حققت الاكتفاء الذاتي وصارت ثاني أكبر مصدّر بإفريقيا.. هل تدخل مصر سوق الغاز الطبيعي من بوابة أوروبا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/20 الساعة 09:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش

من دولة تلجأ إلى الجزائر لسد النقص في حاجاتها الغازية المستعملة في محطات توليد الكهرباء سنة 2014، إلى دولة مصدرة تبحث عن تعزيز مكانتها في أسواق الطاقة، تسعى مصر للاستفادة من الأزمة العالمية التي خلّفها توقف إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، لرفع عائداتها من الغاز المسال.
بالإضافة إلى السعي نحو التحول إلى مركز إقليمي لتبادل الطاقة مع أوروبا والدول العربية والإفريقية، كما أعلن وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري محمد شاكر، يوم الأحد الماضي، على هامش لقائه مع وزيرة الطاقة والتجارة والصناعة القبرصية ناتاشا بيليدس والوفد المرافق لها.

احتلت مصر المرتبة الثانية في القارة الإفريقية بعد الجزائر من حيث احتياطيات الغاز المؤكدة في عام 2021، حيث بلغت "2222" مليار متر مكعب (أي 1.5% من الاحتياطيات العالمية، مقابل 2.1% للجزائر)، وكانت مصر قد احتلّت عام 2015 المركز الـ19 عالمياً في إنتاج الغاز الطبيعي، وفق شركة النفط البريطانية "BP"، ثم تحولت إلى دولة مستوردة للغاز الطبيعي بين عامي 2015 و2017، وبعد استغلال حقل "ظهر" للغاز الطبيعي عام 2017، حققت الاكتفاء الذاتي واستأنفت التصدير، في سبتمبر/أيلول 2018، وقفزت إلى المركز الـ13 عالمياً في إنتاج الغاز، والثاني إفريقيّاً عام 2021.

ورغم أنها ليست من المصدّرين الرئيسيين للغاز إلى الاتحاد الأوروبي، فإنها نجحت في رفع رصيدها من عائدات الغاز الطبيعي إلى 8 مليارات دولار خلال العام المالي 2021-2022، مدعومة بارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية.

قفزة كبيرة في حجم عائدات الغاز المصري المسال

 كما شهدت بداية عام 2022 عودة تصدير الغاز المصري المسال إلى هولندا من محطة دمياط للغاز الطبيعي المسال، على متن الناقلة "GASLOG GLASGOW"، وعزّز الطلب على الغاز إنتاج محطة دمياط، حيث -ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن وزارة البترول المصرية- قامت المحطة بتصدير 500 ألف طن من الغاز المسال إلى الهند، بنسبة تعادل 22% من إنتاج المحطة، فيما بلغت الصادرات إلى باكستان  380 ألف طن، بنسبة 17% من إنتاج المحطة، وتأتي تركيا والصين في المرتبة الثالثة بـ280 ألف طن، وهو ما يعادل 13% من إنتاج محطة دمياط للغاز الطبيعي.

أما على الصعيد الإقليمي فقد وقعت مصر اتفاقية مع سوريا، في 21 يونيو/حزيران الماضي، تستهدف فيها نقل 650 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من مصر إلى لبنان، عبر خط الغاز العربي، ولكن تأخر التمويل من قبل البنك الدولي، والإعفاءات من "قانون قيصر"، كانت بمثابة حجر عثرة، حيث لا يزال المشروع متوقفاً رغم جاهزية مصر للتصدير، ومن المنتظر أن يُسهم الغاز المصري، الذي سيستعمل في توليد الكهرباء في محطة كهرباء دير عمار بلبنان، في استفادة هذا البلد الصغير الذي يعاني من أزمة خانقة في الطاقة، بزيادة  نحو 450 ميغاواط إلى الشبكة، أي ما يعادل نحو 4 ساعات إضافية من الكهرباء يومياً، ويصل طول الخط المصري المزمع مده إلى لبنان 1200 كيلومتر، وتبلغ قدرته الاستيعابية 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة البترول.

