إذا أردت أن تعبِّر عن شيء ما ولا تعرف لغة الناس حولك، كيف ستخاطبهم؟ لا بدَّ أنها بالإشارة حتى تتعلم، ولكن إذا أردت التعبير عن غضبك ومشاعرك وأنت لا تعرف لغتهم، ماذا ستفعل؟ لا بدَّ أنك ستتخبط هنا وهناك وتصرخ وربما تؤذي نفسك ومن حولك، كذلك بعض الأطفال وخاصة الذين لم يتعلموا اللغة وكيفية التعبير عن مشاعرهم وغضبهم باستخدام اللغة، فإنهم يقومون بضرب رأسهم بالأرض، أو الحائط، أو التدحرج أرضاً، أو إلقاء أنفسهم من فوق الأسرة وغيرها، وقد يدخل في نوبات صراخ وبكاء يصعب السيطرة عليها وإخراجه منها، فلماذا يفعل الطفل ذلك؟ وكيف نتعامل مع نوبات غضبهم تلك؟
9 أسباب تدفع الطفل لضرب رأسه بالحائط عند نوبات الغضب
تشير الدراسات العلمية إلى أن نحو 20% من الأطفال في النصف الثاني من عمر السنة الأولى يقومون بذلك الفعل عند الغضب، ويستمر معهم لعدة أشهر أو سنة وقد يستمر حتى عمر ثلاث سنوات، كما أفادت الدراسات بأن الذكور هم الأكثر ميلاً لفعل ذلك السلوك من الإناث بنحو ثلاثة أضعاف، وأن ذلك السلوك إذا لم يتوقف حتى عمر السنتين فإنه قد يستمر طوال فترة الطفولة.
ولمعرفة سبب فعل الطفل ذلك لا بدَّ من ملاحظة مقدمات السلوك جيداً؛ حتى يمكن التعرف على الدافع الحقيقي الذي يكمن وراء إتيان الطفل بهذه السلوكيات عند الغضب، وبشكل عام فهناك عدة أسباب تفسر تلك السلوكيات، منها:
1- جذب الانتباه: فكلما ضرب الطفل رأسه بالحائط يثير انتباه الوالدين له ويندفعان نحوه مهدئين من روعه أو ملبيَّيْن طلبه أو متعاطفين معه، وهذا يفسر حاجة الطفل للاهتمام والرعاية والحب من الوالدين.
2- التعبير عن الغضب: فالطفل حينما يغضب من شيء ولا يستطيع التعبير عن مشاعره بالكلام، خاصة إذا لم يكن في عمر الكلام، فإنه يعبر عن غضبه وانزعاجه بتلك الطريقة.
3- التعبير عن الغيرة: فحينما يولد الطفل الثاني يشعر الطفل الأول بغيرة شديدة، وأنه لم يعد محط الاهتمام والرعاية ممن حوله فيقوم بإتيان هذه السلوكيات تعبيراً عن شعوره بالغيرة ولجذب انتباه الآخرين نحوه من جديد.
4- معاقبة نفسه: ومن الغريب أن الطفل قد يقوم بإلقاء نفسه من مكان مرتفع أو خبط رأسه بالأرض أثناء غضبه كنوع من العقاب لنفسه؛ لأنه لم ينجح في جذب انتباه من حوله نحوه أو جعلهم ينفذون رغباته، وهذا يعد من أغرب الدوافع للطفل، وخاصة إن كان يتسم بالحساسية الشخصية، فهي نوع من جلد الذات عند الأطفال أحياناً.
5- الإحباط النفسي: أيضاً عندما يرفض الوالدان تلبية رغبات الطفل وأوامره ولا يستطيع التعبير بشكل مباشر فيصاب بالإحباط، مما يدفعه للقيام بفعل ذلك تعبيراً عن غضبه ومحاولاً استثارة شفقتهم وعطفهم نحوه حتى ينفذوا ما يريد ويعتبرها وسيلة للضغط عليهم حتى يلبوا رغباته.
