عامل كشري التحرير.. لماذا بات الناس مهووسين بنشر أعمال “الخير” على السوشيال ميديا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/26 الساعة 11:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/26 الساعة 11:46 بتوقيت غرينتش
الفنان أحمد العوضي وعامل النظافة في كشري التحرير / الشبكات الاجتماعية

قبل أيام ضجت مواقع السوشيال ميديا بسبب انتشار مقطع فيديو يبين طرد عامل نظافة من مطعم كشري شهير بسبب ملابسه، يوضح الفيديو أن عامل القمامة دخل إلى أحد المحال لشراء علبة كشري، فرفض العامل وجوده بالمطعم بحجة أن ملابسه غير لائقة.

 تم تصوير المشهد وتسريبه، وكالعادة، التي أدعو الله أن نعدمها قريباً، أصبح الفيديو ترند.

شعب متدين بطبعه

"مجتمع متدين بطبعه" جملة كليشيهية جداً ملازمة لتعريف المجتمع المصري لنفسه، واحدة من البديهيات التي نكبر عليها ونتعلمها منذ صغرنا في المدارس.

نتلقن أيضاً في تلك المدارس ذاتها أن الناس سواسية، وأننا إخوة في الوطن الواحد، لكل منا حقوق وعليه واجبات، وأن لكل منا دوراً في سبيل أن يحيا الجميع بسلام وأمان تامين.

جمل عظيمة وأخلاقية جداً لو سمعتها من الخارج لتخيلت أنك ستعيش في مجتمع مثالي، لكن هل في العالم الواقعي نرى أي مردود لذلك التدين الفطري، أو نرى معاملة سوية وطبيعية لكل أفراد المجتمع؟

الترند

منذ عام تقريباً شهدت فيديو، اكتشفت أنه جزء من برنامج يومي يُذاع على إحدى قنوات اليوتيوب، يبدأ الفيديو برجل يسير في شارع عام، فيلتقي بعامل قمامة ويطلب منه أن يتحدث معه قليلاً، يوافق عامل القمامة فيحادثه الرجل أن معه بعض المال الذي كسبه من الحرام، وأن الله تاب عليه، ويريد من العامل أن يساعده في التطهر من ذنبه بأن يأخذ منه تلك الأموال.

في المقطع الذي شاهدته رفض العامل الأموال الحرام بشدة، معللاً ذلك بخوفه من غضب الله، وأنه لا يطعم أولاده إلا من أموال حلال، إلى هنا يمكنني أن أتقبل المشهد ببعض الغصة التي أوضح أثرها لاحقاً.

بعدها يصارح المذيع العامل بأن تلك الأموال حلال، ويطلب منه أن يأخذها مكافأة له، يأخذها العامل، وهنا أشعر بغصة كاملة وحقيقية.

أما عن بعض الغصة التي أشعر بها في الجزء الأول من المشهد فسببها، أنني أرى بالمشهد نفسه بعض العنصرية، بمعنى أنه لا يمكن أن يدخل نفس المذيع على طبيب مشهور أو دكتور جامعي أو تاجر مشهور أو معلم ويعرض عليه أن يساعده في التخلص من ذنبه بأخذ أموال مصدرها حرام.

قد أتفهم أن النية هي تعليم الأطفال وإظهار نماذج بأن العوز أو ضيق الحال لا يعني بالضرورة أكل الحرام، وهو معنى نبيل على أية حال، وإن كنت لا أفضل تلك الطريقة في توصيله وإظهاره.

أما ما يصيبني بغصة كاملة هو عرض نفس المبلغ على العامل ليأخذه، وتصوير المشهد بالكامل وإذاعته، لا أفهم المغزى حقيقة.

أتصور جيران عامل القمامة، أمه، زوجته، أطفاله في المدرسة، كيف يمكن أن يتقبلوا مشهد أخذ أبيهم لمساعدة على الهواء شاهدها مئات الألوف من البشر؟

لا ألوم عامل القمامة، ولا أشكك في نية المذيع، ولكنني أشعر بوجع حقيقي أن يتم إعلان مساعدة مالية على الهواء، كان الأفضل في رأيي أن يتم تصوير الجزء الأول من المشهد، ومن ثم إعطاء المكافآة للعامل دون عرضها على الهواء.

عودة إلى مطعم الكشري

بعدما تسرّب الفيديو بدأ الكثير من الفنانين بمحاولة تطييب خاطر عامل القمامة، عن طريق عرضهم لتناول الأكل معاً، وهناك من عرض عليه وظيفة أخرى بمرتب أفضل؟

وبالفعل قام أحد الفنانين بدعوة العامل على مطعم كبير، وتناولا الطعام معاً والتقط الفنان بعض الصور ونشرها على السوشيال ميديا.

