فيها المدارس والعيادات ومراكز الخدمات المعنية بالأطفال، ويشمل المخطط إنهاء تعريف مخيم شعفاط بأنه "مخيم" لاجئين، ولفت التقرير إلى أن المخطط تمت صياغته بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية.
وبدأ تحرك بلدية الاحتلال في القدس نحو مخيم شعفاط، ففي 2018/10/23، دخل إليه عددٌ من موظفي بلدية الاحتلال في القدس، يرافقهم رئيسها – حينها- نير بركات، وقام عمال بلدية الاحتلال بتنظيف مدخل المخيم، بحماية مشددة من قوات الاحتلال، ووصف ناشطون من المخيم هذه الخطوة بأنها بالغة الخطورة، لكونها انطلاقة عملية لمحاولات استبدال خدماتٍ مقدمة من بلدية الاحتلال بخدمات الأونروا.
عدي والشرارة المتجددة
لا يمكن الحديث عن عملية الشهيد عدي التميمي، من دون المرور على مشهد تصاعد أعمال المقاومة في الأشهر الماضية، وهو تصاعدٌ كبير أشارت إليه العديد من التقارير الأمنية العبرية، وأتت بالتزامن مع موسم لتصعيد الاعتداءات بحق المسجد الأقصى بالتزامن مع الأعياد اليهودية، وجاءت عملية إطلاق النار في 2022/10/9 لتشكل شرارة متجددة للعمليات الفردية في المناطق الفلسطينية المحتلة، فقد أعلن حينها جيش الاحتلال عن مقتل مجندة وإصابة جندي آخر، في عملية إطلاق نار من مسافة صفر، استهدفت الجنود على حاجز مخيم شعفاط، وأظهر مقطع مصور، إطلاق المنفذ النار على جنود الاحتلال وانسحابه من مكان العملية. وعلى أثر العملية فرضت قوات الاحتلال حصاراً مشدداً على المخيم، واقتحمته بشكل متكرر بحثاً عن المنفذ، إلى جانب إغلاق جميع مداخل مخيم شعفاط وبلدة عناتا.
وعلى أثر انسحاب منفذ العملية إلى الأحياء الداخلية، وفرض قوات الاحتلال الحصار على المخيم، خاض أهالي المخيم إضراباً شاملاً رفضاً لممارسات الاحتلال، وعلى أثر تضامن أهالي القدس مع أهالي المخيم، رفعت قوات الاحتلال حصارها على المخيم في 2022/10/13، وعادت حركة المرور على الحاجز. ولكن التفاعل الشعبي مع منفذ العملية واحتضانهم له شكل نقطة فارقة في تصاعد المقاومة فردياً وجمعياً، فمع استمرار بحث سلطات الاحتلال عن المنفذ انتشرت دعوات شبابية في مخيم شعفاط لحلق شعر الرأس كاملاً، وأظهرت مقاطع مصورة قيام شباب من المخيم بحلق شعر رأسهم، ونشرت وسائل إعلام رقمية فلسطينية عنوان "الصلع مقاومة" على هذه الحملة، وبحسب متابعين لشؤون القدس فإن هذا الفعل جاء لتضليل أدوات الاحتلال الرقابية، نتيجة انتشار معطيات تؤشر إلى أن منفذ العملية عدي التميمي "أصلع".
حشد الاحتلال لقواته، وعملية ثانية للتميمي
لم تكن عملية شعفاط إلا جزءاً من التصاعد العام لأعمال المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وهي النقطة التي أججت حنق الاحتلال وغضبه، وفي سياق محاولات الاحتلال كبت جماح تطور العمليات الفردية، ففي 2022/10/13 أجرى رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد تقييماً للوضع الأمني في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وأعلن عن رفع أعداد حرس الحدود في المدينة المحتلة.
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن جيش الاحتلال وضع 10 سرايا من الاحتياط على أهبة الاستعداد بسبب ما وصفته الصحيفة بالأوضاع الأمنية "المتوترة"، ونقلت الصحيفة عن قائد قوات حرس الحدود العميد أمير كوهين أنّه سيتمّ التعامل "بحزم وقوة" مع الفلسطينيين.
وعلى الرغم من حشد الاحتلال مختلف أدواته الرقابية والأمنية، فإن للشهيد التميمي رأياً آخر، ففي 2022/10/19 نفذ التميمي عملية إطلاق نار أخرى على مدخل مستوطنة "معاليه أدوميم"، واستشهد على أثر خوضه اشتباكاً مسلحاً مع حراس المستوطنة وجنود الاحتلال، وقد كشفت المقاطع المصورة أن التميمي خاض الاشتباك ببطولة نادرة، وأنه تمسك بمسدسه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، والتحق بركب الشهداء، ما جعله مجدداً صورة حية للشهيد البطل، والقائد الميداني الفذ، والمقاوم المشتبك مع المحتل حتى لحظاته الأخيرة.
وصية الشهيد، لينطلق من بعده مئات الشباب
وفي سياق الحديث عن الشهيد، فإن أبلغ ما يمكن أن نختم به المقالة جزء من وصية الشهيد، ولو كانت مفارقة للمعطيات والمتابعة السياسية، إلا أنها خاتمة تليق بهذه التضحية، وتعطي صورة لما سيجري في فلسطين في قادم الأيام. فيقول التميمي: "عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر"، ويعرف الشهيد أنه سيلتحق بركب الشهداء لا محالة فيقول: "إنني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً"، ولكن النقطة التي تحدّث فيها عن هدف عمليته هي الأكثر بلاغة وأثراً، فيقول: "وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها، واضعاً هدفاً أساسياً أن ثمرة العملية مئات من الشباب يحملون البندقية من بعدي". فكما كان عدي نقطة في بحر النضال الفلسطيني الهادر، وحبة في سبحة الشهداء الكرام البررة، سلم التميمي البندقية لمن بعده، ليكملوا الدرب، ويثخنوا في العدو، وعينهم على التحرير القادم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.