وتفكر مصر في مدّ خط الأنابيب الذي يربط حقل "أفروديت" للغاز الطبيعي القبرصي إلى محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، قبل نهاية العام الحالي، وسيسمح خط الأنابيب المخطط له بنقل الغاز الطبيعي من الحقل القبرصي، الذي تقدر احتياطياته بنحو 4.5 تريليون قدم مكعبة، وهو ما يمكن مصر من تصديره على شكل غاز مسال إلى أوروبا ومناطق أخرى.

ومن المتوقع بدء تشغيل خط الأنابيب بحلول عام 2025، ولكن ومع الحاجة الملحة التي أفرزتها الحرب في أوكرانيا، وضرورة سد الفجوة التي أحدثتها روسيا، قرر الاتحاد الأوروبي استثمار 12 مليار يورو لمد خطوط الأنابيب ومنشآت الغاز الطبيعي المسال لزيادة إمدادات الغاز إليه من منتجين آخرين، مثل مصر وإسرائيل. ويعكس هذا رغبة الاتحاد الأوروبي في جعل منطقة شرق المتوسط ​​أحد أهم مصادره من الغاز الطبيعي في السنوات المقبلة.

حقل مارين والشراكة المصرية- الفلسطينية 

رغم أن إسرائيل تعتبر أحد أبرز المنافسين لمصر، فإن هذه الأخيرة قد اقتربت من إقناع تل أبيب بضرورة السماح للشركات الفلسطينية المالكة لأصول هذا الحقل باستغلال حقل مارين، الواقع على قرابة 30 كم من سواحل غزة، وكان هذا الحقل قد اكتُشف من طرف شركة "British Gas" في سنة 2000، إلا أن الشركة انسحبت سنة 2018 بعد تعثر انطلاق المشروع؛ نتيجة للظروف الأمنية والتعطيلات من الجانب الإسرائيلي، ومن المرجح أن يتم الشروع في استغلال الحقل بشراكة بين صندوق الاستثمار الحكومي الفلسطيني، وشركة "اتحاد المقاولين العرب"، الشركتين المالكتين للحصة الفلسطينية، إضافة للشركة المصرية القابضة للغازات.

وتحتاج مصر موافقة رسمية مكتوبة من الجانب الإسرائيلي، تُمكّنها من بدء العمل والحصول على القروض اللازمة لبعث المشروع، ويرتقب أن تحصل مصر على الموافقة بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل حكومة جديدة. 

وتتمتع مصر بعلاقات دبلوماسية رفيعة مع إسرائيل؛ إذ في السابق تمكنت من التوسط في معركة سيف القدس، وأفضت جهودها إلى الهدنة التي قامت بين إسرائيل وحركة حماس، كما أسهمت أيضاً في التهدئة خلال المواجهة الأخيرة بين الجهاد الإسلامي والجيش الإسرائيلي منذ شهرين، وهو مؤشر قوي لحصول مصر على موافقة إسرائيل؛ نظراً لحاجة هذه الأخيرة في التعاون والتنسيق الأمني أيضاً. 

الطاقة المتجددة وقمة المناخ في صلب اهتمامات مصر

أشاد التقرير السنوي الأخير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية- الصادر في أكتوبر/تشرين الأول (2022)- بالجهود المصرية المبذولة في مجال الطاقة المتجددة، حيث رصدت الحكومة تمويلات بقيمة 2.2 مليار دولار، تشمل قطاعي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتضع مصر خطة للتحول الأخضر لتصل إلى إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بنسبة 42% بحلول عام 2035.

وكان تقرير لمنظمة "Global Energy Monitor" لرصد وضع الطاقة المتجددة في المنطقة العربية، قد وضع مصر في المرتبة الأولى من حيث إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بمعدلات إنتاج 3.5 غيغا واط، تليها الإمارات بنحو 2.6 غيغا.

