السيسي وإعلانه الخطير في المؤتمر الاقتصادي الأخير عن الفشل التام للدولة المصرية بأنها غير قادرة على الوقوف مرة أخرى!
فما مدلول ذلك؟!
تمر الدولة المصرية بواحدة من أصعب الأزمات عبر تاريخها، أزمة تحتاج إلى تدخل إلهي لبقائها، على حد تعبير عبد الفتاح السيسي.. انهيار اقتصادي، شح في الموارد، عجز كبير في ميزان المدفوعات، تضخم، تراكم للديون، وحلفاء أداروا ظهرهم للرئيس.
هذه الأزمة ليست مجرد رأي أعبر به عن مزاجي الفكري أو آمالي، بل هي حالة عامة واضحة للعيان، حتى رأس النظام الحاكم لم يستطِع إخفاءها، وقام مشكوراً بذكرها، فقد صرح وبشجاعة وبصورة واضحة في كلماته التي ألقاها في المؤتمر الاقتصادي الحالي المنعقد في مصر حاليا، عندما قال:
"الأشقاء والأصدقاء أصبح لديهم قناعة أن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى بعد أن قدموا لها المساعدات على مدى سنوات لحل الأزمات والمشاكل، ما دمنا لا نساعد أنفسنا حتى يقوى عودنا ونقف".
دعونا نبدأ بالجزئية الأخيرة: "ما دمنا لا نساعد أنفسنا"، فما يعنيه السيسي في هذه الجزئية أن فشل الدولة، أو فشل مشروعه الخاص، مسؤولية الشعب وليس النظام الحاكم.
لكن، هل عندما تتعثر شركة مالياً أو تتعرض مؤسسة لخطر الإفلاس، تتم محاسبة العمال والموظفين، أم من الطبيعي محاسبة مدير الشركة ومجلس الإدارة؟!
بالتأكيد تتم مُساءلة مدير الشركة ومجلس الإدارة على سوء الإدارة، وحينها يجب عليهم تقديم استقالتهم أو تتم إقالتهم من مناصبهم، وذلك بسبب فشلهم في تحقيق الأهداف المالية وسوء التخطيط، ورداءة توظيف الموارد الإنتاجية.
البديل لعدم إقدام مدير الشركة المعرضة للخطر ومجلس الإدارة أو عدم إقالتهم، هي بالتأكيد النهاية الكارثية، إفلاس الشركة وبيع أصولها وتسريح العمال.
هكذا الدولة، يتحمل رأس النظام الحاكم ومعه جميع أجنحة النظام ومجلس الوزراء أي فشل إداري أو اقتصادي أو سياسي، أو أي كوارث تتعرض لها الدولة ويهدد أمنها القومي، وليس الشعب.
فأولئك هم المسؤولون عن إدارة البلاد وتوظيف الموارد نيابة عن الشعب، وعن طريق مجلس النواب الذي يفترض أن يراقب عمل السلطة التنفيذية وتصرفها في المال العام، لكن هذه المنظومة الرقابية مغيبة في مصر وتمت الهيمنة عليها بالكامل، بالدمج بين الدولة والنظام السياسي.
هل يستكمل رأس النظام طريق الشجاعة؟
بالعودة إلى الخطاب، كنت أتمنى أن يستكمل رأس النظام طريق الشجاعة ويقدم على التنحي من منصبه ومعه مجلس الوزراء، معبرين بذلك عن فشلهم في إدارة وتوظيف موارد الدولة، ليفسحوا الطريق لوجوه جديدة، ربما تستطيع إخراج البلاد من هذه الأزمة المعقدة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كنت أتمنى أن يقدموا على هذه الخطوة متنحين عن مناصبهم داعين إلى انتخابات مبكرة، ليثبتوا للشعب أنهم فعلوا ما فعلوا حباً في مصر وخوفاً عليها، لتجنيبها صدامات قد تستنزف من قدرات الدولة أكثر ما استنزف، صدامات لربما يراق في ساحاتها دماء المصريين، وخصوصاً أنهم يعلمون حجم الاحتقان السائد الآن في الشارع المصري.
هذا الاحتقان له أسباب موضوعية ومبررات منطقية، أسرد بعضها هنا:
- الأوضاع الاقتصادية المنهارة مما زاد من نسبة البؤس والفقر في البلاد.
- انهيار المنظومة الصحية والتعليمية في البلاد.
- هجرة العقول المصرية إلى الخارج، بسبب فقدان الأمل في مستقبل أفضل في مصر، أو بسبب التضييق الأمني.
- تغييب مفهوم المواطنة واستبداله بالإخضاع والسيطرة.
- الشروع في بيع أصول الدولة والتفريط في أجزاء من أراضيها.
- التفريط في الأمن المائي المصري.
- بناء السجون والتوسع فيها بدلاً من تشييد المصانع وتوسيع الرقعة الزراعية وتوفير الخدمات للمواطن من تعليم وصحة وفرص عمل.
- الاعتقالات العشوائية والتعذيب في السجون والاختفاء القسري.
- استخدام القبضة الأمنية البوليسية لإنزال الفزع بالناس بدلاً من حمايتهم وتوفير الأمن والأمان لهم.
- إنشاء مشاريع ضخمة للتباهي والتفاخر ومدن جديدة وبأسعار تمليك خيالية تقدر وحداتها بالملايين والتي لن يستفيد منها إلا طبقة الصفوة من الأغنياء أثرياء البلد أو ملاك جدد يأتون من الخارج. أما غالبية المصريين فلا قبل لهم ولا في استطاعتهم الاقتراب منها، ولا في مقدور المواطن المصري حتى الاستفادة منها.
- العنصرية في المعاملة وأسلوب التعالي والاستفزاز والتعدي الذي يتعرض له المواطن المصري العادي من قِبل الطبقة المميزة التي بيدها السلطة والنفوذ هم وأولادهم.
- حرمان معظم أطياف المجتمع المصري من حق المشاركة السياسية، وإغلاق طرق التعبير عن الرأي.
هذه هي بعض العوامل التي دفعت إلى احتقان الشارع المصري، والذي يستدعي من أي نظام في العالم تقديم استقالته وتنحيه عن السلطة إذا استشعر أنه فشل في إدارة البلاد ولم يعد مرغوباً فيه لدى الشعب.
ولكن ما نخشاه أنه وفي حالة عدم تنحيهم عن مناصبهم، أن يكون البديل هو الشروع في بيع أصول الدولة المصرية.
تجريف وتقويض مصر
حقيقة وكما تناولنا أعلاه، نعيش الآن أسوأ حالاتنا كمصريين من إذلال وكسر للكرامة في الداخل والخارج، في ظل نظام حاكم لم يعمل قط من أجل مصالح المصريين وتوفير عيش كريم لهم بخلق فرص عمل لهم، وتحقيق المساواة والعدل وضمان الحقوق من تعليم وصحة وخدمات، بجانب إغلاق باب الحريات والتعبير عن الرأي، ومنع المشاركة السياسية وللجميع.
إن ما يحدث على الساحة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والأمنية والإعلامية في مصر من تجريف وتقويض، وما له من آثار سيئة وخطيرة على المواطن المصري، وما ترتب عليه ليس في تقزيم وإهانة وإذلال للمصريين فقط، بل هو تقزيم للدولة المصرية وإضعاف دورها ومكانتها وإقلال من حجمها وتصغير لكبريائها وإهانة لتاريخها بين الأمم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.