مرت ثلاث سنوات، منذ تولي قيس سعيد رئاسة تونس في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد أدائه القسم أمام مجلس نواب الشعب، إثر فوزه بأكثر من 72% من أصوات الناخبين.
كان ذلك بعد أن شهدت البلاد وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، وتفعيل الدستور "دستور 2014″، الذي كان ثمرة توافق واسع بين التونسيين، حيث صوت له 200 نائب من 216 نائباً حينها، ذلك الدستور الذي ينص على إجراء انتخابات رئاسية في غضون 45 يوماً.
أقسم الرئيس قيس سعيد يومئذ على احترام الدستور، والحفاظ على استقلال البلاد، إضافة إلى تعهدات بمكافحة الفساد والعدالة الاجتماعية، والتصدي للإرهاب.
لكن الرئيس حنث ذلك القسم، واستبدل دستور الثورة بدستور جديد صاغه بنفسه، ودعا التونسيين إلى الاستفتاء عليه في 25 يوليو/تموز 2022، وجمع كل السلطات بين يديه دون وجود آليات للمراقبة والمحاسبة.
جاء ذلك بعد حل البرلمان وكل المؤسسات مثل: الهيئة العليا لمراقبة دستورية القوانين، والمجلس الأعلى للقضاء، وهيئة مكافحة الفساد، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ليتحول نظام الحكم من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي.
شهدت البلاد في عهد قيس سعيد ثلاث حكومات؛ هي: "حكومة إلياس الفخفاخ"، و"حكومة هشام المشيشي"، وحكومة "نجلاء بودن".
و كان الرئيس وراء اختيار هذه الشخصيات لتولي تلك المهام، وهي أسماء لم تقترحها الأحزاب الفائزة في انتخابات 2019، وخصوصاً حركة النهضة التي رشحت قبلهم الحبيب الجملي، الذي فشلت حكومته في نيل ثقة البرلمان.
وقد بدا الرئيس قيس سعيد منسجماً إلى حد بعيد مع برنامجه الشخصي، حول فكرة البناء القاعدي، ورفضه للأحزاب التي اعتبر أن الزمن قد تجاوزها، كما يرفض كل الأجسام الوسيطة مثل: المنظمات والجمعيات، لذلك تجاهل الدعوات المتكررة للاتحاد العام التونسي للشغل لإقامة حوار وطني من أجل تجاوز الأزمة السياسية التي عاشتها تونس.
كما استغل فترة الاستثناء، والتدابير الاستثنائية التي كسب بها تعاطف جزء مهم من التونسيين لمواجهة الانسداد السياسي، وانسداد المشهد البرلماني، وترهل سلطة الدولة، من أجل الانقضاض على كل مفاتيح الحكم.
وهو ما جعل بعض القوى التي ساندته تنفض من حوله، بعدما تبين لها أن "حالة الاستثناء"، ليست محدودة بسقف زمني كما جرت العادة.
والمفترض أن الرئيس هو رئيس كل التونسيين على اختلاف مرجعياتهم واختلافاتهم، فهو رمز وحدة الدولة والشعب، لكنه كان دائماً يصف خصومه ومعارضيه بـ"الخونة" و"الجراثيم"، ويعتبر من يسانده في خانة "الصادقين" و"المخلصين".
يحدث ذلك، وتونس تعيش أزمة على جميع المستويات، ويزداد ضنك العيش على التونسيين بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مع توالي فقدان بعض المواد الأساسية.
وكذلك ارتفاع الأسعار، وتفاقم الدين الخارجي، وتراجع الاستثمار، وكان الرئيس في كل مرة يلقي باللوم على المحتكرين والمتآمرين!
ووسط هذه الأجواء تسعى تونس للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، والذي يريد فرض شروط قاسية، وإجراءات "مجحفة"، مثل: التحكم في كتلة الأجور ورفع الدعم، وبيع المؤسسات العمومية المفلسة.
والواقع أن الرئيس قيس سعيد وعد الشعب بحلول مبتكرة، ومحاربة الفساد، والحفاظ على القدرة الشرائية، لكن حكومته، واصلت نفس سياسات الحكومات السابقة.
يضاف إلى ذلك تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، والتي توصف في تونس بـ"الحرقة"، فكانت "فاجعة مدينة جرجيس" التي ذهب ضحيتها 18 شاباً غرقوا في البحر، ولم تحسن السلطات التعامل مع المأساة بجدية، ما عمق غضب الأهالي، وشهدت بعض أحياء العاصمة، كذلك احتجاجات ليلية بسبب سوء الأوضاع المعيشية، وطبعاً تستغل قوى المعارضة الوضع بدعوات للتظاهر ورفض المسار السياسي للرئيس قيس سعيد، وانفراده بالسلطة، واتهامه بالتضييق على الحريات، ومحاصرة الإعلام.
أما على الصعيد الخارجي، فقد وطد قيس سعيد علاقة تونس مع الجزائر، فيما فترت العلاقة مع المغرب، خاصة بعد استقباله رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، عندما احتضنت تونس "قمة تيكاك8" بين اليابان والقارة الإفريقية.
الأمر الذي دفع بالمغرب إلى دعوة سفيره للتشاور، كما تبدو العلاقة مع الجارة الشرقية ليبيا باردة؛ حيث تأجلت زيارة رئيس الحكومة الشرعية عبد الحميد الدبيبة إلى تونس أكثر من مرة، رغم أن رئيس حكومة طرابلس زار الجزائر التي تعترف بحكومته.
وهذا الموقف كلف تونس الغياب عن "كعكة" إعادة إعمار ليبيا، والتي غنمتها مصر وتركيا والجزائر الذين وقعوا عقوداً ضخمة.
صحيح أن قيس سعيد وجد إرثاً ثقيلاً من الحكومات السابقة، التي وجدت نفسها أيضاً مجبرة "لحسابات انتخابية" على تقديم التنازلات، وإمضاء الاتفاقيات مع الاتحاد العام التونسي للشغل رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وانعكاساتها على موازنة المالية العمومية، فقد كانت منظمة الشغيلة هي الفاعل الأقوى في العشرية الماضية.
وقد استطاع الرئيس قيس سعيد تحجيم دورها منذ 25 يوليو/تموز 2021، لكن الموجود في السلطة مطالب بإيجاد حلول لأن السياسة نتائج، والحقيقة فإن 3 سنوات من حكمه مخيبة للآمال ودون التوقعات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.