أزمة وراء أزمة، تتعرض لها نجمة الغناء شيرين عبد الوهاب منذ عدة سنوات؛ زيجات فاشلة، حملات انتقاد واسعة من الصحافة والجمهور، خلافات شخصية بينها وبين زوجها الأخير، وتفاصيل خاصة وحرجة تم تسريبها إلى الإعلام، إلى أن شاع الحديث مؤخراً عن احتمالية وقوع شيرين في بلاءٍ أعظم من كل ما قد عانت منه سابقاً، وهو الإدمان.
وهو في الحقيقة أمر غير مُفاجئ.. فهناك ارتباط خاص بين المشاهير في العالم كله، وبين الإدمان بكافة أشكاله.
نجومُ كُثر من الفنانين والمطربين ورجال الأعمال وغيرهم، نالوا من المال والشهرة والنفوذ ما لا يمكن حصره، ومع ذلك وقعوا في فخ الإدمان.
وبرغم المآسي التي أصابت كل من اختار أن يسير في هذا الطريق، إلا أن الأمر لا يزال مستمراً، وللأسف لا يبدو أنه سيتوقف أبداً..
فما الذي يدفع نجوم المجتمع ومشاهيره إلى هذا الطريق الخطر؟
لماذا يُراهن الواحد منهم في كل مرةٍ يتعاطى فيها، على خسارة كل شيء في حياته، بما فيه حياته ذاتها، ولماذا لا يتعلم أحد الدرس من بعده؟
الإدمان.. مرضٌ أم اختيار؟
المحظوظون من لم يقعوا في شرك الإدمان، يقولون إنّ المدمنين هم من جنوا على أنفسهم، فهم من اختاروا ذلك المصير.
أما سيئو الحظ الذين غاصوا في مستنقع المخدرات، حتى وصل الوحل إلى أعناقهم، فيقولون بأنّهم مرضى، وأنّهم لا يملكون من الأمر شيئاً، أو على الأقل ما عادوا يفعلون.. فمن منهم على حق؟
يقول خبراء علم النفس: "إنّ الإدمان أشبه بمصيدة الفئران، مجرد فخ".
فهل تلوم الفأر الجائع على رغبته في التهام طعام رائحته شهيّة، وقريب بما يكفي للحصول عليه؟
الإجابة هي نعم، يُلام الفأر بالتأكيد؛ لأن ما بالمصيدة ليس طعاماً ضرورياً لبقائه حياً، هذا أولاً، وثانياً لأنّنا نخبر الفئران في كل يومٍ، وفي كل مكانٍ بالعالم، بأنّ ما في المصيدة سمٌ قاتل، لن يقتلها في المرة الأولى، ولكن ستكون حياتها من بعده هي أقرب إلى الموت، ستخسر أرواحها فعلاً حتى وإن عاشت..
وطبعاً أنا أتحدث هنا عن الإنسان لا عن الفئران..
في النهاية إدمان المخدرات، أو المهدئات الطبية، أو الكحول، كلها تستخدم لنفس السبب، ومن أجل الحصول على نفس النتيجة.. طريقٌ سهل للسعادة، ومهربٌ خفي من ضغوط الحياة.. فمن منّا لا يود الذهاب؟
عودة للسؤال: هل الإدمان مرض أم اختيار؟
في رأيي أنّ الإدمان هو مرضٌ حقيقي يُصيب النفس والجسد معاً، ولكن الفارق بينه وبين أي مرضٍ آخر، أنّ المُدمن هو من يستدعي مرضه بنفسه، يُناديه فيأتي، يتمسك به فيبقى، وحينما يسكن الجسد، لا يتمكن الشخص حينها أن يطرده بعيداً، لأنه يكون قد فقد سيطرته فعلاً على جسده بالكامل، وذلك لأنّ المواد المُخدرة بكافة أشكالها، تقوم بتغيير وظائف المُخ الطبيعية، وبالتالي تؤثر على ذاكرة الشخص المدمن، وسلوكه، وقراراته الشخصية.