متمتعة بمناخها الحار وأشعة الشمس على مدار الفصول الأربعة، تصل كمية الإشعاع الساقط على مصر أكثر من 6 تريليونات كيلوواط/ساعة يومياً، وهو ما يزيد عن 100 ضعف الطاقة الكهربية المولدة خلال عام 1996-1997 بأكمله، وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية.

مع التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة العربية على امتداد منطقة الخليج العربي إلى غرب ليبيا، سطّرت مصر ضمن المواضيع التي ستتناولها القمة المناخية cop 27 هدفاً رئيسياً، هو الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية، مع الحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية، وتستشعر مصر أهمية بالغة الخطورة لمدى استمرار هذه الظاهرة على الأمن الغذائي؛ إذ يتسبب الجفاف والتصحر في المنطقة العربية في أخطار اقتصادية حقيقية، وتظهر هذه الأخطار بشدة في العراق، الذي يعاني من هجرة داخلية بسبب الجفاف وقلة الموارد الرعوية، إضافة إلى تعطّل الملاحة الجوية بسبب العواصف الرملية. 

ستستضيف مصر، خلال الفترة من 6 لـ18 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ، حيث من المزمع أن يشارك فيها قادة العالم وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد أن أكدت صحيفة واشنطن بوست ذلك، بالإضافة إلى مسؤولين رفيعي المستوى في الأمم المتحدة، كما يحضره آلاف النشطاء المعنيين بالبيئة من كافة دول العالم، وتعوّل دول إفريقية معنية بالتغيرات المناخية كثيراً على القمة المصرية؛ إذ إنها ستتمكن من الحصول على تمويلات تصل إلى 100 مليار دولار أمريكي، من أجل مساعدة الاقتصاديات الفقيرة، التي تقع في المناطق الأكثر عرضة للتغيرات المناخية الحاصلة. 

وتماشياً مع التحديات المناخية، والأهمية التي توليها الحكومة المصرية لتجسيد مخرجات قمة المناخ السابقة في غلاسكو، تبنت مصر، التي يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة، مشروع دعم السيارة الكهربائية للحد من الانبعاثات الضارة وخفض استهلاك الوقود، وسطّرت مصر خطة 2030، التي تصل فيها إلى تصنيع سيارات كهربائية بالكامل.

تعد مدن مصر ذات كثافة سكانية عالية، إضافة إلى كمية ضخمة من السيارات، يبلغ عددها حوالي 3.5 مليون مركبة، ووفقاً لبيانات صادرة في سنة 2021 عن وزارة البترول تستهلك مصر حوالي 20 مليون لتر يومياً من البنزين، كما يبلغ استهلاك السولار 40 مليون لتر يومياً، يمكنك أن تتخيل حجم الانبعاث الغازية والتلوث الذي تحدثه هذه الكمية الضخمة من الوقود. 

من هنا تبرز أهمية دعم التحول الطاقوي في مصر في مجال تصنيع السيارات، ولقد رصدت الحكومة المصرية مساهمة بتخفيض في سعر السيارة الكهربائية المصنعة محلياً بـ50 ألف جنيه، أي ما يعادل 2500 دولاراً عن كل سيارة، يمكن أن يكون سعرها 300 ألف أو أقل قليلاً، حوالي 15 ألف دولار، وهو ما سيشجع الزبون المصري على التوجه نحو سيارات هجينة، بإمكانها أن تكون صديقة للبيئة وغير مكلفة لخزينة الدولة فيما يخص دعم الوقود، والأهم من كل هذا أنها ستُسهم في خفض مستوى التلوث والانبعاثات الغازية، الأمر الذي سيسهل على مصر بلوغ أهدافها الاستشرافية.

وتخطط وزارة الإنتاج الحربي ووزارة الصناعة إلى تشغيل 3000 محطة شحن للسيارات الكهربائية خلال 18 شهراً، في محافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة وشرم الشيخ، وعلى الطرق السريعة المختلفة، ما سيجعلها الدولة رقم واحد في العالم العربي من حيث عدد محطات شحن السيارات الكهربائية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جميلي عمار الحاج
كاتب جزائري
كاتب جزائري
تحميل المزيد