"جميع الحروب تنتهي إما بالنصر، أو الهزيمة، أو الاستنزاف، فيما عدا الحرب بين الرجال والنساء، فهي مستمرة إلى الأبد".
كل هذا الكم من الدكاترة النفسيين واستشاريي العلاقات الأسرية ومدربي الحياة أو الـLife Coaches، الذين زاد وجودهم مؤخراً في مجتمعنا بصورة لافتة للنظر، لم يستطيعوا أن يصنعوا ولو هدنةً قصيرة في الحرب الدائرة بين الرجل والمرأة على مدار التاريخ في العالم أجمع.
كل تلك الكتب والنظريات عن كون الرجال من الزهرة والمرأة من المريخ، أو حتى كما يرى الكاتب الساخر إيهاب معوض مثلاً ، أنّ الرجال في الواقع هم من بولاق والنساء من أول فيصل، وكل الكتب الأخرى التي تتحدث عن الفروق بين الرجل والمرأة، لم تستطع أن تنشر الود والتفهّم والسلام بين الفريقين اللذين يبغض كل منهما الآخر، ويُحبه بشدة في نفس الوقت.
حالياً نحن نعيش في أوج المعركة، فقد اتخذ الرجال والنساء مجالسهم بمعزلٍ عن بعض، وانتخب كل منهم لفريقه رئيساً، فاختارت النساء رضوى الشربيني، مُناصرة المرأة الشهيرة بشعارها الرنّان "بلوك بلوك بلوك"، لتكون رئيسة للقضية النسوية.
أما الرجال، فقد كانوا أكثر دهاءً من ذلك، حينما اختاروا امرأة كي تُمثلهم، حتى يضعوا امرأتين معاً في مواجهة شرسة، وانتزعت ياسمين عز، المذيعة الشابة اللطيفة، لقب الزعيمة الذكورية بشعار "كرامتُكِ مكانها الدرج"، وبإيمانٍ عميق تجاه الفكر الذكوري بأكثر من الرجال أنفسهم.
فأيٍ من الفريقين هو الأقرب إلى الفوز في هذه الحرب يا تُرى؟
مدرسة رضوى الشربيني ومدرسة ياسمين عز
لطالما كانت الحرب بين الرجال والنساء مشتعلة، ولكن في الخفاء بداخل البيوت ووراء الأبواب المغلقة، حتى انفتح العالم وتطورت التكنولوجيا، وانتشرت وسائل التواصل الاجتماعي، حتى صار لكل إنسان على وجه الأرض صوت ورأي، يستطيع أن يُسمعه للعالم كله إن أراد، وهو الشيء الذي أشعل هذه الحرب مؤخراً من جديد.
لم تشتهر رضوى الشربيني، حينما ظهرت لأول مرة على الشاشة منذ 6 سنوات، لكونها المذيعة المجتهدة أو المحاورة اللبقة مثلاً، ولكن كان كل ما قدّمته رضوى لسيدات المجتمع العربي وقتها وحتى الآن هو شخصيتها كامرأة.
مثلّت رضوى نفسها منذ البداية، باعتبارها السيدة القوية المستقلة والمُعتدّة بكيانها حتى النخاع، فصنعت لنفسها مدرسةً خاصة، تحمل اسمها، في فنّ التعامل مع الرجل، مدرسة رضوى الشربيني.
"لو عندي صباع بيوجعني اقطعه".
"الباب يفوّت 30 ألف جمل".
"أنا منفصلة وبقولها بكل فخر ومن حقي أتزوج مرة واتنين وأربعة، لأن ده شرع ربنا، في حالة عدم رضائي عن الزوج أطلب الطلاق فوراً وأبحث عن غيره".
"وراء كل امرأة عظيمة نفسها، وإن غابت نفسها فأمها، وإن غابت أمها فهي أختها، وإن غابت أختها فهي صديقتها، وإن غابوا جميعاً تعود نفسها".
"اللي اخترع إن مفيش كرامة في الحب.. كان راجل".
واستقرت رضوى بكل ثقة بعدها على العرش بصفتها الزعيمة النسوية، لا يُنافسها أحد.