6- تقليد الوالدين: فقد يكون الدافع وراء تلك السلوكيات هو تقليد سلوك الوالدين أو أحدهما، فعندما يرى الطفل أحد الأبوين يفقد أعصابه ويدمر ما حوله عندما يغضب، أو يؤذي نفسه بشكل أو بآخر، فإن الطفل يقلد ما يراه من والديه ويحاكيه، فيجب الحذر من القيام بتلك السلوكيات أمام الأبناء، والحفاظ على ضبط النفس.
7- العند والعصبية: وهو من أهم الدوافع التي بسببها يقوم الطفل بفعل ذلك، حيث إن العند وحده صفة تحتاج إلى تعامل متروٍّ مع الطفل، فأضف لذلك العند والعصبية مع الإتيان بسلوك مشترك مثل ضرب الرأس عند نوبات الغضب، فيجب الانتباه لمقدمات السلوك كما قلنا، وعدم استثارة الطفل والعند أمامه، واحتواؤه حتى يهدأ.
8- مشاكل النمو: يعد التوحد وفرط النشاط الحركي، والفصام، وعدم السيطرة على الاندفاع من أهم مشكلات النمو التي تدفع الطفل للقيام بسلوك ضرب الرأس بالحائط أو الأرض.
9- للراحة والاسترخاء: فقد يكون الدافع لفعل الطفل ذلك هو من أجل الشعور بالراحة، خاصة إن كان يعاني من ألم في أسنانه، وخاصة وقت التسنين، أو ألم في الأذن الوسطى خاصة وقت الرضاعة، فقد يتسرب بعض اللبن إلى أذن الطفل؛ مما يسبب له التهابات بالأذن الوسطى، أو طلباً للاسترخاء خاصة قبل النوم، فيقوم الطفل بضرب رأسه لتشتيت انتباهه وتفكيره وإلهائه عن الشعور بالألم ويساعده على الراحة والنوم بهذا الشكل.
إذاً.. كيف نتعامل مع نوبات الغضب عند الأطفال؟
يجب أن تتأكد من إشباع طفلك بالحب والحنان اللازمين له ونموه بشكل نفسي متزن سليم، ولا تهمله عاطفياً؛ مما يدفعه للقيام بتلك السلوكيات التي يتسول فيها جذب انتباهك ويخبرك برسالة مفادها: "أنا هنا لا تهملني، أحبني". إضافة لذلك فالتجاهل علاج مفيد وناجع، ولكن يجب استخدامه بشكل تربوي مناسب وهو "التجاهل بحب"، فلا يكن شعارك (يا أنا، يا هو) وتعاند طفلك وتقهره حتى ينصاع لأمرك وتتركه ينتحب ويضرب رأسه عرض الحائط، يجب أن تشعره بتجاهل السلوك، ولكن في نفس الوقت أنت تراقبه دون أن يلحظ ذلك حتى تستطيع التدخل إن تطور الأمر وآذى نفسه، وبعد أن يهدأ تحاوره بهدوء وحب، بلغة يفهمها، ونبرة حانية أو حازمة، لكن نظراتك رحيمة، ولا ترمقه بنظرات قاسية تتوعده فيها، ومن ثم تخبره الطريقة المناسبة لطلب شيء ما أو للتعبير عن الغضب، ويمكنك تقديم ما يريد له إن كان ممكناً، كما يمكنك مكافأته عند إتيان السلوك المناسب في المرة المقبلة، حتى تعلمه أن أفعاله ترى ويثاب عليها وتثبت السلوك الإيجابي لديه.
هيِّئ لطفلك جواً مناسباً للنوم، وذلك من خلال إعطائه حماماً دافئاً، أو شرب الحليب الدافئ المحلَّى بعسل النحل، كما يمكنك قراءة كتاب له أو قصة، والاستماع للموسيقى الهادئة أو القرآن الكريم، أو الغناء له، تدليك جسده بزيت الأطفال، أيضاً الربت على ظهره واللعب بشعره وحضن أمه له كلها أمور تساعد على تهدئته وخلوده للنوم بشكل سريع دون نوبات غضب وبكاء.
