في شارع قصر النيل بمنطقة وسط البلد بالقاهرة الخديوية يقع أقدم وأول استوديو للتصوير الفوتوغرافي في مصر "بيلا"، والذي أسسه الخواجة المجري مستر بيلا عام (1890م).
أي بعد مرور 51 عاماً فقط من ظهور أول آلة تصوير في العالم، على يد الفرنسي جاك مانديه داجير سنة 1839م.
وبعد مرور 132 سنة بالتمام ما زال استوديو بيلا يؤدي دوره في حفظ ذاكرة مصر الفوتوغرافية على أكمل وجه، فهو قد حافظ على ذاكرة الكثير من الأحداث والتطورات والتغيرات الزمنية السياسية والفنية والاجتماعية في مصر والوطن العربي.
بل إن استوديو بيلا يملك أرشيفاً نادراً لمقتنيات فن التصوير والآلات التي دخلت مصر منذ أكثر من قرن ونصف من عمر القاهرة الخديوية، فنجد بين أرشيف بيلا أول إصدارات كاميرات (لينهوف، سينار، ياشكا، نيكون، كانون، وكوداك)، بجانب الكثير والنادر من أجهزة الإضاءة، وكراسي التصوير القديمة التي تجاوزت القرن من عمرها، بل إن بيلا ما زال يملك كاميرا (لينهوف)، التي ما زالت تعمل حتى اليوم على الرغْم تجاوز عمرها 120 عاماً.
استوديو بيلا.. تاريخية المكان والزمان
ظل الخواجة بيلا مالكاً لاستوديو بيلا منذ تأسيسه حتى سنة 1925م عندما قرر الهجرة العكسية إلى موطنه الأصلي (المجر)، بسبب تغيرات الأوضاع في مصر عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى، إذ قامت بريطانيا بطرد أبناء الجالية المجرية من مصر عقاباً على مناصرة المجر لدول المحور في الحرب.
بسبب هجرة بيلا انتقلت ملكية الاستوديو مناصفة إلى اللبناني ألبير، والمصري عبد العزيز باشا فهمي علام، ثم آلت بعد ذلك إلى عائلة علام الذين ظلوا يتوارثونه جيلاً بعد جيل إلى تاريخ اليوم، ويحملون على عاتقهم هم اقتناص اللحظات التاريخية الحلوة.
كنتيجة طبيعية لعوامل التاريخ والزمن جارت الأيام على استوديو بيلا وتبدلت أحواله، فغادر منطقة وسط البلد والقاهرة الخديوية في هدوء وصمت، فانتقل إلى ميدان المساحة في الدقي بمحافظة الجيزة.
يرجع سبب مغادرة استوديو بيلا لموطنه وتاريخه إلى عائلة (شوشة) اليهودية إحدى العوائل التي عادت إلى مصر بموجب قانون صدر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، يقضي باسترداد أملاك اليهود في مصر التي طالها سيف التأميم الناصري.
تملك عائلة شوشة لوحدها 15 عمارة في منطقة وسط البلد، في إحداها يقع استوديو بيلا الذي ترك مكانه إلى الجيزة على خلفية نزاع قضائي مع عائلة شوشة حول ملكية العقار.
فأصبح بيلا استوديو العامة بعد أن كتب على جدرانه في وقت ما من تاريخ القاهرة الخديوية عبارة (لا يستقبل الاستوديو سوى الملوك والزعماء والوزراء وصفوة أهل الفن والثقافة والسياسة والرموز فقط).
شهد بيلا خلال مسيرته التاريخية الطويلة على تطور الصورة الفوتوغرافية وتغير أحوال القاهرة الفنية والاجتماعية والسياسية، وكان شاهداً بشكل خاص على تطور الأزياء والأناقة في المجتمع القاهري، بداية من موضة الطربوش ثم العِمامة، وانتهاءً إلى عصر البدلة والملابس بشكلها الحالي، حتى طريقة الجلوس للتصوير كان شاهداً عليها، فنقل لنا أنه في حقبة الثلاثينيات وما قبلها، كان الرجل يجلس وتقف زوجته بجواره، ثم تطور السلوك المجتمعي فأصبحت الزوجة تجلس ويقف الزوج إلى جانبها.
بل كان شاهداً على بعض طقوس التصوير مثل ارتداء الملابس الرسمية (البدلة وربطة العنق والطربوش)، والتصوير مرة كل شهر، أو عند شراء فستان جديد أو بدلة جديدة، أو مع تغيير تسريحة أو قصة الشعر.
وصف استوديو بيلا
كان بيلا قبل مغادرته إلى الدقي يتمدد على مساحة 650 متراً مربعاً، مكونة من 7 غرف بجدران مرتفعة وبلاتوهات تصوير ذات مساحة شاسعة، تستقبل عدداً كبيراً من الناس خاصة أثناء الصور العائلية التي يتوسع أفرادها حتى يصلوا إلى 25 فرداً أو أكثر.
هذا وقد ظل بيلا محافظاً على طرازه التاريخي القديم، وتراثه النادر الأصيل حتى رحيله إلى مدينة الجيزة.
بيلا استوديو المشاهير واللحظات التاريخية الحلوة
إن أكثر ما يلفت انتباهك في استوديو بيلا هي صور المشاهير بالأبيض والأسود التي تُزين جدرانه، وهذا ليس غريباً على استوديو كان يجري اختبارات التصوير أو (تيست الكاميرا) لمعظم فناني وممثلي الزمن الجميل، فهو استوديو الملوك والرؤساء والباشوات والممثلين والفنانين والزعماء والنخبة المصرية والعربية.
فقد وقف إزاء عدسات كاميرات بيلا الملك فؤاد، وفاروق وجميع أفراد العائلة المصرية المالكة، وحسين رشدي باشا، وإسماعيل صدقي باشا، وروسيل باشا حكمدار القاهرة.
وكذلك الرئيس جمال عبد الناصر، والسادات، ومعظم أعضاء حركة الضباط الأحرار.
ومشاهير السينما والمسرح مثل يوسف وهبي، وإسماعيل ياسين، والفنان علي الكسار، ومنيرة المهدية، وكوكا، وفريد شوقي، وتوفيق الدقن، ومحمود المليجي، وهند رستم، ورشدي أباظة، وماجدة الصباحي، وعبد السلام النابلسي، وليلى طاهر، ومديحة كامل، وأنور وجدي، وميمي شكيب، ونعيمة عاكف، وكمال الشناوي، وشكري سرحان، وبرلنتي عبد الحميد، وسعاد حسني، ويحيى الفخراني، وميرفت أمين.
ومحمد فوزي، وليلى مراد، وعبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، وفريد الأطرش من مشاهير المطربين، وغيرهم كثير ممن عاصروا تجرِبة بيلا التاريخية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.