“عرين الأسود”.. لماذا تخشى إسرائيل من “جيل Z” الفلسطيني؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/23 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/23 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
مقاتلون من "عرين الأسود" في نابلس/ مواقع التواصل

تضاعفت خلال العام الحالي عمليات إطلاق النار التي تستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية، وبرزت ظاهرة جديدة تؤرق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهي أن منفذي تلك الهجمات شباب لا ينتمون لتنظيم من التنظيمات الفلسطينية المعروفة مثل فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، إنما هم شباب أغلبهم تحت 20 سنة، ويعملون معاً بشكل شبكي، بمعنى أن أحدهم قد ينتمي اسمياً لحركة فتح، بينما يحصل على سلاحه من حركة الجهاد الإسلامي، ويحصل على الذخيرة من حماس.

 يؤدي غياب هيكل تنظيمي هرمي لتلك المجموعات الشبابية غير المؤدلجة إلى صعوبة القضاء عليها وتفكيك هيكلها التنظيمي، فضلاً عن أن العديد من نشطائها هم أبناء لضباط وعناصر في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، مما يجعل تلك الأجهزة تغض الطرف عنهم نسبياً؛ لعدم تمثيلهم خطراً مباشراً عليها بعكس الحال في تعاملها مع نشطاء حماس في الضفة الغربية على سبيل المثال.

برزت ضمن تلك الأجواء مجموعة اشتهرت باسم "عرين الأسود" تنشط في مدينة نابلس، ويتشارك أفرادها أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص تطبيق الـ"تيك توك"، ويضعون وفق العديد من صورهم شرائط حمراء على أسلحتهم، مما يعني حسب المحللين الإسرائيليين أنها أسلحة نظيفة تُستخدم ضد الاحتلال فقط، ولا تُستخدم في إطلاق النار في الهواء خلال الأفراح والمسيرات، أو حتى في الخلافات العشائرية، ومن ثم يحوز نشطاء عرين الأسود شعبية متزايدة تجسد قادتهم كرموز في الضفة الغربية رغم صغر سنهم.

وبالتالي تتعالى الأصوات الإسرائيلية الداعية لشن عملية عسكرية واسعة بالضفة على غرار عملية السور الواقي خلال الانتفاضة الثانية بهدف تفكيك تلك المجموعات، لكن أصواتاً أخرى ترفض ذلك باعتبار اختلاف الزمن واختلاف طبيعة العناصر المستهدفة عن خلايا التنظيمات الفلسطينية التقليدية.

الظهور الأول لعرين الأسود

في 24 يوليو من العام الجاري نفذ الجيش الإسرائيلي عملية مداهمة في البلدة القديمة بمدينة نابلس تخللتها اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل شابين وهروب رفيقهما الثالث "إبراهيم النابلسي"، وقد اتهمهم جيش الاحتلال بالمسؤولية عن تنفيذ هجوم في شهر يونيو استهدف مجموعة من المستوطنين خلال اقتحامهم لقبر النبي يوسف في نابلس، مما أسفر عن إصابة "روعي تسافيغ" قائد لواء الضفة الغربية في الجيش الإسرائيلي  فضلاً عن 4 مستوطنين.

استحوذ "النابلسي"، البالغ من العمر 19 عاماً على الأضواء إثر مشاركته بوجه مكشوف في جنازة تشييع زميليه، وهو نجل ضابط برتبة عقيد في جهاز الأمن الوقائي، وبرز اسمه ضمن عناصر كتائب شهداء الأقصى، ونجا من محاولة اغتيال أولى في فبراير 2022 قُتل خلالها 3 من رفاقه، ثم أصبح أحد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي في الضفة عبر المقاطع المصورة التي بثها لأنشطته ضد الاحتلال، ولكن في أغسطس 2022 داهمت قوة مشتركة من الشاباك وجيش الاحتلال حي القصبة في نابلس، وتمكنوا من قتل النابلسي رفقة زميلين آخرين له.

عقب مقتل النابلسي تبنت مجموعة أطلقت على نفسها "عرين الأسود" إطلاق النار على سيارة لمستوطن قرب قرية حوارة بالضفة الغربية، ثم تتابعت العمليات التي تبنتها تلك المجموعة الشبابية المتمركزة في نابلس، وانتشرت شعبيتها لأماكن أخرى وصولاً لاستجابة العديد من مناطق الضفة الغربية لإضراب عام دعت له المجموعة احتجاجا على حصار مخيم شعفاط بالقدس خلال مطاردة ابن المخيم عدي التميمي، عقب مهاجمته لحاجز عسكري قبل استشهاده بعد 10 أيام لاحقاً خلال تنفيذه هجوماً آخر على حراس مستوطنة معاليه أدوميم.