لذلك حينما يصل الشخص المدمن إلى القاع، وذلك طبعاً بعد تشخيص الطبيب المختص، لا يُمكنه عندها أن يتخذ قرارات صحيحة تخص حياته وتعافيه من الإدمان، بل على العكس، سيكون خطراً على نفسه وعلى الآخرين، لأنّ المخدرات حينها هي من ستتخذ كل القرارات بدلاً عنه، وكأنها شخصٌ آخر احتل جسد وعقل الشخص المدمن.
الإدمان هو فخ حقير، نُصب للمهمومين والمُتعبين والمهزومين من الحياة، وعلق فيه من خُدع بسعادة مؤقتة ومزيفة.
جاذبية المخدرات.. والهروب من الألم
كلنا نُريد نفس الشيء.. أن نرتاح.. أو على الأقل، ألّا نشعر بالألم.
الراحة هي الغاية العُظمى، وفي سبيلها يُمكننا فعل ما لا يخطر على البال..
خمّن معي ما هو أحد أشهر مسببات الراحة المؤقتة في الحياة؟
نعم للأسف الشديد.. إنه تعاطي المخدرات.. يُقال إنّه لا يوجد منّا من يختار أن يكون مُدمناً، ولكنّنا فقط نحاول أن نُخفي الألم..
تهرب من حياتك القاسية أو السيئة أو المملة حتى، لتدخل عالماً آخر أكثر راحة وأكثر سعادة، وحينما تستعيد وعيك لتعود لحياتك الطبيعية من جديد، تكتشف انّها ما زالت قاسية، سيئة، مملة، فتعود للباب الخلفي للسعادة، أو هكذا ما تظنه، ففي حقيقة الأمر، هو بابٌ أماميٌ للجحيم..
تضعك المخدرات ببساطة في حالة غيابٍ للوعي، وعلى قدر الذعر من ذلك المعنى الذي يُفترض به أن يكون مُخيفاً، إلا أنّ الكثيرين منا يفضلون أن يغيب وعيهم في الأزمات والأوقات الصعبة، والبعض يُرحب بهذه الفكرة من آنٍ لآخر بهدف كسر الملل، أما المدمنون فهم من اختاروا أن يتخلوا عن وعيهم طواعية، ليعطوا للمخدرات التي تسري في خلايا جسدهم بالكامل، السيطرة التامة على حياتهم.
المشاهير والإدمان.. قصة حب لا تنتهي
المشاهير في نظرنا نحن كنجوم السماء، شخصيات لامعة، ذوات مالٍ وشهرة وسُلطة، فمن يُريد ما هو أكثر؟ لذلك يبدو الأمر غريباً بالنسبة لنا، حينما يختار نجم برّاق أن يهوى من سماء الشهرة ليسقط حطاماً على أرض الإدمان التي لا ترحم.
نراهم يملكون كل شيءٍ تقريباً.. كل شيء يتمناه أي إنسان، فلم هذا السعي الدؤوب على تدميرهم لكل نعم الله عليهم؟
وكأنّ الواحد منهم يملك زراً خفيّاً للتدمير الذاتي، ما إن يضغطه، حتى ينتهي كل شيء، هذا الزر هو الإدمان، فما السبب في ذلك؟
السبب الأول ببساطة، هو أنّهم قادرون على تحمّل تكلفة المخدرات بأنواعها..
يقول أحد دكاترة علم النفس إنّ بإمكان المال والسلطة والشهرة، أن تزود الإنسان بطرق أكثر تدميراً للنفس، عن غيرهم من الناس الذين لا يملكون هذه المميزات.
سببٌ غريبُ فعلاً ولكنه حقيقي تماماً، بالمال يشترون المخدرات، وبفضل شهرتهم ونفوذهم وعلاقاتهم الاجتماعية الواسعة، يتمكنون من الحصول عليها بكل سهولة.