وإن كان الطفل في عمر التسنين، قدم له خضراوات مثلجة أو جيل اللثة -تحت إشراف الطبيب- وذلك للتخفيف من الآلام التي يعاني منها، ويجب فحص الطفل طبياً للتأكد من سلامة أذنيه، حيث إن وضعيات الرضاعة الخاطئة قد تؤدي لالتهابات الأذن الوسطى والتي تدفعه لضرب رأسه بدافع تخفيف ألمه.
هذا ويعد استخدام الكرسي أو السرير الهزاز بديلاً مناسباً لمساعدته على النوم أو الاسترخاء والهدوء، وذلك عوضاً عن ضرب الرأس بالأرض طلباً للراحة، كما يمكنك تشتيت انتباه الطفل وإبعاده عن المكان وتوفير نشاط بديل والتركيز عليه حتى يهدأ، ويمكنك أيضاً مساعدة طفلك على ممارسة الرياضة المناسبة لعمره والتي تساعده على التنفيس عن مشاعره وغضبه وإخراج طاقته وحركته الزائدة بشكل مناسب وفعال، ويمكنك تعليم طفلك حركات بديلة تساعده على الشعور بالراحة عند الغضب مثل التصفيق الرياضي، والتلويح باليدين.
لا تغضب على طفلك، أو تضربه أو تسبه، تجاهل سلوكه مع المتابعة الواعية للتدخل في الوقت المناسب، وهو سيهدأ بعد قليل عندما لا يجد نفعاً من استخدامه ذلك السلوك، وربما يكون دافعه تجربة شيء جديد، أو لتلبية حاجة له غير ضرورية ويصر عليها بتلك الطريقة، فاصبر وكن حازماً في قرارك وهو سيزهد السلوك وينساه؛ لأنه لم يسبب له سوى الألم، وسيلجأ لتجربة سلوك آخر، وعليك أن تجعله يدرك أن طلباته لن تلبى بتلك الطريقة، وأن هناك طرقاً بديلة مجدية للوصول لهدفه ستعلمها له بعد أن يهدأ.
إن كان ولا بدَّ من عقاب الطفل على هذا السلوك، فإن هناك طرقاً تربوية كثيره لعقابه دون صراخ أو ضرب منها " كرسي العقاب"، حيث يجب أن يجلس عليه الطفل ولا يتحرك طوال مدة العقاب التي تتناسب مع عمره الزمني، بحيث تحسب دقيقة مقابل كل سنة من عمره، فلو كان عمره سنتين يجلس لمدة دقيقتين، مع مراعاة أن يكون مكانه بعيداً عن المشتتات، وأن يتم التوضيح المسبق للطفل حول سبب العقاب، ومراعاة نظرات الوالدين حين ذلك، فأنت مربّ ولست جلاداً، فحتى حين العقاب تغرس قيمة تربوية وتشعره بحبك له حتي وهو مخطئ وتجعله يدرك أن العقاب هدفه تقويم سلوكياتنا ويدفعنا نحو الأفضل، وبهذا تحافظ على طفلك متزناً نفسياً حتى وأنت تعاقبه.
وأخيراً، فمن المهم أن تحمي طفلك من الأذى، وذلك بوضع حواف مطاطية بين الحائط والسرير، أو على الأرض، أو على حواف السرير، وذلك حماية للطفل من أذى نفسه عند الدخول في نوبات الغضب، ولا تجعل سرير الطفل مرتفعاً كثيراً عن الأرض، ولا تقلق فالطفل يعرف حدوده جيداً فلا تهرع عند كل نوبة غضب، فهو يدرك متى يجب أن يتوقف حين يشعر بالأذى ويبدأ في تخفيف حدة الضرب، ولكن يمكنك التدخل إن تطور الأمر عن ذلك الحد، واستخدم إحدى الطرق السابقة لتشتيت انتباهه حتى يهدأ.
متى يجب استشارة الطبيب؟
إذا استمر الطفل بضرب نفسه رغم تجاوزه الحد الآمن مما يعرض نفسه للأذى، فهنا يجب استشارة طبيب الأطفال وعرض الطفل عليه، فقد يكون السبب وراء قيام الطفل بذلك السلوك دافعاً لمرض آخر لديه، فيجب حينها التأكد من الطبيب، واتخاذ الإجراءات اللازمة، وإجراء التدخل المناسب، ودُمتم سالمين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.