المخاوف الإسرائيلية من عرين الأسود

تتخوف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من انتشار ظاهرة مجموعة عرين الأسود المتمركزة في نابلس إلى بقية مناطق الضفة الغربية والقدس مثلما تجلى في نموذج الشاب عدي التميمي، وبالأخص لانتماء الشباب المتأثر  بهذه المجموعة إلى جيل وُلد أغلبه بعد عام 2000، ويتصف بعدة سمات من أبرزها التضامن مع الأقران والنزوع للمغامرة، والبراعة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للدعاية والتأثير وصناعة الرموز، والعمل وفق النمط الشبكي الذي يفتقد لتسلسل قيادي واضح يمكن تتبعه استخباريا، وكذلك يتخوف الاحتلال من دعم تنظيمات مثل حماس لتلك المجموعات الشبابية بالمال والعتاد لمهاجمة الاحتلال دون أن تتحمّل حماس تبعات تلك الهجمات، فضلاً عن إمكانية توظيف الظاهرة في إضعاف السلطة الفلسطينية بالضفة.

يقدّر الاحتلال عدد أفراد "عرين الأسود" بما يتراوح بين 30 إلى 50 مسلحاً، ويسعى للقضاء عليها عبر عدة تكتيكات من أبرزها تصفية رموزها، وقد تمكن الجيش الإسرائيلي حتى الآن من قتل 10 من نشطاء المجموعة، كما ألغى تصاريح الدخول لأراضي 48 المحتلة لنحو 164 فرداً من أقارب عناصر المجموعة للضغط عليهم اجتماعياً، وأيضاً فرض حظراً منذ 12 أكتوبر على الدخول والخروج من مدينة نابلس باستثناء مخرجين أحدهما للدخول والثاني للخروج، وذلك لتقييد قدرة عناصر المجموعة على تنفيذ هجمات جديدة على حواجز الجيش وسيارات المستوطنين المارة قرب نابلس، وأخيراً أعلن الاحتلال للمرة الأولى بدء استخدام طائرات مسيرة محملة بالصواريخ في الضفة الغربية بهدف اغتيال المطلوبين وتقليل المخاطر التي يتعرض لها جنوده خلال الاشتباكات التي تتخلل عمليات المداهمة.

وفي الجانب الإعلامي والتقني، تقدمت تل أبيب بطلبات رسمية لتطبيقات تيك توك و تليغرام وفيسبوك وإنستغرام لحظر حسابات كوادر عرين الأسود، وهو ما استجابت له إدارة تلك التطبيقات في أكتوبر الجاري باستثناء إدارة تطبيق تليغرام التي أبقت حتى الآن على قناة لمجموعة عرين الأسود تنشر عبرها بيانات وفيديوهات لأنشطتها.

على جانب آخر، ضغط الاحتلال على السلطة الفلسطينية للتحرك ضد كوادر "عرين الأسود"، وعقد اجتماعا في 8 سبتمبر مع وزير الشؤون المدنية ومسؤول التنسيق مع الاحتلال في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ، ورئيس استخبارات السلطة ماجد فرج، وعقب ذلك اعتقلت أجهزة السلطة القيادي بالمجموعة مصعب اشتية المحسوب على حماس، وهو ما أدى لاندلاع احتجاجات عارمة بنابلس لم تهدأ سوى بعد اتفاق بين محافظ نابلس ووجهاء من المدينة وممثلين عن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية يقضي بتشكيل لجنة لزيارة اشتية وضمان حسن معاملته، ووضع سقف زمني للإفراج عنه. وكذلك طرحت الأجهزة الأمنية الفلسطينية على عناصر عرين الأسود تسليم أسلحتهم مقابل توظيفهم في أجهزة السلطة، وهو ما قوبل بالرفض.

المستقبل للشباب

ربما تدفع إحدى الهجمات القوية لعرين الأسود وأشباهها من المجموعات الشبابية بجيش الاحتلال لتنفيذ عملية عسكرية موسعة في جنين ونابلس تستهدف الناشطين فيها بشكل مكثف في مدى زمني قصير مثلما حدث في مخيم جنين خلال الانتفاضة الثانية، كما يمكن للتكتيكات المتنوعة التي يتبعها الاحتلال حالياً مثل التصفيات والمداهمات والاعتقالات أن تقوض نشاط عرين الأسود ضمن إطار زمني أوسع، لكن يصعب أن يتمكن الاحتلال من وقف تيار الغضب المتصاعد وسط الشباب الفلسطيني في ظل تجاهله للمطالب الفلسطينية، وتبخر وعود السلام، وترهل أداء مؤسسات السلطة مع تقدم أبو مازن في العمر (87 عاماً) بالتزامن مع تصاعد الصراع بين المقربين منه على خلافته. 

عدي التميمي
الشهيد الفلسطيني عدي التميمي

وقد أثبت التاريخ أن أنماط المقاومة وأسماء وتوجهات التنظيمات الفلسطينية تتغير وتتبدل، لكن خط المقاومة ظل حاضراً، وقد تصدر الجيل الشاب الحالي الواجهة في الضفة والقدس مع تراجع التنظيمات التقليدية، سواء باختيار من بعضها أو بسبب ضغوط الاحتلال والسلطة على البعض الآخر، وتظل ظاهرة الانبعاث الشبابي المقاوم تحتاج مزيداً من الرصد والتحليل واستخلاص الدروس للاستفادة من جوانب تميزها وتلافي نقاط الضعف الكامنة فيها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد