وُلد إسلام سليماني في حي شعبي بعين البنيان في ضواحي العاصمة الجزائرية، في 18 يونيو/حزيران 1988. بدأ مسيرته الكروية في نادي الحي الذي كان يسكن فيه، ولعب في الدرجات الدنيا، قبل أن ينتقل لشباب بلوزداد في نهاية موسم 2009. لم تكن بدايته سهلة أو موفّقة، فقد لاقى انتقادات وصافرات استهجان، كاد على إثرها أن يغادر النادي. سِجله التهديفي في البداية لم يكن مميزاً، حيث بصم في موسم 2009/ 2010 على 8 أهداف فقط، لكنه رفع راية التحدي وأصبح هدافاً تاريخياً للمنتخب الوطني الجزائري فيما بعد، واحترف في أوروبا من البطولة الجزائرية، التي يُقر الجميع بأنها ضعيفة وعقيمة ولم تعد تنجب لاعبين كباراً.
انتقادات لاذعة يقابلها عمل جبار وإرادة فولاذية
تعرَّض إسلام سليماني لانتقادات لاذعة من الصحافة وصافرات استهجان، بل تعرض لوابل من الشتائم من بعض الأنصار، حتى إنه فكّر في الرحيل، لكن إرادته وعزيمته القوية ورفعه لراية للتحدي، وخاصة عمله الجاد، جعله محبوب الأنصار بعد تسجيله سوبر هاترك؛ أي أربعة أهداف كاملة ضد فريق شبيبة القبائل، في 17 مايو/أيار 2011.
من لاعب مغمور إلى لاعب دولي
بفضل العمل الجاد والاجتهاد الدؤوب والشخصية القوية واصل إسلام التألق ليصبح لاعباً دولياً. الطريق نحو المنتخب لم يكن محفوفاً بالورود، حيث كان يُعوّل مدرب منتخب الجزائر حينها، البوسني خاليلوزتش، على مهاجم وفاق سطيف عودية، وليس على إسلام سليماني، غير أن إصابة الأول منحت الفرصة لإسلام سليماني ليدخل كبديل ويُسجل هدفه الأول، لتبدأ المسيرة التاريخية الحافلة بالأهداف والإنجازات.
استدعاء إسلام سليماني للمنتخب الوطني كان بالنسبة له فخراً وشرفاً كبيرين، يقول عن نفسه إنه لم يَنم ليلتها، كان ذلك في 2 يونيو/حزيران 2012، (في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2009، شارك في التدريبات فقط). وفي أول دخول له كبديل سجل هدفه الأول مع المنتخب في تصفيات كأس العالم 2014.
من لاعب محلي إلى محترف حقيقي في أوروبا
واصل إسلام سليماني التدريب بقوة وجدية واحترافية، لينتقل في صيف 2013 من البطولة الوطنية إلى نادي سبورتينغ لشبونة البرتغالي، في صفقة تعد الأقوى في العشرين سنة الأخيرة للكرة الجزائرية، فعادة وبسبب ضعف التكوين والمستوى الهزيل للبطولة المحلية ونقص المرافق وجودة الملاعب لم يكن يحترف اللاعبون الجزائريون في أندية كبيرة في أوروبا، فعادة ينتقلون لأندية مغمورة في فرنسا وبلجيكا أو أندية خليجية، ليصبح هذا الانتقال مدوياً، خاصة أن اللاّعب تألق في صفوف النادي الذي نشط فيه كريستيانو رونالدو.
رغم أنه التحق متأخراً بالنادي، ولم يشارك في تحضيرات بداية الموسم، لكنه كان يسجل أهدافاً حاسمة كلما دخل من دكة البدلاء. ليصبح أساسياً وهدافاً للنادي ومحبوباً للجماهير. حيث سجل أربعة أهداف في أربع مباريات، في شهر مارس/آذار 2014، منها هدف في عرين بنفيكا، وآخر ضد بورتو والحارس الإسباني كاسياس، الذي سيصبح ضحيته المفضلة ويسجل عليه في كل مرة. كما فاز إسلام سليماني بالكرة الذهبية الجزائرية، في ديسمبر/كانون الأول 2013، كأفضل لاعب جزائري، نظير تألقه مع المنتخب الجزائري ومساهمته الكبيرة في تأهل الخضر لكأس العالم 2014 بالبرازيل.
تألق وكتابة التاريخ في المونديال
شارك إسلام وزملاؤه في مونديال البرازيل 2014، بكل عزيمة وقوة بعد تحضير جيد، تمكنوا من كتابة التاريخ والوصول للمجد بتأهل تاريخي لأول مرة للدور المقبل في المونديال، وأُقصوا بشرف أمام الماكينة الألمانية التي تُوجت بلقب تلك الدور وهزمت البرازيل في عقر دارها بسباعية، في تلك المباراة أسالوا العرق البارد للألمان وانهزموا بصعوبة بعد الوقت الإضافي بنتيجة اثنين مقابل واحد.
