حضارة ممتدة لـ950 سنة.. كيف نجح الغرب في “اختراق” الثقافة المغربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/21 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/21 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
السياسية الأمريكية هيلاري كلينتون بالقفطان المغربي/ تويتر

يقول الكثيرون: "إننا في المغرب غير محظوظين لأن أرضنا عقيمة الموارد الطبيعية خلاف غيرنا، وذلك لتبرير ضعفنا الاقتصادي، وهي مقولات تنم عن جهل بالاقتصاد وبكيفية تكوين الثروة، وصناعتها، وعن فقر في دراسة التجارب الناجحة حول العالم. وهناك أيضاً من يرددون تلك المقولات عن وعي وإدراك، وهم بذلك يحاولون تبرير الفشل وإطالة أمده لغاية في نفس يعقوب.

فمن منا -معشر المغاربة- لم يفتخر بارتداء وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد للقفطان المغربي؟

 من منا لم يفتخر بالصور الآتية من القصور الملكية الدالة على عراقة دولتنا وعظمة تراثها؟ 

لهذا لا يجب أن يظل هذا التراث حصراً على النخبة العالمية، بل أن يتحول إلى ثقافة عالمية تعيد لنا مكانتنا التاريخية، فنحن محظوظون جداً لأن لدينا هذا التاريخ الثقافي العريق.. هذا الكنز الذي تحاول دول أخرى بأقصى ما تملك أن تحصل على عُشره.

فعندما نتحدث عن المغرب فإننا نتحدث عن بلد تمتد جذوره الثقافية والحضارية لأزيد من 950 سنة قبل الميلاد، تزامناً مع صعود الفرعون "شيشنق" الأول لعرش مصر، ونتاجاً لهذا التاريخ المديد فإن لبحره الثقافي خمسة روافد: الرافد الأمازيغي، والرافد العربي، والرافد الأندلسي الموريسكي، والرافد الإفريقي، ثم الرافد اليهودي، هذه الروافد وعلى مدى مئات السنين أغنت موروثه الثقافي كما لم يحدث إلا في مناطق قليلة حول العالم.

ثم إن اتساع المغرب جغرافياً على مدار تاريخه ليصل الحدود التونسية والليبية شرقاً، ونهر السينغال جنوباً، وجبال البرانيس، على حدود فرنسا شمالاً، زيادة على موقعه الاستراتيجي المستقطب عبر التاريخ لكل الأجناس لمحاولة احتلاله أو للعيش، والاستقرار فيه أو لكسب العلم والمعرفة، كونه كان منارة للعلم، فقد كانت مدنه ذات إشعاع ثقافي وعلمي في العصرين الوسيط والحديث، وقد حملت هذه الوفود معها، ما حملت من ذاكرة ثقافية مميزة لكل ديانة وعرق على حدة، فقد استوطنت كل الديانات بهذه الأرض، الوثنية، واليهودية، والمسيحية، والإسلام الصوفي". 

هذا التنوع الديني والعرقي وما يصاحبه من عادات وتقاليد وطقوس وتراث أغنى الثقافة المغربية.

<strong><em>الاحتفالات بالسنة الأمازيغية أمام البرلمان المغربي (مواقع التواصل الاجتماعي)</em></strong>
الاحتفالات بالسنة الأمازيغية أمام البرلمان المغربي (مواقع التواصل الاجتماعي)

ولا ننسى التطور السياسي الغني لهذا البلد الذي أهّله ليكون سلطنة حكمت هذه المنطقة الشاسعة من الأرض، وحتى منتصف الخمسينيات، كان هذا هو الاعتقاد السائد عند المغاربة، وكان يمثل التوجه الرسمي للدولة المغربية.

بعد هذا التقديم المقتضب عن تاريخ المغرب الثقافي، ومكونات حضارته، دعوني أنقلكم إلى موقع آخر من هذا الكوكب، "دولة العم سام" التي تأسست قبل 245 سنة فقط، الأرض التي اكتشفها الغزاة الأوروبيون عندما انطلقت سفن أوروبا حول العالم بحثاً عن الموارد الطبيعية لإشباع رغباتها، وبشكل رسمي نحو فلوريدا في الولايات المتحدة في سنة 1513 من المملكة الإسبانية.

هذه الدولة التي أقامت نفسها على جثث الهنود الحمر الذين أبادتهم عن بكرة أبيهم بالأوبئة، والأسلحة المتطورة، من أجل إقامة مستوطنات جديدة، فانبثق عن كل هذا، وبعد تاريخ مديد من الصراع والحروب بين الممالك الأوروبية دولة أصبحت الأقوى في العالم حالياً، الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الدولة اليوم تقود العالم بسبب الطفرة الاقتصادية التي شهدتها في مطلع القرن العشرين، ولن أتطرق هنا إلى الجانب السياسي منها، بل الجانب الثقافي، والذي استعملت فيه أمريكا كل السبل "المشروعة" و"اللامشروعة"، حتى أصبحنا لا نجد بقعة في هذا الكوكب إلا وتعشعش فيه هذه "الثقافة المصطنعة"، بل لا توجد بقعة حول الأرض إلا ويحاول سكانها التلبس بلبوس هذه القيم الثقافية التي أصبحت منذ بداية القرن الماضي تجسيداً للرقي والتحضر.

