عاش اللاعب الكوري الجنوبي أهن جونغ هوان سلسلة من التقلبات، من حيث الأحاسيس والمشاعر، في ظرف أيام قليلة خلال صيف 2002، بمناسبة نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي احتضنتها بلاده بالاشتراك مع اليابان.
فقد قاد أهن جونغ هوان منتخب كوريا الجنوبية للتأهل إلى الدور ربع النهائي لمونديال 2002، بتسجيله لهدف الفوز في الدقيقة الـ117 من المباراة التي جمعته بنظيره الإيطالي (2-1)، يوم 18 يونيو/حزيران من العام ذاته بمدينة دايجون، وهو الهدف الذي كان في ذلك الوقت يُطلق عليه اسم "الهدف الذهبي"، بحيث يعلن حكم اللقاء نهاية المواجهة فور تسجيل فريق ما هدف التقدم في الوقت الإضافي، وذلك بخلاف ما هو معمول به حالياً، حيث يتم مواصلة اللعب حتى نهاية الـ30 دقيقة الإضافية.
أهن جونغ هوان سجل الهدف الذهبي في مرمى بوفون
كانت تلك المباراة مثيرة جداً، وعاشتها جماهير كلا المنتخبين على أعصاب جد متوترة، سواء بمدرجات الملعب أو على شاشات التلفزيون، بحيث، وبعد مرور 5 دقائق فقط من بدايتها أضاع أهن جونغ هوان ركلة جزاء إثر تصدٍّ ناجح للحارس الإيطالي العملاق جيانلويجي بوفون، ثم تقدمت إيطاليا بالنتيجة في الدقيقة الـ18 بفضل هدف المهاجم كريستيان فييري.
ونجحت كوريا الجنوبية بعد ذلك في تعديل الكفة قبل دقيقتين فقط من نهاية الوقت الرسمي للقاء، بواسطة سول كي هيون.
وشهد الوقت الإضافي للمباراة جدلاً تحكمياً كبيراً، واحتجاجاً متواصلاً من الجانب الإيطالي، وذلك بعدما قام الحكم الإكوادوري بيرون مورينو بطرد المهاجم فرانشيسكو توتي إثر تلقيه البطاقة الصفراء الثانية بحجة "الغطس" في منطقة العمليات للحصول على ركلة جزاء، ثم ألغى الحكم هدفاً لداميانو توماسي بداعي وجوده في وضعية تسلل.
وبينما كان الإيطاليون ينتظرون نهاية الوقت الإضافي واللجوء لركلات الترجيح وترقب تألق الحارس العملاق جيانلويجي بوفون، أضاف منتخب كوريا الجنوبية الهدف الثاني في الدقيقة الـ118 من طرف أهن جونغ هوان، برأسية جميلة، أي قبل دقيقتين فقط من نهاية الشوط الإضافي.
وبعد تسجيله لذلك الهدف الذهبي والتاريخي، أصبح أهن جونغ هوان بطلاً قومياً في كوريا الجنوبية، لكنه بات العدو الأول في إيطاليا، لدرجة "طرده" من نادي بيروجيا الإيطالي الذي كان يلعب في صفوفه.
ففي اليوم التالي لتلك المباراة التاريخية، أي يوم 19 يونيو/حزيران 2002، أدلى لوتشيانو غاوتشي، رئيس نادي بيروجيا، بتصريحٍ صحفيٍ صادمٍ، قال فيه: "لن تطأ قدميْ هذا الرجل مجدداً وأبداً مدينة بيروجيا؛ فلست مستعداً لدفع راتب لاعب تسبب في خراب الكرة الإيطالية".
ورد أهن جونغ هوان على رئيس ناديه الإيطالي بتصريح جريء: "لا أرغب في البقاء ضمن فريق تهجم على شخصي، بدلاً من تهنئتي على الهدف الذي سجلته في منافسة كأس العالم".
ولقيت حينها تصريحات رئيس نادي بيروجيا انتقادات واسعة في الوسط الرياضي العالمي، بحيث اعتبرها الكثيرون بمثابة عنصرية واضحة، ما دعا مسؤولي النادي، فيما بعد، لتقديم اعتذاراتهم إلى أهن جونغ هوان، حيث قال مدرب الفريق سيرزي كوزمي: "أقدم له اعتذارات النادي، وأعتبره لاعباً يملك مؤهلات فنية عالية".
وكان أهن جونغ هوان قد انضم لفريق بيروجيا في يوليو/تموز 2000، على سبيل الإعارة لمدة سنتين، من نادي بوسان الكوري الجنوبي، وكان من المفترض أن يشتري النادي الإيطالي عقده ويضمه بشكلٍ نهائي في يوليو/تموز 2002، بعقد لمدة 3 سنوات، مقابل 1.6 مليون دولار، وذلك قبل أن تنفجر تلك الأزمة خلال نهائيات مونديال السنة نفسها.
