لم تعد غزة وحدها.. ما الذي يعنيه تصاعد المقاومة في الضفة الغربية بهذا المستوى القوي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/15 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/15 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
مواجهات في مدن الضفة بين فلسطينيين وقوات الاحتلال/ getty images

غزة والضفة الغربية والقدس تشكل ساحة واحدة وليس هناك فرق بينها، وما يجري في الضفة الغربية والقدس ستكون له تداعيات على غزة؛ وهذه هي المعادلة التي رسختها معركة سيف القدس والغرفة المشتركة للمقاومة الفلسطينية، فنتائج معركة سيف القدس التي وقعت في مايو 2021 أكدت أن القدس باتت أبرز محدد لسلوك وفعل المقاومة.

وأنه لم يعد ممكناً للاحتلال أن يتفرد بها وأهلها، وأي اعتداء مجدداً عليها وعلى الأقصى سيواجه برد المقاومة ويعيدها للاشتباك، وهو ما يعد تحولاً نوعياً غير مسبوق في حمايتها أرجاء فلسطين كافة من البحر إلى النهر.

اليوم الضفة الغربية تشهد بلا شك تصاعداً في نوعية وعدد الفعل المقاوم، وذلك بالنظر لفشل استراتيجيات الاحتلال خلال 15 سنة في قمع المقاومة الفلسطينية، المقاومة في الضفة تشهد تصاعداً كبيراً مع تقدم الوقت؛ لأن أركان هذا العمل المقاوم قائم على مواجهة العدوان والانتهاكات الإسرائيلية، وهي تستمر وتتصاعد في القدس والضفة.

خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي شهدت الضفة المحتلة 833 عملاً مقاوماً، تنوعت بين إلقاء الحجارة والطعن أو محاولة الطعن والدعس بالسيارات وإطلاق النار وزرع أو إلقاء العبوات الناسفة.

تشهد الضفة الغربية بما فيها القدس، مقاومة إبداعية منظمة ومنسقة، وأبرز الشواهد عليها هي عمليات عرين الأسود المتواصلة والتي تشير لقدرتهم على امتلاك زمام المبادرة ومفاجأة العدو على حين غرة، كما كشفت عملية شعفاط وشافي شمرون عن عيوب وفجوة كبيرة لدى وحدات جيش الاحتلال.

إن استمرار الـمـقـاومة بالضفة الغربية وامتدادها لكامل جغرافية الضفة الغربية واستخدامها تكتيكات عسكرية جديدة، ستفرض على الجندي الإسرائيلي ضرورة إيجاد حلول فورية أثناء القتال، وهو ما فشل به في العمليات الأخيرة وعجزت القوات الإسرائيلية عن التعامل معه ميدانياً، وسيتكرر ذلك طالما استمر الفعل المقاوم وتطور.

الساحة الفلسطينية تعيش وضعاً فريداً في ظل ما تشهده الضفة الغربية المحتلة وريف القدس من تصعيد واضح في حالة المقاومة بشكل عام والمقاومة الإبداعية بشكل خاص. وهذا يدل على أن مقاتلي المقاومة اخترعوا عدة أدوات لتنفيذ عملياتهم، مثل عملية شعفاط والعمليات التي سبقتها.

تمكنت الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، من إرباك حسابات الاحتلال، اليوم الوجدان الشعبي في الضفة الغربية يظهر انحيازاً كبيراً لفكرة المقاومة، وتمجيداً كبيراً للفعل المقاوم على حساب كل الخيارات السياسية الأخرى، وهذا من العوامل التي تشجع الشباب لينخرط في هذه الحالة في المقاومة، فالاستجابة الشعبية لبيانات عرين الأسود والعصيان المدني في القدس تحولت إلى ظاهرة وامتدت إلى أماكن ومدن أخرى، وعمليات المقاومة استطاعت اختراق منظومة الاحتلال الأمنية.  

نماذج الشباب المقاوم أصبحت مثمرة ومبهرة ويقتدي بها الشبان في الضفة؛ لأن عناصر الاستفزاز الصهيونية في الضفة عوامل تأجيج للمقاومة واشتعال المواجهة، ونشهد تلاحماً بين الحاضنة الشعبية والمقاومة، ويقدم المدنيون كل ما يساعد المقاومين على البقاء والاستمرار، خاصة المخابئ والإعاشة، هذا التلاحم يبرز واضحاً في مخيم جنين ومخيمات نابلس وفي العديد من المناطق.

