فن الراب الذي انطلق من الولايات المتحدة الأمريكية إلى باقي دول العالم في سنوات التسعينيات الأخيرة و بداية الألفية، فن راديكالي بطبيعته، يتناول مواضيع مسكوتاً عنها، ويكسر التابوهات.
الراب، وإن مر بمراحل خطيرة في موطنه، خاصة الحروب التي كانت بين مؤدي الراب في الشرق والغرب الأمريكي، وعدد الضحايا الذين فقدوا حياتهم في سبيله، مثل توباك شاكور، إلا أنه قد نجح في ترسيخ مكانته كفن له قاعدة شعبية راسخة.
من فن يحيا تحت الأرض، مرفوض ثقافياً من المؤسسات الرسمية والاجتماعية، إلى فن له محبوه ومريدوه، وقادر على إنتاج ثروة لرواده، وكذلك إحداث تغييرات اجتماعية برسائلة الثورية، وتحرره من القيود.
هنا أستحضر ما قاله الفنان رشيد غلام في مقاله (رسالة الفن): "رسالة الفن هي إنسانية بطبيعتها، تحاكي تفاعل الإنسان مع آثار الجمال في الوجود، وتروي معاناته وأشجانه وفرحه وحزنه وتطلعه للتحرر من أسر المادة وقيد الاستعباد، بقوالب الجمال في فنون الغناء والموسيقى والرسم والمسرح وغير ذلك.
والفنان يمتح من معين مجتمعه وينبض فنُّهُ بدقات نبضه. الفن دائماً كان مع العدل والحرية والخير مادحاً وطالباً أو واصفاً بشاعة فقْدِ ذلك في مجتمعات الظلم والاستبداد، أو في أخلاق الكراهية والعنف".
رشيد غلام تطرق في المقال عن جوهر الفن ودوره، الفنان المتوازن الذي يحمل رسالة ومشعلاً ويريد بفنه أن يغير ناس أو يؤثر على فئة أو منظمة أو دولة لا بد أن يلتزم بمجموعة من القيود لكي يكون لما يقدم أهمية ويرسخ في عقول الناس كشخص وفكرة.
راب دون بيغ
مغني الراب توفيق حازب الملقب بـ"دون بيغ" هو أحد المؤثرين ورموز الراب في المغرب والعالم العربي.
ابن مدينة الدار البيضاء قدم ألبومات رائعة خاصة في السنوات العشر الأولى ما بين 2000 – 2010، لقب بـ"الخاسر" لأنه كان يستعمل كلمات سوقية وألفاظاً نابية في أغانيه؛ ما أثار غضب المجتمع المغربي عليه، لأنه، كما قلت سابقاً، هذا النوع من الفن كان دخيلاً آنذاك، ولم يكن لديه قاعدة جماهيرية أو تأييد شعبي. لكن مع مرور السنوات تغير أسلوبه، ونضجت تجربته، وقدم الكثير للراب المغربي وخلد اسمه في الساحة الفنية.
مع كل الشهرة التي جناها، لم يتجرأ "دون بيغ" على سب الناس على خشبة مسرح أو في أي عرض، بل خلق لنفسه كاريزما وشخصية لها مكانتها، وما زال الجميع إلى الآن يتذكر تلك الأغاني التي عبر فيها عن مجموعة من المواضيع السياسية والثقافية والاجتماعية.
اليوم ليس كالماضي؛ أثناء كتابة أغنية كان التركيز يكون على الكلمات والقافية والموضوع، الشيء الذي كان يطغى والفكرة كانت تصل بغض النظر عن اللحن، وخير مثال عندما قدم دون بيغ أغنية "كاريانيست" التي تناولت بوضوح واقع دور الصفيح (العشوائيات السكنية) والانتخابات البرلمانية والمتاجرة في المخدرات. كذلك أغنية "لحصول" التي تكلم فيها عن تجربته مع فن الراب ونصائحه "للرابرز" الصاعدين.
ميوعة غراندي طوطو
لكن الراب اليوم يختلف عن راب الأمس، فقد انتقلنا من الكلمة وأهميتها إلى الموسيقى والإيقاع، هذا ما جعل المحافظين اجتماعياً ينفرون من الراب منذ سنة 2015 إلى الآن مع موجة الشباب الجدد.
طه فحصي، اللقب بـ"غراندي طوطو"، ابن مدينة الدار البيضاء، لديه جمهور كبير من الأطفال واليافعين والمراهقين، يتعاطى المخدرات بطريقة علنية، مراهقون يستهلكون ما يقدم من أغانٍ تحفظ عن ظهر قلب، يقلدون لباسه، لحيته، حذاءه وطريقة كلامه.. ومع ذلك يقول إنه ليس بمؤثر؟
"طوطو" حديثه دائماً ما يكون مزيجاً ما بين الكلام الساقط السوقي بطريقة متعجرفة وغير متحضرة، ما قد يستنتج منه أنه شخص فارغ وفقير نفسياً وإبداعياً، ولا يتقن أبجديات عمله.
نحن لا نحكم على ما يقدم من أغانٍ لأنها ببساطة حرية إبداعية مكفولة، ما ندينه ونرفضه ونريد الضرب بيد من حديد عليه هو خروجه في اللقاء الصحفي بمهرجان الرباط حول أن الحشيش موجود في الأرجاء.. في خشبة مسرح ومع العموم، يقوم بالسب والقذف في كلمة موجهة؛ ما شحن النفوس وأثار العنف والشغب بطريقة غير مباشرة.
كلام "طوطو" ليس انزلاقاً، بل يستحق المتابعة القضائية، ومن ندد بأقوال "طوطو" لا يقوم بالرقابة الأبوية، بل يضع يده عن الخطأ الجسيم، والمواطن المغربي يحتاج إلى الترفيه والمهرجانات لكن ليس مع أشخاص لا يعرفون تركيب جملة مفيدة دون أن تدمج بكلمة منحطة، هل نحن كشباب وبعد سنوات من الآن عندما سنتكلم عن التاريخ المغربي ونصل إلى محور الفن ، هل يرضيني أو يعطيني قيمة أن أستشهد بـ"طوطو" وتعاطيه للمخدرات وأسلوبه في الكلام وما يقدم؟
التاريخ لا يرحم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.