عدي التميمي.. البطل المستحيل

عدد القراءات
961
عربي بوست
تم النشر: 2022/10/20 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش

ما من أمة في التاريخ طولاً وعرضاً إلا وقامت على عماد البطولة، فالبطل المجسِّد لقيم شرفها ونبلها هو الوشيجة التي تربط بين أفرادها، والنهر الذي يتدفق فيه كفاحها، فما كان لأمة أن تجتمع على أمر، أو ترتقي في بناء، أو تنهض من رقاد إلا باستحضار صورة البطل لتدفع أفرادها نحو العلا، فمن جلجامش وأخيل وهرقل وأحمس وتيمورلنك ونبوخذنصر والإسكندر الأكبر وعنترة وخالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس؛ أخذت الأمم نبراس عيشها وطريقة حياتها المثلى، بل إن الأمم الحديثة التي قامت على النهضة الصناعية المدنية لم تستطع أن تتخلى عن فكرة البطل كمحرض على الوجود والسعي للمصالح العليا، فابتكرت أمريكا شخصيات كسوبرمان وباتمان والجوكر، ومن وقتها ارتبطت البطولة بنموج متخيل فنتازي لا وجود له في الواقع، وأسهمت الحداثة والتقنية في ترسيخ هذا المعنى، حتى تصاغر الإنسان أمام تعاظم الآلة، وتخاذل أمام جبروت التقنية عن طلب المجد والبطولة.

وسط زمن تحكمت فيه حتمية الفردانية، ويجلس فيه الاستهلاك والتفاهة على عرش السيادة، وفي فضاءات عامة ترغب في تهميش الرأي الحر والقناعات والعقائد لصالح سيولة أخلاقية وقِيمية، سيكون من المستحيل أن يجد البطل الإنساني مساحة ظهور حين يتم تطويق كل الإمكانات التي تسمح للإنسان بأن يعبّر عن ألمه وأحلامه، سيجد البطل الإنساني نفسه خلف أسوار الاغتراب عن عالم يتآكل، لكن أي مستحيل قد يستعصي على أمة نهضت من تحت الرمال لتهدم صروح أشرس الإمبراطوريات، وأي مستحيل قد يحجب قوة الحق المنشود في صدور تتّقد بالرغبة في الانتصاف؟

يملك الفلسطيني شيئاً يجعل من المستحيل ممكناً، فقط إذا سكن هذا الشيء بيته المقدور، إنها الكرامة التي نبتت في ظهره كشجرة زيتون أقامته على طريق هذه البلاد.

يحلّق الفلسطيني فوق الزمن، فلا يهمه في أي عام نحن، ومن هو صاحب اللحظة؟ لا يهمه ما يشغل العالم، ولا ما يطمح إليه البشر في العام الجديد، لأن قوة مقدسة تسري كالتيار التاريخي فتقيمه على صراط البطولة الدائم، عياش هو عدي التميمي، هو خليل الوزير، هو أحمد ياسين، هو الجعبري، هو كل شهداء فلسطين، تَغيّر الزمن أو لم يتغير، انتكس البشر أم استقاموا.

بينما يتشكل العالم من جديد عبر القوى العالمية والفضاءات الجديدة، وبينهما يهدم التاريخ حجراً حجراً، لا أحد يقف في صفوف التاريخ كما كان إلا الفلسطيني الذي يقاوم، يقاوم عالماً منحدراً نحو الانحطاط قَبل محتلٍ بغيض، وما يمنحنا إياه عدي التميمي ليس مجرد حادث بطولي يدعو للفخر، بل طريقة نحو النجاة من ذلك الانحطاط العالمي المشهود.

فلم تعد لمعاني الشرف والنبل والتضحية مكانة، أو حتى مساحة، في عالم اليوم الآلي السائل المدجن، وأصبحت تلك الأمور من الميراث التاريخي، بل يجري تفكيكها في الخطابات والمسلسلات والأطروحات كي يقال إنها زيف، وكي تترك البشرية تاريخ نبلها وخبرات بطولتها في مهب الريح.

يحمل عدي التميمي شعلة الإنسان، كل إنسان لا يريد أن يعيش هَملاً أو تراثاً، كأسطوانة تمر عبرها الملذات بلا معنى، يمنح الموت والحياة معاني كانت قد ولّت إلى النسيان، يموت عدي واقفاً كي يقول: حييت.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالله عثمان
محرر وباحث في الأدبيات الاجتماعية
تحميل المزيد