وكل ما نشرته أمريكا من ثقافة مصطنعة حديثاً نشرته تحت شعارها الأشهر: "نشر قيم الليبرالية والحداثةحول العالم باستعمال "العولمة" كأداة لذلك، وباعتبار هذه القيم هي المثلى لرقي الإنسان، وتحضره، وخروجه من جهل العادات والثقافات المحلية البالية، ساعدها في ذلك القوة الاقتصادية العظمى، والتي كانت تعادل اقتصادات 145 دولة حول العالم، أضف إلى ذلك القوة العسكرية الفتاكة المصاحبة لها.

فاستخدمت طرقها المشروعة مثل: الموسيقى، والفن بكل تفرعاته، والإعلام والعلوم والتكنولوجيا، وكل المنظمات الدولية المسيطرة عليها، وعندما لا تنجح الأولى تأتي الأساليب "اللامشروعة" مثل: الحروب، و"الابتزاز الاقتصادي والسياسي"، والانقلابات، والثورات الممولة، والاغتيالات، وإنشاء نخب ولاؤها للغرب.

ورغم أن الجميع خضع حتى الاتحاد السوفييتي بما كان يمثله من قوة عالمية، وانهار أمام هذا الجبروت الأمريكي. فكان ما كان من بروز القطبية الأحادية القائدة للعالم، وما تمثله من قيم، فانبثقت بعد ذلك حرب جديدة سميت بـ"صراع الحضارات"، كان هدفها الأول هو خوض حرب ضد كل القيم والثقافات غير الغربية، وبدأت بحرب الخليج. ولم تتوقف إلى يومنا هذا. 

وأصبحنا نرى "السطوة الأمريكية" في تصريحات قادتهم ومفكريهم في السر والعلن، فكل من يرفع رأسه تحدياً يقطع.

والتاريخ مليء بالأمثلة لا مجال للتفصيل فيها، كان آخرها: العراق، وأفغانستان وإيران، كما نبه لذلك عالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة بكتابه: "قيمة القيم".

ولم تسلم الثقافية العربية والمغربية من تلك "التبعية"، وما يمكن أن نسميه بـ"الاستلاب الثقافي" الذي بدأ منذ أكثر من 200 عام، فقد قاد "التيار العلماني" العربي "المؤدلج" تلك التبعية دون وعي، وانتقادي لهذا التيار ليس دعوة للتيارات الأصولية الرافضة للغرب، وكل ما يأتي منه، بل أعتبره أكبر جريمة حدثت في حق الهوية المغربية في العصر الحديث، ممثلة في السماح لهذا التيار المستورد بدخول المغرب، والعبث بكل ما هو جميل فيه وتدمير ثقافته، وتفويت نهضة ثقافية كان يمكن أن نعيشها منذ زمن.

الأمر الذي لم نتعاف منه كلياً ليومنا هذا، خدمة أجندة سياسية فاضت الأحبار حولها، بل هو دعم لـ"جناح ثالث" وهو جناح وطني يتبنى "المثاقفة الإيجابية" مع الغرب، إلى جانب من إرساء قيم "العقلانية" و"الإنسانية" و"التقدم"، لصالح الوطن وثقافته، وهي حركة وطنية معادية للهيمنة الأجنبية باسم القيم الحداثية.

ويعد هذا "الاستلاب الثقافي" من المفاهيم الأكثر استعمالاً وتداولاً في الخطاب العربي المعاصر لوصف علاقة المثاقفة الواصلة بيننا وبين الغرب، وقد حررت فيه مئات المقالات والكتب والخطابات، لكن دون جدوى حقيقية تذكر، حتى تحول الأمر إلى "شعبوية" بعيدة كل البعد عن أية برامج حقيقية تتبناها الدول لإيقاف هذا النزيف.

وقديماً قال الزعيم الهندي مهاتما غاندي: "إنني أريد أن تهب ثقافة كل أرض حول بيتي بأقصى قدر من الحرية،  لكنني أرفض أن تقتلعني ريح أي منها من جذوري".

إن النزيف مستمر، وآثاره المدمرة على الهوية والاقتصاد خطيرة، يعرف حجم خطورتها الدارسون لصيرورة تحول الاقتصاد الثقافي المغربي، سارع من وتيرته تخلي الساسة عن "الحمائية الاقتصادية" وانتهاج سياسة الأسواق الحرة بسبب الهيمنة على صناعة القرار الاقتصادي بالمغرب والتراجع الكبير لتيار اليسار.

لقد غاب التوازن واختل الميزان، وأصبحنا نفتخر بعدد اتفاقيات التبادل الحر المبرمة دون أي قدرة على المنافسة، فتدمر معها المنتوج المحلي وخاصة المرتبط بالتراث المغربي العريق.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد البوهالي
فنان تشكيلي
فنان تشكيلي مغربي وطالب في كلية الحقوق
تحميل المزيد