خسارة الكلاسيكو بثلاثية، وخروج برشلونة المرتقب للعام الثاني على التوالي من دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، يلقيان بسؤال مهم في ملعب الإدارة الكتالونية وبين أوساط الجماهير المحبة والعاشقة للفريق، خصوصاً بعد التعاقدات الجيدة رغم الأزمة المالية لبرشلونة.
هل تشافي هيرنانديز هو رجل هذه المرحلة؟
قبل الإجابة عن السؤال دعونا نتذكر الظروف التي تولى فيها المدرب للفريق والأزمة التي كان عليها النادي وضعف فرصته في مواكبة فرص الصعود لدوري الأبطال، بالإضافة إلى صعوبة دعم الفريق بلاعبين في مرحلة الشتاء بسبب الأزمة المالية الطاحنة.
ومع كل ذلك أتى تشافي ووافق على تدريب الفريق، وإحقاقاً للحق فحضور تشافي كان إحياءً مبكراً لمسيرته التدريبية، خصوصاً أنه بدون خبرات في أوروبا كمدرب، وليس الأمر كما صوره البعض بأنه تنازل من مدرب لتدريب فريق يعاني، فبرشلونة مهما كان حجم معاناته يبقى نادياً كبيراً قادراً على تقديم مدربين كبار للكرة العالمية وصقل اسمهم، كما فعل من قبل مع فرانك ريكارد وجوارديولا ولويس إنريكي.
رغم كل ذلك وافق برشلونة على كل شروط تشافي في اختيارات مساعديه وفريقه التحليلي رغم امتلاك برشلونة الفريق التحليلي الأفضل في العالم، كما وافق على رؤيته التعاقدية في حدود ما يستطيع النادي توفيره من لاعبين بمبالغ مالية تكاد تكون معدومة اعتماداً على إحياء مسيرتهم المهتزة كأوباميانج، أو لعدم وجود نادٍ يريد التعاقد معه كداني ألفيس، أو لتغيير أجواء اللعب كأداما تراوري، واللاعب الوحيد الذي دفع النادي مقابلاً مادياً للتعاقد معه كان فيران توريس بطريقة التقسيط المريح على عدة سنوات، استغلالاً لوجود العديد من الكتلان داخل الإدارة الرياضية لمانشستر سيتي.
قبل ذلك خسر الفريق فرصته الضعيفة في الصعود للدور التالي في دوري الأبطال وخرج من دور المجموعات أمام بنفيكا، ثم خسر فرصته في المنافسة على كأس الملك بالخروج المبكر.
كان ذلك قبل أن تلعب الصفقات الجديدة للفريق، بعدها سارت الأمور بشكل جيد، وأتت كل الصفقات الجديدة أُكُلَها وحقق الفريق انتصاراً وراء الآخر في الدوري، وكانت مباراة الكلاسيكو التي انتصر فيها الفريق برباعية بمثابة شهادة ميلاد جديدة لتشافي وجهازه الفني، قبل أن يحدث التراجع الأخير في أزمة مباراة فرانكفورت الشهيرة في الدوري الأوروبي، وما صاحبها من خروج أوروبي رآه البعض مهيناً لكتيبة تشافي.
على كلٍّ، انتهى الموسم بمكاسب عديدة كان أبرزها اللاعبون الجدد والصعود لدوري الأبطال وإنهاء الموسم في المركز الثاني خلف البطل ريال مدريد، وبخسائر مالية ناتجة عن عدم تخطي دور المجموعات لدوري الأبطال وعدم التتويج بالدوري الأوروبي الذي يتيح لصاحبه التربع على قمة مجموعة من مجموعات دوري الأبطال، وبالتالي تقل فرص الفريق في مقارعة كبار القارة مبكراً، وهو ما نراه حالياً في سهولة مجموعة إنتراخت فرانكفورت في دوري الأبطال في مقابل صعوبة مجموعة برشلونة.