في تلك الدورة المونديالية، تم اختيار سليماني كرجل المباراة من قبل الفيفا في مناسبتين، وذلك ضد منتخبي كوريا الجنوبية والمنتخب روسيا، الذي سجل ضده هدفاً تاريخياً كان له الفضل في التأهل للدور المقبل.
نجاح إسلام سليماني في الاحتراف الأوروبي
واصل إسلام التألق في أوروبا عندما وصل لقمة المجد، حيث شارك وسجل في رابطة أبطال أوروبا ضد شالكه. كما فاز بكأس البرتغال، وسجَّل سليماني هدفاً في النهائي، وعند الاحتفالات هرب من زميله، الذي أراد أن يرشه بالخمر في لقطة تحسب للاعب لتمسكه بدينه ومبادئه.
في موسم 2015/ 2016، توهج سليماني وتألق بشكل لافت، حيث سجل هاتريك ضد فكتوريا غيماريش، وثنائية في مرمى إيكر كاسياس ضد الغريم بورتو، أنهى سليماني الموسم هدافاً بـ27 إصابة في الدوري، و31 هدفاً في جميع المنافسات، لكن فريقه ضيّع اللقب لصالح بنفيكا بفارق نقطتين، ويكتفي بنائب بطل الدوري. في 28 أغسطس/آب 2016، لعب إسلام آخر مباراة له مع سبورتينغ ضد بورتو في ملعب خوسيه ألفالادي، وسجل هدفه الأخير، ليُسهم في فوز فريقه على كاسياس ورفقائه، وأصر على الرحيل لنادٍ أكبر.
في موسم 2016/ 2017، انضم سليماني إلى بطل الدوري الإنجليزي الممتاز ليستر سيتي، بعقد يمتد لخمس سنوات، وبتكلفة قياسية بلغت 28 مليون جنيه إسترليني. في 14 سبتمبر/أيلول، ظهر لأول مرة مع ليستر في دوري أبطال أوروبا، وبعد ثلاثة أيام لعب أول مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز، وسجل هدفين لفريقه. في 27 سبتمبر/أيلول، سجل سليماني الهدف الوحيد في فوز ناديه ليستر 1-0 على بورتو، في مرحلة المجموعات لدوري أبطال أوروبا، بعد تمريرة حاسمة من زميله في المنتخب والنادي الجزائري رياض محرز، كان ذلك هدفه السادس في مرمى الإسباني كاسياس.
بعدها مرّ إسلام سليماني بمرحلة صعبة، عجز فيها عن التسجيل والاندماج في الخطط التكتيكية، مع قوة وصعوبة الدوري الإنجليزي، رغم أنه سجّل في الجولة 11 والجولة 13، وقدم تمريرتين حاسمتين ضد السيتي في الجولة 15، وسجل أيضاً هدف الفوز ضد ويست هام في 31 ديسمبر/كانون الأول 2016. وفي يناير/كانون الثاني 2017، وبعد مشاركته في كأس أمم إفريقيا مع منتخب بلاده، عاد سليماني للنادي مصابًا، ما أثر على أدائه ومستواه في بقية الموسم، حيث لم يشارك كثيراً وأحرز هدفين فقط، لكنه سجل هدفاً رائعاً بقذيفة صاروخية من خارج منطقة العمليات ضد ليفربول، ليتأهل للدور المقبل من كأس الرابطة الإنجليزية.
في 31 يناير/كانون الثاني 2018، وقَّع سليماني لنادي نيوكاسل يونايتد على سبيل الإعارة حتى نهاية الموسم، لكن إصابة في الفخذ منعته من التألق، وبعدها تم إيقافه لثلاث مباريات بعد خروجه بالبطاقة الحمراء، فاكتفى بأربع مشاركات وتمريرة حاسمة، أسهمت في الفوز على أرسنال. في الموسم الموالي لم يكن سليماني ضمن خطط مدربه في ليستر، فانتقل معاراً لفناربخشة التركي، لكنه لم ينجح كثيراً، واكتفى بخمسة أهداف، منها واحد فقط في الدوري التركي الممتاز.
بعد ذلك انتقل على سبيل الإعارة لنادي الإمارة الفرنسية موناكو، وتألق بشكل لافت وسجل في أول ظهور له، وكانت لديه عدة تمريرات حاسمة، وشكّل ثنائياً رائعاً مع بن يدر، وأنهى الموسم الذي لعب نصفه فقط بـ9 أهداف و10 تمريرات حاسمة، لكن المدرب الجديد لموناكو وضعه خارج خططه، دون أن يجربه أو حتى يمنحه فرصة.
ثم انتقل مُعاراً إلى نادي ليون الفرنسي، ورغم تألقه فإنه لم يكن أساسياً في خطط مدربه أيضاً، يُذكر أن سليماني سجل ضد ناديه السابق سبورتينغ في مباراة ودية تحضيرية للموسم الجديد.