السبب الثاني هو تأثير الشهرة، فللشهرة تأثير كاسح على الشخصية، خاصة إن جاءت مبكراً في بداية سن الشباب.
الشهرة تجعل الإنسان على قدرٍ من الشعور بالعظمة، يظن أنّه أفضل وأنجح، ذلك الشعور بأنه قادر على فعل أي شيء، وأنّ بإمكانه الحصول على كل شيء، لذلك يندفع نحو الحياة يُريد أن يكون خبيراً بكل جوانب الحياة، ومن بينها تجربة تعاطي المخدرات التي تبدو في نظره تجربة مثيرة.
تأثير الشهرة هذا يخلق ضغوطاً لا يُدركها أغلبنا، فنحن جميعاً نعرف ميزة أن تكون مشهوراً، ولكن القليل منّا من يُدرك ضريبة الشهرة، بداية من ضغوط الأضواء المُسلطة على الشخص ليلاً ونهاراً، وكونه مراقباً طوال الوقت مما يجعل حريته مُقيدة، لا يُمكنه أن يُخطئ، أو يُسيء التصرف علناً أو سراً حتى، وإلا ستنهال عليه الانتقادات من كل جانب، حياته الشخصية المكشوفة للجميع، هذا بخلاف الشائعات والاتهامات وغيرها..
كل تلك الأشياء مؤذية فعلاً، دعك من أنّ ذلك الشخص هو إنسان عادي لديه مشاكل عادية مثل أي شخصٍ آخر، فكل ذلك يجعله واقعاً تحت ضغطٍ شديد من الصعب أن يتعرض له الشخص العادي.
لذلك يلجأ إلى الحل السهل والسريع والأكثر انتشاراً..المخدرات من جديد..
بخلاف أنّ كثيراً من المشاهير موهوبون بالفطرة، ولديهم نزعة فنّية واضحة، وهذا النوع من الشخصيات لديهم حساسية عالية تجاه كل الأشياء، فهم يتألمون أكثر من غيرهم، ويشعرون بالسعادة أيضاً بشكلٍ مختلفٍ عن غيرهم من النّاس..
طبيعتهم الخاصة هذه تدفعهم دفعاً للحصول على السعادة، وللهروب من الألم بأي طريقة كانت حتى ولو كان المقابل هو حياتهم ذاتها.
لماذا لا يتعلم أحد الدرس؟
إنهم يتساقطون واحداً بعد الآخر، منهم من يظل عالقاً لسنوات في فخ الإدمان، ومنهم من يخسر وظيفته وأمواله وعائلته، ومنهم من يفقد روحه ذاتها، والغريب في الأمر، أنّه لا أحد يتعلم الدرس ممن سبقوه أبداً.
كانت الحملة الإعلانية الخاصة بالتوعية ضد إدمان المخدرات هذا العام مُعبّرة جداً، فظهر الإدمان كالطيران، أو كالتحليق إلى أعلى ببطء، مع شعورٍ واضحٍ بالنشوة. وفي إعلانٍ آخر تم تشبيه الإدمان بركوب قطار الملاهي السريع أو الأفعوانية التي تجلب معها في البداية متعة كبيرة، وشعوراً رائعاً بتدفق الأدرينالين في أوردة الجسد.
لهذا ننخدع في أنه بإمكاننا التحليق قليلاً بدون أن نسقط، وبأنّه يُمكننا أن نركب الأفعوانية في الملاهي بلا توقف.
إنها الدائرة اللانهائية التي تدور فيها ومن الصعب الفكاك منها، ما إن دخلتها بإرادتك الحُرة..
هروب من الألم، ثم راحة مؤقتة، ثم ألمٌ جديد مُضافٌ إليه شعور بالذنب، ثم راحة مؤقتة، ثم ألمٌ جديد بذنبٍ أكبر، وهكذا..
إنها لعنة.. وفخ ومرض.. واختبار صعب، علينا أن ندعو الله ألا نقع فيه..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.