نحن أمام أجيال جديدة من الشباب الفلسطيني دخلت في سلسلة من العمليات المقاومة، وهذا يعني أن مستقبل المقاومة في الضفة الغربية يسير في مسار تصاعدي وليس على أبواب الضبط.

ويوم بعد يوم، وعملية بعد عملية، يستمد منفذو العمليات قدراً أكبر من الشجاعة، ويستفيدون من الأخطاء السابقة، ويفكرون بطرق ووسائل جديدة دون أن يتمكن أمن الاحتلال من رصد خطتهم.

تدرك إسرائيل أن ما يجري في الضفة الغربية والقدس تحدٍّ أمني وواقع استراتيجي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وتخشى من ترسيخ المقاومة المسلحة جذورها في الضفة، لذا هي تمارس الضغط على السلطة للعمل ضد المقاومين، وفرض سيطرتها على الضفة.

استنزاف العدو في الضفة من خلال العمليات المتنوعة والمنتشرة في نقاط مختلفة ممتدة وتعزيز دور المطاردين وحمايتهم ستعمل على تقويض القوة العسكرية للعدو عبر استنزاف مقدراتها وتكبدها خسائر مادية وتدمير معنويات الجنود من خلال جرهم إلى دائرةٍ مفرغة من المواجهات المتقطعة.

ما يجري بالضفة يتطلب من حركات المقاومة استثمار هذه العمليات وتوظيفها بشكل مناسب يسهم باسترجاع دورها إلى صدارة العمل المقاوم والبناء عليها وتشييد كيان مقاوم يقف على أسس صلبةٍ لا تهتز ولا تتزعزع لو أحسنا أفراداً وتنظيمات فهمه والتعامل معه، لقد فتحت تضحيات هؤلاء الفدائيين الشجعان الباب أمام مرحلة جديدة في الكفاح الفلسطيني المهم، علينا المراكمة على هذه العمليات، فإن تراكمها سيقود إلى ثورة وليس إلى انتفاضة لو تم تحصينها وأحسن البناء عليها، والانتقال بها إلى مرحلة قادمة نحو الخلاص من الاحتلال.

المقاومة الشاملة هي السبيل

تعد المقاومة الشاملة هي السبيل لردع الاحتلال وردّ عدوانه وإفشال مخططاته ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا، والمقاومة الفلسطينية تمثل الدرع الواقية والحامية للشعب الفلسطيني.

المقاومة في غزة تدرس وترصد المشهد وتعمل على استنفاد كافة الوسائل وأشكال المقاومة الشعبية المختلفة، وإتاحة الفرصة للمقاومة بالضفة الغربية لتثبيت حقهم ولفت الأنظار لهذه القضية على أكثر من مستوى، بالإضافة لإعطاء فرصة للمقاومة في الضفة الغربية في ظل توسع خارطة المقاومة، وهي تريد إفساح المجال أمام نهج العمليات الجديد أن يتطور، وأن تمنح فرصة للضفة الغربية لتطوير أدواتها في مواجهة الاحتلال.

المقاومة في غزة شددت على جهوزيتها واستعدادها للدفاع عن مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني، وتضع مقدراتها في جبهة غزة تحديداً خلف المقاومة في القدس والضفة الغربية والـ48 باعتبارها جداراً يستند إليه الجميع.

من مصلحة المقاومة أن تقوم كل الساحات بأدوارها وقدراتها وفق الظروف المتاحة وخصوصية كل منطقة، ورسالة غزة للاحتلال الصهيوني أن المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها العسكرية تتابع عن كثب جميع القضايا على الساحة الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس، وأن رسالة النار التي أوصلتها المقاومة في "سيف القدس" يمكن أن تتكرر في حال استمر العدوان، ولن تتردد مقاومتنا في الدفاع عن شعبنا وقدسنا وأسرانا وقضايا شعبنا العدالة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رامي أبو زبيدة
باحث بالشأن العسكري
رامي أبوزبيدة، حاصل على ماجستير في إدارة الحرب واستراتيجية الأنفاق، كاتب ومحلل عسكري لدى عدد من الصحف والمواقع والقنوات الفضائية العربية والفلسطينية
تحميل المزيد