وعلى الجانب المُضاد، ومنذ8 أشهرٍ فحسب، وفي واقعة لا تُنسى، فوجئ الجميع بمذيعةٍ شابة تُدلي بتعليقٍ غريبٍ من نوعه، على واقعة ضرب رجل لزوجته في ليلة زفافهما في الشارع أمام الناس في مدينة الإسماعيلية، كانت خلاصته: "ضرب الحبيب زي أكل الزبيب".
استفز تعليق المذيعة الجميلة الكثير جداً، لدرجة أنه بعدها تم إصدار بيان من المجلس القومي للمرأة، يُعلن رفضه لما قيل على لسان المذيعة ياسمين عز، والتي أصبح الجميع يعرف اسمها الآن.
منذ تلك الواقعة وحتى يومنا هذا، لا تزال ياسمين عز تجود علينا بآرائها الشخصية، وبنصائحها التي لا تخلو من غرابةٍ، والتي تدور كلها في إطار واحد، وهو تقديس الرجل.
"متسمعيش كلام الحيزبونات خرّابات البيوت".
"الراجل هدية من ربنا ليكي".
"سيبي مفتاح شقتك مع حماتك، وسيبيها تفتش في دولابك، وسيبيه يدخل بجزمته على السجاد".
"لو جوزك مش عظيم اعرفي ان المشكلة فيكي مش فيه هو".
"الكرامة دي لما تتتجوزي، تحطيها في درج وتقفلي عليها".
الحقيقة أنه لم ينتخب الرجال ياسمين عز للتربّع على العرش الذكوري، وإنما كانت هي من تطوعت للفوز بهذا الشرف بصدقٍ وإخلاصٍ حقيقيين، ونالت فعلاً ما تتمنى.
ما بين رضوى وياسمين.. أي المدرستين أقرب للواقع، وأيهما أنفع للمجتمع؟
رضوى تُخاطب المرأة لتحثها دائماً على حب نفسها، وللتأكيد على فكرة أنّها امرأة كاملة، ولا يمكن لغياب رجلٍ مهما كانت صفته في حياتها، أن يجعلها ناقصة.
ياسمين تُخاطب المرأة أيضاً، ولكن كل كلامها يصبّ في كيفية إسعاد الرجل وتدليله، وكيف ينبغي على المرأة أن تقوم بخدمته على أكمل وجه.
رضوى تُهاجم الرجل عادةً، وتُهاجم المرأة أيضاً إذا تخلّت عن كرامتها من أجل الرجل، أما ياسمين فتُهاجم المرأة في كل الأحوال، لأنها ترى أنّ المرأة الذكية تستطيع التعامل مع أي مشكلة، لذا فهي إن لم تكن "مفتّحة في اللبن" على وصفها، فلا تلومّن إلا نفسها.
في رأيي أنّ هناك أكثر من مشكلة في كل من الخطاب النسوي ضد الهيمنة الذكورية الذي تُمثله رضوى، وخطاب ياسمين الذي يوحي بإيمانٍ عنيف، بصحة الأفكار الذكورية المتوارثة منذ القدم، هذا إن كانت آراؤها صادقة وحقيقية فعلاً، وليست بهدف"ركوب التريند".
تتلخص هذه المشاكل في: التحيّز التلقائي لجانبٍ ضد آخر، والتعميم، والنظرة المنقوصة المُضللة للأمور.
هناك حكمة بليغة عن إدراك الصورة الكاملة للأشياء، في القصة الهندية المعروفة، والتي تحكي عن مجموعة العميان الذين طُلب منهم أن يصفوا الفيل الموجود في الغرفة، وهو الحيوان الذين لم يروه من قبل، والذين حين أمسك كل واحدٍ منهم بجزءٍ منه، وصفه بوصفٍ مختلف تماماً عن الآخر.
هناك مقولة شهيرة أيضاً تقول إنّه: "من الصعب أن ترى الصورة كاملةً، بينما يحتويك إطارها".
للأسف، كل من رضوى وياسمين لا ترى الصورة الكبيرة الكاملة، وذلك لأنهما ببساطة، بداخلها، بداخل هذه الصورة التي يتحدثان عنها طوال الوقت.