ثورة تعاقدية في الموسم الجديد
تشافي كان محدداً من اللحظة الأولى، الفريق يحتاج للحدة في التعامل على أرض الملعب مع المنافسين، كرر هذه الجملة مراراً وتكراراً، خاصة في أعقاب مباراة أتلتيك بلباو التي شهدت خروج برشلونة من كأس الملك، من أجل هذه الحدة يجب أن تكون التعاقدات مناسبة لمتطلبات المدير الفني، حدد الرجل مجموعة من الأسماء للإدارة لرفع جودة الفريق، وبالفعل قامت الإدارة بعمل موسم انتقالات متميز، وأتت بكل الأسماء التي طلبها تشافي فيما عدا بيرناردو سيلفا وأزبيليكويتا، وخرج المدير الفني راضياً عن موسم الانتقالات، ومؤكداً أن الفريق يسير بخطى ثابتة نحو استعادة جودته المشهودة وحدته التي بحث عنها كثيراً.
في المقابل فكل صفقات الشتاء التي أعطت للفريق دفعة للأمام لم يتم الاستفادة الفنية منها، رحل أوباميانج وتراوري وداني ألفيس رغم حاجة الفريق إليه كلاعب وحيد في الرواق الأيمن وكقائد للمجموعة، وتبقى فقط فيران توريس الذي تم تهميشه وحصوله على دقائق أقل في مواجهة التعاقدات الجديدة كرافينيا أو عثمان ديمبيلي.
وفي أول مباراة في الموسم فشل برشلونة في الفوز وقدم أداءً غير جيد كان ضحيته چوردي ألبا بعدما انتقد المدير الفني اللاعب وأطاح به من التشكيلة الرئيسية للفريق والاعتماد على الصغير بالدي بعدما كان مرشحاً للخروج من الفريق في المباريات التالية، وهو ما ساهم في تحسن أداء الفريق بشكل كبير.
البقرات المقدسة
كانت تعاقدات برشلونة مع خط دفاع كامل، ثم واقعة مباراة رايو فايكانو وجرائم چوردي ألبا الدفاعية فيها بمثابة ضوء أخضر لإنهاء حقبة كبيرة ممتدة منذ سنوات لاستيلاء جيرارد بيكيه وبوسكيتس وجوردي ألبا وبدرجة أقل سيرجي روبيرتو على أماكنهم مهما كانت مستوياتهم أو ما يقدمونه على أرض الملعب فقط لأنهم كتالان (كما يقول الخبثاء).
توقع الجميع أن حديث تشافي المعلن بأنه سيخوض صراعاً ضد كبار الفريق في غرفة الملابس سيكون إيذاناً بإعلان حقبة جديدة خالية من البقرات المقدسة، وبالفعل ظهر الثنائي بيكيه وألبا على مقاعد البدلاء في المباريات التالية وملامحهم تنطق بالغضب كمؤشر على أن هذه الحقبة في طريقها لكتابة النهاية وطيّ صفحات كثيرة من النجاحات في سنواتها الأولى والعديد من الإخفاقات المحملة بهزائم مذلة وعارٍ من التراجع الفني والبدني والبحث المطلق عن المال بدون أي حساب للنادي، ولكن أين بوسكيتس مما يحدث؟
بوسكتس ولغز الاقتناع
دائماً ما كانت العين في كرة القدم هي الأهم من كل الأجهزة والإحصائيات وكل فرق التحليل في العالم، تظل العين هي من تحكم حكمها النهائي وذلك لأن الأرقام قد تكون خادعة، على سبيل المثال هناك من يقرأ إحصائيات التمرير للاعب من دون أن يرى ما قدمه على أرض الملعب، فيجد أنه قام بعمل ٩٩% من التمريرات الصحيحة، ولكن حين يراه بعينه يجد أن أغلب تلك التمريرات كانت للخلف، كذلك هو الحال بالنسبة لبوسكتس.
