يعرف الإنتاج الفني في الجزائر أزمة ما بعدها أزمة، وإخفاقاً ليس بعده إخفاق، فلم تعد السينما أو حتى التلفزيون أو الإنتاج الجزائري بشكل عام يروق للمشاهد الجزائري الذي يحتاج إلى "فنّ" يعبّر عن واقعه، ويعالج أزماته، ويقترح لها حلولاً، فإن لم يكن الفنّ دواءً، أو على الأقل مرآةً للواقع فما الجدوى منه، خاصة في ظل أزمة الدخلاء التي يعيشها العمل الدرامي والسينمائي في الجزائر، ممن يسمون أنفسهم "مؤثرين" واحتلوا المنابر بحجة الشعبية الافتراضية التي يعيشونها في غياهب مواقع التواصل الاجتماعي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هذه الجماهير العريضة الافتراضية هي نفسها جماهير التلفزيون والسينما؟ وهل تعرف حقاً ما هو السيناريو الجاد؟ والعمل الفني المؤثر بترك النظر عن نوعه وجنسه الفني؟
فمنذ زمن عثمان عريوات، الأيقونة السينمائية الجزائرية التي أبت أن تغادر أذهان الجزائريين بأفلامه الخالدة، بداية من "الطاكسي المخفي، كرنفال في دشرة، عايلة كما الناس، وامرأتان وطبيب القرية"، وهي أفلام أصنفها شخصياً أنها من أنجح أفلام الكوميديا السوداء التي تلخص الواقع وتترجمه بطريقة تجعلك تضحك بإفراط، ولكن عندما تتمعّن فيها تجعلك تبكي على الرسائل التي نقلتها هذه الأفلام، ففيلم "كرنفال في دشرة" هو أعظم فيلم مرّ على أذهان الجزائريين منذ القرن الماضي، لما لخّص من حال المسؤول المغفل الذي أعمته تصفيقات الجماهير عن الواقع، أين عثمان عريوات في الجزائر؟ وأين أمثاله من كل هذا العبث الحاصل بكل صراحة؟
ولن نذهب بعيداً عن جيل عثمان عريوات إلى الحاج عبد الرحمان "سبيكتور الطاهر" وأفلامه التحفة الجميلة، رفقة الفنان يحيى بن مبروك، ولن ننسى بطبيعة الحال الفنان الكبير المجاهد "حسن الحسني" الملقب بـ"بوبقرة"، الذي كان أيقونة هو الآخر من أيقونات الزمن الجميل للتلفزيون والسينما في الجزائر.
والكثيرون يقولون إن الأزمة في الجزائر أزمة سيناريو وأزمة كتّاب سيناريو، ولكن هل هذا حقيقي؟ صراحة وحسب رأيي الشخصي أن هذه حجّة يتمسّح بها الدخلاء على الفن والسينما، فلقد شاهدت بعض الأعمال التلفزيونية التي هي مؤسسة على سيناريو قوي جداً، ولكن التمثيل باهت حدّ الملل، فكيف يكون الأب "عنابياً" والأم "وهرانية" والابن "عاصمياً" والابنة من "الوسط"، وهم في الأصل عائلة واحدة؟
هل هنا المشكل في السيناريو، أم في التمثيل، أم في الإخراج؟ وهل عقلية الأب البرجوازي الذي لديه ابنة مدللة ويخطبها شخص فقير وترفض، هي فقط الموجودة في السيناريو الجزائري؟
فالجزائر بلد عظيم بتاريخه وتنوع ثقافاته وتنوع الجغرافيا فيه يمكن أن يلخص ويقلص في سينما باهتة لا يشاهدها إلا القلّة، فأعمال محمد الأخضر حمينة، وهو المخرج الجزائري من مواليد مدينة المسيلة، والذي كان يعمل لصالح الحكومة المؤقتة الجزائرية بأفلامه وأعماله، لم تغادر أذهان الشعب الجزائري، وهو الحاصل على جائزة السعفة الذهبية سنة 1975م عن فيلمه وقائع سنين الجمر.
فمنذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون أعلن عن سياسة ثقافية وسينمائية جديدة، من خلال دعم الصناعات السينيماتوغرافية، وتعيين المخرج المخضرم أحمد راشدي، صاحب الأفلام الثورية الرائعة مستشاراً له برئاسة الجمهورية، مكلفاً بالسينما، فأين كتّاب السيناريو الجادين والمخرجين الجادين من هذه الإرادة السياسية الجامحة لتغيير واقع السينما في الجزائر؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.