فالأولى تتحدث من خلال تجربتها السابقة، والتي أوصلتها إلى قناعة شبه ثابتة عن الرجال، وفيها يُمكن أن يتم التعامل معهم من خلال كتالوج له طريقة استخدام مُحددة، عن طريق ريموت كنترول، وإن حدث خطأ ما، فلا توجد مشكلة، لأن زر "البلوك" يعمل بكفاءة.
والثانية لا تتحدث بُناءً على تجربتها في الحقيقة، وإنما من خلال أحلام وردية، استلهمتها من تُراث عتيق، تتمنى لو يُصبح حقيقة، لترى فيه نفسها كأنثى هشة ناعمة في حماية رجل شديد الثراء و"حمش"، وضحكته أحلى من السمسمية.
لذلك كلتاهما مُخطئتان.
هل معنى ذلك أنّ المنطقة الرمادية الواقعة بين رضوى وياسمين هي الاتجاه الصحيح للأخذ بالنصيحة في علاقة الرجل بالمرأة؟
ليس بالضرورة، لأن كل علاقة يجمعها رجل وامرأة هي حالة خاصة جداً، لا يُمكن أن تتكرر ولا يُمكن القياس عليها أبداً، فأزمة التعميم في خطاب كل من رضوى وياسمين، لن تخلق إلا تشوه فكري، وقرارات مصيرية خاطئة .
والحل.. أن تختر أنت لنفسك منهجاً تسير عليه، يتوافق مع قيمك ومبادئك وظروف نشأتك وعلاقتك بالآخر وطبيعته وطبيعتك وأشياء كثيرة أخرى لا يُمكن أن يعرفها سواك، عليك أن تدرس الأمر جيداً جداً، وأن تفعل ذلك بوعيٍ كامل ودون انحياز لجنسك ودون التأثر بالأفكار المُضللة التي تملأ العالم.
أنت أفضل ناصحٌ لنفسك على هذه الأرض، فكن ناصحاً أميناً.
نساءٌ ضد النسوية
بينما نتفهم، نحن النساء، دوافع رضوى الشربيني في الانتصار للمرأة، يُصبح الأمر مُعقداً بعض الشيء، حينما نحاول أن نتفهم مبررات ياسمين عز كامرأة، في الانحياز لجانب الرجال تقريباً في المُطلق، ضد مثيلاتها من النساء، وفي الواقع هو نموذج مُجتمعي ليس بغريبٍ، لعدة أسباب:
أولاً لأن التطرف لا يجلب إلا تطرفاً، وتطرف الخطاب النسوي الذي تزايد في الآونة الأخيرة، مثل تريند "الست مش ملزمة" مثلاً، أضرّ بالمرأة كثيراً، وجلب عليها السخط من الرجال والنساء معاً، فظهرت طائفة من النساء رافضة لمسألة النسوية من الأساس.
ثانياً لأن الذكورية تُعشّش منذ القدم في مجتمعاتنا، وتتوارثها الأجيال بالتبعية، ويتم مزجها بفهم خاطئ للدين، وبانتقاءٍ لأجزاءٍ من الشريعة الصحيحة فعلاً، ولكن من دون وضعها في سياقها الصحيح والكامل. كل ذلك صنع في النهاية، خليطاً من الأفكار يُسمى بالأصول والقيم والمبادئ، التي أصبحت من الثوابت، ولا يُمكن هدمها بعد الآن.
في النهاية أرى أنّه لا ينبغي لأحدٍ أن يُقدّم دور الناصح في قضية كبيرة كعلاقة الرجل بالمرأة، مُتحدثاً عن نفسه، أو من خلال خبراته وصراعاته مع الجنس الآخر، دون دراسة أكاديمية عميقة للأمر. لابد أن يُترك هذا للمختصين الذين درسوا علوم النفس البشرية ودواخلها، والفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، ورجوعاً بالطبع إلى الأسس الدينية المأخوذة من فقهاء ثقات.
ومُجدداً هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل منّا في اختيار الشخص الذي يُمكن أن يقدم له نصيحة مفيدة فعلاً. فنصيحة خاطئة قد تهدم بيتاً، أو تُخبّب رجلاً على امرأته أو العكس. إنّه لأمر عظيم، ولكن قليل من يعلم هذا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.