أعتقد أن الفنان أراد إعلان التضامن مع العامل ورفض الطريقة التي تعامل معه المطعم بها، لكنني لا أستطيع تقبّل تلك الطريقة في الدفاع عن حقوق البشر والتضامن معهم؟

أحاول أن أفهم الدافع الحقيقي، هل السبب هو إظهار أن العمال شخص عادي لا يخجل أحد من تناول الطعام معه، بدليل تقاسم فنان مشهور الطعام معه؟

أم أن نظهر أن تلك الفضيحة من المطعم هي خطأ فردي لا يعكس ثقافة المجتمع؟ وهو بالطبع أمر خاطئ؛ حيث يقوم فرد فيه بالتعامل بفوقية مع من يعتقد أنهم أقل منه.

ثم إنني أقف للبحث عن سبب اتجاه ردود الأفعال كلها تجاه العامل الذي لم يقترف ذنباً بالأساس، وعلى حد علمي لم يوجد أي رد فعل تجاه المطعم أو تجاه العامل، فلم أسمع بعقوبة مثلاً على عامل المطعم؟ ولم تهتم الدولة كذلك بفرض أي عقوبات على المطعم، باعتبار ذلك تفرقة عنصرية وإهانة لأحد مواطنيها؟

ولم يهتم المشاهير مثلاً بإعلان مقاطعة ذلك المطعم؟ أو أن إدارة المطعم نفسها قد قامت بتقديم اعتذار لعامل القمامة، أو أنها فرضت عقوبة على عامل المطعم؟

محاولات تطييب الخاطر جيدة، لكنها لا تحل مشاكل المجتمع.

هل بتلك الطرق ننشر الخير ونعامل الجميع

في المثالين المذكورين في ذلك المقال، والأمثلة كثيرة، ولكن لا يتسع المجال لذكرها، يمكن أن نجمّل الطريقة التي يتعامل بها مجتمعنا اليوم مع الكثير من المشاكل.

تظهر مشكلة، فتحدث ضجة مجتمعية بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، يعلن المشاهير تضامنهم، يتم تصوير التضامن، وبعدها ينتهي كل شيء.

نريد أن نظهر عمل الخير، نأتي بشخص فقير نصوره وهو يرفض الحرام، ومن ثم نعوِّضه مادياً على مرأى ومسمع من العالم.

لكن هل بتلك الطرق، التي تنمّ عن ضحالة شديدة في التفكير، تتغير بالفعل ثقافة المجتمع؟

هل تلك الطرق تساعد في نشر الخير ورفض الطبقية؟

بالطبع لا.

قيم منقوصة ولا وجود للحلول الفعلية

إن الاعتقاد بأن تصوير الناس وهم يرفضون الحرام هو وحده من ينشر ثقافة انتشار الحلال هو أمر لا قيمة له، وأن التضامن مع المظلوم بالتصوير معه أمر سينتهي أثره بعد أيام، ومن ثم سيعود الضعيف لمواجهة المجتمع الذي سيفرض عليه قوته مرة أخرى.

الحل الفعلي للمشاكل الحقيقية

لا عجب في وجود الكثير من المشاكل الاجتماعية في كثير من المجتمعات، لكن ما يُحدث الفارق هو الاعتراف بالمشكلة والطرق العملية لحلها.

أما عن الاعتراف بالمشكلة، فمن رأيي أننا أصبحنا لا نقوم بشيء بحياتنا إلا بالتصوير، قرأت ذات مرة أن انشغالك بتصوير اللحظة يقلل من استمتاعك الفعلي بها، وبذلك أرى أن الاهتمام بالتصوير وحده لا علاقة له بحل المشاكل أو تعليم الناس صفات حسنة.

أما عن طرق الحل، فلا يمكن أن يتم الاعتماد على السوشيال ميديا، فإن أردنا تعليم الأطفال ونشر ثقافة عمل الخير بين الناس، فإن الأمر يبدأ من التربية داخل المنازل وفي المدارس وبنشر تعاليم الأديان السماوية التي تدعو للتسامح والخير.

وإن أردنا نبذ الاستعلاء وضمان عدم تعرّض أي مواطن لموقف يمكن أن يتسبب في إهانة لكرامته، فالأمر يكون بسنّ قوانين شديدة تعاقب من يقوم بإهانة أو التقليل من أي مواطن.

بالنهاية، لا يحمل كلامي أي وصم لنية أي شخص، لكنني أناقش الطريقة التي أعتقد أنها تؤتي ثمارها من أجل الحياة في مجتمع أفضل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دينا خالد
أم وكاتبة
أم، تخرجت من كلية العلوم وعملت بالتحاليل الطبية لسنوات قبل أنا أعيد أكتشاف نفسي من خلال الكتابة وأقرر أن أعمل بها.
تحميل المزيد