تجد أن أغلب المشيدين به من عشاق الأرقام والإحصائيات وهي مهمة بكل تأكيد في كرة القدم ولكنها ليست الشيء الأهم في الحكم على جودة ما يقدمه لاعب يعتمد عليه الفريق بشكل كلي وأساسي منذ ١٣ عاماً بالتمام والكمال، مر فيها بكل مراحل لاعب كرة القدم من التألق لحمل الفريق في وسط الملعب للتراجع ثم أخيراً لتقديم كوارث كبيرة في مركزه.
لم يكن بوسكتس يوماً ما من أفضل قاطعي الكرات في العالم، ولم يكن ممتازاً في صناعة الأهداف، ولم يستغل طوله الفارع في لعب الرأسيات أو الدفاع عن الفريق في الضربات الثابتة المحتسبة عليه، ولم يكن يوماً ما سريعاً يتمتع بمرونة فائقة.
كان كل وأهم ما يميز بوسكتس قدرته على الخروج بالكرة من خط الدفاع لوسط الملعب بتحكم نادر وكبير وقدرته على لعب دور همزة الوصل بين مراحل اللعب المختلفة ودوره في ربط الخطوط والتخلص من ضغط المنافسين، ومع تقدم العمر ذهب كل شيء لدرجات أقل. ومع ذهاب تشافي ثم إنييستا ومجاورة من هم أقل منهما في وسط الملعب تراجع أداء اللاعب بشكل منطقي وأصبح وجوده يعطي مميزات كثيرة للمنافسين في اللعب على الهجمات المرتدة واستغلال بطء الارتداد وضعف الالتحامات لديه.
حتى الميزة الأهم لديه فقدها وأصبح يفقد الكرة بشكل أكبر وفي مناطق أخطر وبشكل مثل تهديداً في العديد من المرات، الأمر غير المنطقي هو تواجده بنفس عدد الدقائق في هذه السن بعدما ترهل كروياً لهذه الدرجة.
اقتناع تشافي ببوسكتس غير قابل للاهتزاز حتى وقتنا هذا، حتى أنه وقت حملة الصفحات العربية والمغردين العرب المحبين لبرشلونة قبل نهاية الموسم الماضي خرج تشافي في أحد المؤتمرات الصحفية ودافع عن اللاعب دفاعاً مستميتاً، واصفاً إياه بالقطعة الأهم في برشلونة، وهو أمر أثار حفيظة الكثير من الصحفيين واعتبروا الأمر تعصباً لصديقه الشخصي ودفاعاً شبه عنصري عن الأفراد المنتمين لكتالونيا داخل النادي.
هناك من يقول إن بوسكتس أفضل في منتخب إسبانيا عن برشلونة بسبب نظام الحماية المفروض حوله من لاعبي منتخب إسبانيا والذي نسجه لويس إنريكي للاستفادة من اللاعب، وأنه يجب أن يفعل تشافي شيء مماثل، والحق فهذا شيء مثير للاستغراب؛ لأن وجود بوسكتس ليس بهذه الأهمية للفريق، فهو لا يمنع العديد من الأهداف ولا يصنعها ولا يحرزها، هو ليس ليونيل ميسي ليتم صنع خطة هجومية تدور حول قدراته الهجومية الجبارة لكي يحقق الفريق أكثر استفادة منه، خصوصاً أن البديل موجود وجاهز وحاضر ومستعد لتقديم ما يقدمه بوسكتس وأكثر، وهو فرينكي دي يونج الذي تم الضغط عليه بكل الطرق للخروج ولكنه أبى.
فرينكي دي يونج المفترى عليه
تعامل تشافي بعدم احترام لفرينكي في بداية الموسم، كانت الإدارة تضغط عليه للخروج من جهة وهو يضغط من جهة أخرى، حتى أنه في فترة الإعداد بالولايات المتحدة لم يعطه فرصة اللعب في مكانه أبداً، وكان دائم الاعتماد عليه في مركز قلب الدفاع وكأنها كانت رسالة من تشافي له بألا مكان لك عندي بالفريق.