مع المنتخب واصل إسلام سليماني التهديف رغم مروره بفترات صعبه ألزمته مقاعد البدلاء، بسبب نقص المنافسة مع ناديه، لكنه توج بكأس إفريقيا، في يوليو/تموز 2019 بمصر، رغم أنه كان بديلاً، لكنه سجل هدفاً وقدم تمريرة حاسمة، وأسهم في التتويج باللقب القاري للجزائر. ورغم إخفاقه مع المنتخب في بلوغ مونديال قطر 2022 في مباراة الحسم ضد الكاميرون بسبب خطأ تحكيمي، إلا أنه سجل هدف الفوز في مباراة الكاميرون على أرض هذا الأخير، وهو أول فوز في تاريخ الخضر على الكاميرون. ليواصل بعدها التهديف مع المنتخب ويتجاوز عتبة 40 هدفاً دولياً في مسيرته الاحترافية التي لم يختمها بعد، سجّل إسلام سليماني حوالي 130 هدفاً.
سجل "سوبر سليم" في أقوى منافسة في العالم، أي المونديال، بهدفين تاريخيين، وسجل عدة أهداف حاسمة في تصفياتها، سجل أيضاً في عدة كؤوس إفريقية وتصفياتها، سجل في أعرق وأمجد البطولات العالمية، في رابطة أبطال أوروبا مع سبورتينغ البرتغالي ومع ليستر الإنجليزي، سجل في الدوري الجزائري وفي كأس الجمهورية الجزائرية، سجل في الدوري البرتغالي وفي كأس البرتغال، سجل في الدوري الإنجليزي وفي كأس الرابطة الإنجليزية، وأيضاً في كأس الاتحاد الإنجليزي، سجل في الدوري التركي وفي كأس تركيا، سجل في الدوري الفرنسي مع عدة أندية وهي ليون، موناكو وبريست وفي كأس فرنسا كذلك.
أينما حل وارتحل سجل وكتب اسمه بأحرف وكلمات الكفاح، العمل والمثابرة، لكن نجاحه لم يكن سهلاً، فقد وجد صعوبات ومشاكل وانتقادات وطريقاً ليس مفروشاً بالورود، بل بالأشواك والرمال التي أرادت أن تعرقل مسيرته الناجحة.
هداف تاريخي ومثال يقتدى به من الشباب
إسلام سليماني الذي غادر مقاعد الدراسة مبكراً تعلّم اللغة البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، مِثله مثل اللاعب هلال العربي سوداني، الذي لا تختلف أو تقل قصة نجاحه وكفاحه عن قصة إسلام، حيث تألق هلال مع دينامو زغرب الكرواتي، ويتحدث العديد من اللغات بطلاقة، منها الكرواتية.
وصل إسلام سليماني عرض مالي ضخم من الصين، لكنه رفض وأصرّ على الاحتراف في المستوى العالي في أوروبا، عرضٌ استغرب مدربه في ليستر كيف رفضه، ورفض عدة عروض مالية ضخمة من الخليج. نعم لقد فضّل الهدّاف النجاح الباهر على الأموال الضخمة، هذا لا يعني أن إسلام سليماني لم يجن أموالاً كثيرة في أوروبا، بل أصبح من الأثرياء، لأن أوروبا أيضاً تدفع بسخاء، لكن بمقابل أداء قوي واحترافي.
واجه إسلام سليماني الصعوبات والانتقادات بالصبر الجميل والعمل الجاد والكثير من الإرادة الفولاذية، رغم أنه محدود فنياً، وغالباً ما يُسجل بالرأس فقط-كما يقول منتقدوه- لكن أرقامه وإحصائياته تقول عكس ذلك، فـ58% من أهدافه بالقدم. أيضاً، عرف إسلام الاحتراف في وقت متأخر قليلاً، ولم يتكون في مدارس أو أكاديميات، بل لعب في الأقسام الدنيا في الأصناف الصغرى، وفي بداية مسيرته الكروية. وهذا عيبٌ إيجابيٌّ، مثل من لم يدخل للمدرسة الابتدائية أو دخلها في سن متأخرة لأنه كان يعيش في الجهل أو في البادية، ليصبح عالماً أو دكتوراً باحثاً.
الكثير ممن انتقدوا إسلام سليماني تجدهم فاشلين، ولم يحققوا هدفاً واحداً لأنفسهم في حياتهم، وليس لمنتخب، مثلما فعل إسلام، الذي سجّل أكثر من 40 هدفاً لمنتخب الجزائر، وأفرح 40 مليون جزائري وغيرهم من محبي المنتخب عربياً وإفريقياً وحتى عالمياً.
إسلام سليماني هو علامة مسجلة، ومثال يُحتذى به من الشباب الجزائري والعربي، لرفع التحدي والعمل الجاد، ومواجهة الصعاب، من أجل النجاح في الحياة، ليس في كرة القدم فحسب، بل في شتى مجالات الحياة، يمكن لنجار أو لحام أو أي حرفي أو تاجر أو تلميذ أو طالب أو أستاذ أو طبيب أن يأخذ قصة سليماني نموذجاً، ويستلهم منها ليصل لهدفه ومبتغاه، أو ما يجب عليه أن يكون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.