تعتبر سينما الخيال هي المفر الذي يسلكه الإنسان هرباً من واقع مؤلم، وحين نتحدث عن سينما الخيال نجد أنها تقترن بالسحر والأبطال الخارقين، فالسحر يأخذنا لعوالم بعيدة؛ حيث تتحقق الأحلام، ونشهد انبعاث ظلمات لم نكن لنتخيلها، والأبطال الخارقون، هم أملنا البعيد، المنقذون الذين ننتظر ما يوازيهم في واقعنا، علّه يتغير، سواء كان للأفضل أو للأسوأ.
في أدب الخيال والتي تمثل السينما ركناً من أركانه، من الطبيعي جداً، بل من البديهي أن تُذكر مصر القديمة، فهي الحضارة الشرقية الساحرة التي حكمت العالم القديم في إحدى فتراتها، وكذلك هي الهوية الثقافية التي سحرت العالم كما سحرت أبناءها بما تركته من آثار مذهلة على الأرض لم تخضع لتعرية الزمن.
لذلك من الطبيعي تماماً بل من البديهي، أن ترى تلك الحضارة وهي تسحر عقول الكُتاب الغربيين، فيقررون الاقتباس والأخذ منها لإضافة هالة السحر والتاريخ والعراقة حول شخصياتهم، فنشهد تلك الشخصيات وهي تأسر قلوب الملايين من البشر، ليمتد تأثير حضاراتنا القديمة حتى اليوم وإلى المستقبل، ويكون تأثيرها غير خاضع للمتاحف والآثار أيضاً بل ممتداً كذلك للثقافة الشعبية و الـPop Culture.
والآن دعني أحدّثك عن عمل سينمائي جديد ومميز من نوعه حيث اقتبست أصول شخصياته الرئيسية من تاريخ الشرق القديم، وتحديداً الحضارة المصرية القديمة، وذلك الفيلم المقصود هو فيلم Black Adam والذي يتحدث عن البطل الخارق المخالف للعادة، والرافض لأيديولوجية الأبطال الخارقين العاديين بلاك آدم والذي سيقوم بدوره الممثل العالمي The Rock.
فبالإضافة إلى شخصية بلاك آدم، ذات الأصول المصرية القديمة، يقدم الفيلم أيضاً شخصيتين من أصول مصرية، وهما Dr.Fate و Hawkman، وبالفعل تحمل هذه الشخصيات زخماً في قلوب معجبيها منذ ظهورها لأول مرة في القرن الماضي، وهذا الزخم هو بالتأكيد مرتبط بأصولها العريقة المرتبطة بحضارتنا القديمة.
لذا دعني آخذك في رحلة حول تلك الشخصيات الثلاث؛ لنرى كيف ترتبط بثقافتنا وحضارتنا وكيف استطاعت حصد ملايين المعجبين، ولنبدأ بالشخصية الرئيسية للفيلم، وبطله الأوحد Black Adam.
Black Adam
ظهر بلاك آدم للمرة الأولى في العدد الأول من قصص Marvel Family المصورة تحديداً في ديسمبر عام 1945، وكان قد كتبها و اخترعها الكاتبان Otto Binder و C.C.Beck ، وبلاك آدم في ذلك الوقت كان مجرد رجل مصري قديم اسمه تيث آدم، والذي اختاره الساحر الذي يمنح شازام قدرته والتي رأيناها جميعاً في فيلم Shazam الذي صدر عام 2019.
ظهر بلاك آدم للمرة الأولى في العدد الأول من قصص Marvel Family المصورة تحديداً في ديسمبر عام 1945، وكان قد كتبها و اخترعها الكاتبان Otto Binder و C.C.Beck ، وبلاك آدم في ذلك الوقت كان مجرد رجل مصري قديم اسمه تيث آدم، والذي اختاره الساحر الذي يمنح شازام قدرته والتي رأيناها جميعاً في فيلم Shazam الذي صدر عام 2019.
حين يحصل تيث آدم على قدرة شازام، تمكنه تلك القدرة من التحول إلى بلاك آدم، ولكن بدلاً أن يستخدمها للخير وحماية الضعفاء كما أراد الساحر منه، يستخدمها بلاك آدم في قتل الفرعون والاستيلاء على العرش، وبسبب خيانته للساحر، يُنفى إلى نجم بعيد في أقاصي الكون؛ حيث سيقضي الخمسة آلاف سنة التالية في رحلة عودته إلى الأرض؛ حيث سيقاتل بيلي باتسون الوريث الجديد لقدرة شازام، وأثناء قتالهما، يدفع بيلي بلاك آدم إلى قول الكلمة السحرية "شازام" فتغادره القوى الخارقة، ويموت بسبب خمسة آلاف عام من التقدم بالعمر.