كل هذا رغم التصريحات التي كانت تخرج بين الحين والآخر ليعلن تشافي أن اللاعب مهم للفريق ولكن لظروف فنية ومالية هو يرى أن يتم بيعه والاستفادة من سعره الكبير لتمويل صفقة البرتغالي برناردو سيلفا، كل ذلك قوبل باستهجان ورفض من دي يونج الذي صمم على البقاء ورفض كل العروض المقدمة إليه من الكثير من الأندية الأوروبية.
فهل ما يحدث الآن من تجاهل لدي يونج وتفضيل بوسكتس وجافي عليه في مركزيهما رغم فروق الجودة لصالحه عقاب للاعب الذي تحدى المدرب والإدارة، أم عقاب جماعي للفريق ومحبيه بحرمانهم من وجود دي يونج وإمكانياته المتعددة في كل مراكز وسط الملعب؟ أم أن هذه حقاً رؤية المدير الفني؟
هل تشافي هو رجل المرحلة؟
لا أحد يعلم إلى الآن الإمكانيات الحقيقية القصوى لتشافي وهل هو (فيه الخير ولا فيه الشر)، كما تقول الأغنية الشهيرة، فرغم الأرقام الجيدة على صعيد الدوري الإسباني سواء في الموسم الحالي أو الماضي نجد أمامها أرقاماً مخزية في دوري الأبطال والدوري الأوروبي، ورغم الأفكار التي قدمها والضغط المتقدم الذي عاد إليه الفريق والحدة التي كانت غائبة واستردها ما زال هناك مشاكل متعلقة بصناعة اللعب والاعتماد الكلي في التهديف على ليفاندوفسكي فإذا ما تم عزله لا يستطيع لاعب آخر تعويضه.
كذلك تدوير الكرة لتصل لعثمان ديمبلي ليقوم بدور صانع اللعب رغم أن الفرنسي واحد من أكثر اللاعبين فقداً للكرات في أوروبا، وما زال هناك إصرار كامل على بوسكتس وجافي وعدم إعطاء وقت كامل لفرينكي دي يونج وفرانك كيسيه للحكم على ما يستطيعان تقديمه على أرض الملعب، وما زال التغيير الأول للفريق هو خروج رافينيا واللعب بأنسو فاتي غير الجاهز فنياً ونفسياً حتى الآن.
قلت مع تشافي المشاكل الدفاعية بفعل طريقة اللعب والتعاقدات وعاد تير شتيجن لمستواه المتميز، وهو ما ساهم في تعزيز القوة الدفاعية للفريق، ولكن هناك قلة خبرة في التعامل مع المباريات الكبيرة في بطولات أوروبا، يقف أمامها تشافي عاجزاً حتى مع الفرق التي تملك لاعبين أقل جودة من برشلونة.
السؤال مطروح للجميع بدون إجابة حتى الآن، البعض طالب بإقالته بعد مباراة إنتر ميلان لما تسبب به من خروج الفريق بنسبة كبيرة وخسارة أموال الصعود للدور التالي وتعديل تصنيف الفريق أوروبياً واستعادة هيبته أمام الجميع.
البعض الآخر طالب باستمراره لأن الفريق من وجهة النظر الأخرى ما زال بعيداً عن أجواء المنافسات الأوروبية بشكل كبير وغير قادر على مقارعة الكبار في مباراتين ذهاب وإياب، وأن الغيابات والإصابات التي ضربت الفريق في التوقف الدولي كانت كفيلة بهدم أي مخططات لأي مدير فني كبير، خاصة وأنها كانت جميعها في مركز واحد.
الموقف المعلن من الإدارة هو استمرار المدير الفني ودعمه، فهل سيبقى الأمر كما هو في حال استمرت النكبات؟
أشك في ذلك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.