رئيس نادي بيروجيا وضع فريقه في ثوب الضحية
وبعد تراجع رئيس نادي بيروجيا عن تصريحاته الصادمة، حاول وضع فريقه في ثوب الضحية، بحيث زعم أن اللاعب مرتبط بعقد مع فريقه، مستغرباً رفضه العودة إلى صفوفه.
وأوضح لوتشيانو غوتشي، يوم 27 يونيو/حزيران 2002 في تصريح صحفي: "لا يزال أهن جونغ هوان مرتبطاً معنا بعقد لمدة 3 سنوات، فإذا رفض العودة فهذا يعني أنه يريد التوقف عن اللعب، وأعتقد أن هذا ليس وارداً… لا أعتقد أنه يمكنه قول أشياء كهذه، وربما كان وكيل أعماله من قالها، وقد لا تكون أفكاره مطابقة لأفكار اللاعب".
وكان مدير أعمال أهن جونغ هوان قد قال، قبل يوم واحد من التصريح الجديد للوتشيانو غوتشي، إنّ اللاعب رفض العرض الذي قدمه له نادي بيروجيا بعد أن تنتهي فترة إعارته. وأوضح: "لن يلعب أهن مجدداً في صفوف بيروجيا، ولن ننظر في العرض المقدم من النادي الإيطالي الذي تفوه رئيسه بكلمات قاسية تجاه اللاعب بسبب تسجيله هدف الفوز الذهبي في مرمى إيطاليا. لا يملك بيروجيا الحق في المطالبة بعودة أهن، والشعب الكوري لا يريد أن يعود أهن الى صفوف بيروجيا".
وفعلاً، لم يكن كل الشعب الكوري يريد عودة أهن جونغ هوان للعب في صفوف فريق بيروجيا، ولا ضمن أي فريق إيطالي آخر، إذ تحولت الأزمة إلى قضية وطنية، كما تضامن اتحاد شرق آسيا لكرة القدم مع اتحاد الكرة الكوري الجنوبي، بحيث اعتبر تصريحات رئيس نادي بيروجيا عنصرية، فنصح بعدم احتراف لاعبي تلك المنطقة في الدوري الإيطالي، قبل أن يتراجع عن ذلك بعد عدة سنوات.
عاد لأوروبا.. ثم اعتزل بالصين
ووصل النزاع بين اللاعب ونادي بيروجيا إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، ما جعل الأندية الأوروبية التي كانت تنوي الاستفادة من خدمات اللاعب الدولي الكوري تتراجع عن مساعيها للتعاقد معه، في ظل عدم اتضاح الرؤية حول موقفه مع ناديه الإيطالي.
وانتهت الأزمة بإلزام الفيفا أهن جونغ هوان بدفع مبلغ 3.5 مليون دولار لنادي بيروجيا كتعويضات بسبب الأضرار التي لحقت به في سوق الانتقالات الصيفية، وهي القيمة المالية التي نجح اللاعب الكوري في جمعها من خلال تعاقده مع شركة استثمار يابانية، لعب بموجب ذلك التعاقد في الدوري الياباني لكرة القدم لمدة 3 سنوات.
وبعد انتهاء تجربته الاحترافية في الدوري الياباني، عاد أهن جونغ هوان للعب في أوروبا، ولكن هذه المرة بالدوري الفرنسي، بحيث غادر نادي يوكوهاما في يوليو/تموز 2005 نحو نادي ميتز، في صفقة انتقال حر.
وتواصل المسار الاحترافي لأهن جونغ هوان، بالانتقال لنادي ديوسبورغ الألماني في فبراير/شباط 2006، ثم بقي دون فريق من يوليو/تموز 2006 إلى يناير/كانون الثاني 2007، فعاد إلى موطنه كوريا الجنوبية للعب ضمن نادي سوان سامسونغ، ثم فريق بوسان في يناير/كانون الثاني 2008، قبل أن يرحل نحو نادي داليان شيلد الصيني في مارس/آذار 2009، ثم اعتزل اللعب نهائياً يوم 30 يناير/كانون الثاني 2012.
واسمح لي عزيزي القارئ أن أعود بك، في ختام المقال، إلى نهائيات مونديال 2002 لأشير إلى أنّ منتخب كوريا الجنوبية بدأ المنافسة بقوة بتصدره لمجموعة التصفية في دور المجموعات، بفضل فوزين اثنين: على بولندا (2-0)، والبرتغال (1-0)، وتعادل مع الولايات المتحدة الأمريكية (1-1)، ثم أزاح من طريقه المنتخب الإيطالي، في الدور ثمن النهائي، ثم منتخب إسبانيا، في الدور ربع النهائي، بفضل ركلات الترجيح، قبل أن تنتهي مغامرته في الدور نصف النهائي، حيث أقصي على يد منتخب ألمانيا بنتيجة هدف لصفر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.