بالطبع يتم إعادة بلاك آدم للحياة عام 1973 بعد حصول Dc Comics على حقوق ملكيته الفكرية، ومنذ ذلك الوقت وهو يظهر في العديد من القصص حيث يقاتل معظم الشخصيات الأقوى كسوبرمان وشازام، ثم ومع دخول القرن الواحد والعشرين، تقرر تحويله إلى Anti Hero بدل كونه شريراً، ليختبر بشخصيته قوة الأفكار البطولية والمثل العليا التي تمثلها الشخصيات البطولية من حوله.
بالطبع في الفيلم قد يتم تغيير قصة أصوله، ولكن مع الحفاظ بالطبع على هويته الثقافية كمصري قديم، فبلاك آدم يمثل الأخلاقيات القديمة والتي تقضي بأن العين بالعين والسن بالسن ولا رحمة للمجرمين، وهذا هو التحدي الأخلاقي بينه وبين أبطال العصر الحديث.
Hawkman
تظهر شخصية هوك مان للمرة الأولى في القصص المصورة الخاصة بشخصية فلاش خلال أربعينيات القرن الماضي، اخترع الشخصية الكاتب Gardner Fox والرسام Dennis Neville، وهوك مان هو في الواقع كارتر هال، عالم آثار يكتشف أنه إعادة البعث لروح الملك خوفو المصري القديم.
وباستخدام سحر المصريين القدماء، يخلق هال لنفسه جناحين، يمنحانه القدرة على الطيران ومواجهة الجريمة، ومع التقدم في صناعة القصص المصورة ومرور الوقت، يُنشئ هو ودكتور فايت، الفريق الأول للأبطال الخارقين في التاريخ وهو فريق Justice Society of America، ثم يتعرف على شخصية شيارا ساندرز والتي بدورها هي إعادة بعث للأميرة شيارا حبيبة الملك خوفو، والتي تنضم لهوك مان في قتاله ضد الجريمة.
والآن في فيلم بلاك آدم يظهر هوك مان من تمثيل ألديس هودج؛ حيث حافظ على أصوله المصرية القديمة تزامناً مع شخصية بلاك آدم وبالتالي تتشارك الشخصيتان خلفيتهما الثقافية داخل فيلم واحد؛ مما جعل الأجواء المصرية القديمة شبه مسيطرة على الفيلم.
Dr.Fate
ظهر دكتور فايت للمرة الأولى خلال عام 1940، اخترعه Gardner Fox الكاتب الذي اخترع هوك مان من قبل، والذي أظهر بشكل واضح ولعه بالتاريخ المصري القديم.
وكالعادة، ترتبط أصول دكتور فايت بمصر القديمة، ولكنها تمتد كذلك لبلاد ما بين النهرين؛ حيث آشور، ففي قصته، يتبع كينت نيلسون الشاب والده إلى موقع حفر أثري في الأهرامات المصرية، وهناك يعثرون على مومياء محفوظة بشكل مثالي لكاهن مصري قديم يُدعى نابو، يتنبأ كينت بحادثة تقتل والده وتوقظ نابو من سباته، ومن ذلك الوقت ونابو يستغل الفتى الصغير للسيطرة عليه عن طريق خوذة سحرية تمكنه من استحضار سحر قديم.
بالطبع اسم نابو ليس اسماً من خيال المؤلف، فهو مقتبس من نيبو، أحد أهم الآلهة الأشورية القديمة، والذي ذُكر في العديد من النصوص المقدسة ومنها الكتاب المقدس؛ حيث يمثل ابن الإله ماردوك ملك الآلهة وإله الحكمة والكتابة، وكذلك يمثل الإله المصري ثوث؛ حيث يعرف نابو نفسه كخادم ثوث.
في فيلم بلاك آدم يقوم بدور دكتور فايت الممثل العظيم والقدير بيرس بروسنان، وبالطبع كما هو الحال دائماً، ستتغير قصته قليلاً، لكن مع الحفاظ على أصولها المصرية التي تجعلها مرتبطة بشخصية بلاك آدم؛ لذا فإنك ستشاهد في الفيلم أعظم ساحر مصري قديم على وجه الأرض.
في النهاية، يقدم فيلم Black Adam زمرة من الشخصيات الجديدة ذات الأصول المشتركة والممتدة لمصر القديمة، ويمثل هذا بالطبع قدر التأثير العظيم والسحر الذي تنثره حضارتنا على صناعة السينما في هوليوود دون ضغط سياسي أو مالي، فعلى الجانب الآخر، يقال بأن المخابرات الإسرائيلية قامت بممارسة الضغط بين أزقة هوليوود لوضع شخصية صابرا الإسرائيلية في أحد أهم أفلام مارفل القادمة.
وهنا يمكننا أن نرى الفرق جلياً بين الحضارة العريقة التي تفرض نفسها على العالم بتاريخها وهويتها وعراقتها وما تركته من أثر على الأرض، وبين سارقي الأرض ومنتهكي الحضارات، ومدّعى العراقة وقاتلي الأطفال.
وهذا سيظل دائماً الفرق بيننا وبينهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.