منع السادات أفلامها من العرض وهربت من السجن ورفضت الإنجاب.. هل تعرفون ماجدة الخطيب حقاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/13 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/13 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
الفنانة المصرية الراحلة ماجدة الخطيب / عربي بوست

أقف أمامها حائرة، هل هي تلك الممثلة الجميلة جداً، التي كانت تعد نجمة استثنائية، وتملك من الثقافة والآراء الخاصة والقرارات الحاسمة ما يجعلها من نجوم الصف الأول؟ أم أنها تلك المرأة التي حكم عليها بالسجن مرتين، مرة بسبب القتل والثانية بسبب المخدرات؟ المرأة التي طاردتها اتهامات بخطف رجل متزوج، والتي تم كسر قدمها في مشاجرة مع زميلة لها، أصابتها ماجدة في المقابل بارتجاج في المخ؟ بين الصورتين، أقف حائرة لأتساءل: من هي ماجدة الخطيب حقاً؟ تلك السيدة التي خطفتني في دورها بمسلسل "ريا وسكينة"، حيث أدت دور والدة السفاحتين بمهارة منقطعة النظير، والتي حصلت على التكريم فقط حين قاربت على الوفاة في عام 2006، حيث حصلت في هذا العام فقط على جائزة أحسن ممثلة في المهرجان القومي للمسرح المصري في عام 2006 عن دورها في مسرحية أكرهك، وكذلك جائزة مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 2006 عن فيلم روائي قصير بعنوان "الزيارة"!! يبقى السؤال داخلي: من هي ماجدة الخطيب؟ ربما لم يعرفها المشاهدون كما ينبغي، جاءت ورحلت ولم تعلق في ذهن البعض بالشكل الذي تستحق، على الرغم من الموهبة الجبارة التي كانت تمتلكها تلك السيدة.

طفولة غامضة 

يُعرف المرء من طفولته، ربما من هنا يبدأ الغموض حولها، فليس ثمة الكثير عن طفولتها، سوى أن خالتها هي السيدة زيزي الدجوي، زوجة الفنان كمال الشناوي، وأن خال والدتها هو الفنان القدير زكي رستم، كان لها من الأشقاء خمسة، وتوفي والداها في عمر صغير،  لهذا لم تفتقد الأمومة أبداً، ذلك أنها قامت بتربية إخوتها الخمسة: "فرق بيني وبينهم خمس ست سنين، بس أنا كنت الأب والأم لهم، مادياً ومعنوياً، من كتر ما ارتبطت بيهم امتلأت، ولاد أبويا وأمي أحب الناس لقلبي، سابوهم أمانة في إيدي، أحمد أخويا سيناريست ومخرج، بيزعل لأني بعامله إنه لسة صغير، كامل خريج تجارة، منى خريجة بالية، لسة بعاملهم كلهم إنهم أطفال".

ماجدة الخطيب
ماجدة الخطيب

لكن هذا ليس كل شيء، في الواقع انفصل والدا ماجدة، وقد تسبب لها هذا في غضب شديد خاصة حين تزوجت والدتها للمرة الثانية: "كنت رافضة هذا الزواج، لكن حسيت إنها من الستات اللي ماتقدرش تعتمد على نفسها، طول عمرها متجوزة وعايشة في بيت، وأبويا هو اللي بيسيرها ويسيطر عليها واقلعي ده والبسي ده، خدت أنها تكون ست لازم يكون جمبها راجل، فطبعاً بعد ما انفصلوا وقطعنا الأمل إنهم يرجعوا لبعض، تزوجت شخص آخر، بينما أنا كنت مرتبطة بأبويا جداً، كنت شايفاه أهم راجل في الدنيا، كل الرجالة أقل منه كتير، لكن والدتي اتجوزت وحملت في سن كبير نسبياً، والدكتور حذرها من خطورة الحمل، بعد 5 ولادات سابقة، لكنها رفضت نصيحتي بالإجهاض وكملت الحمل، وفعلاً ماتت أثناء الولادة". غضب وغل شديدان تملكا ماجدة التي كانت بحاجة لوالدتها تماماً كأشقائها الصغار، لكن مشاعرها الثائرة تحولت ناحية المولودة الصغيرة "ريم": "معرفتش أطلع غلي في مين، مكنتش بديها نفس الاهتمام، ولا نفس العطف والحنان، ورفضت أشوفها فترة كبيرة، وخالتي هي اللي كانت بتتابعها وتربيها، 10 سنين مقاطعة لكن ريم اللي رجعتني لها، كانت بتقابلني بابتسامة طفلة جميلة، وتحبني، لما كانت تشوفني كأنها لقت لقية، ضميري صحي، واتكسفت من نفسي، واستوعبت إنه قضاء ربنا، لما أبص في عنيها أحس بخجل وإني صغيرة ووحشة جداً".

صحيح أنها لم تتحدث كثيراً عن أفراد عائلتها ولا تجمعهم بها صور، إلا أنها وفي حوار سابق وحيد عرجت على سيرة جدتها فقالت: "هي اللي حببتني في السينما، كانت ست تركية مصرية، كانت غاوية سينما جداً، وجه وقت دكتور عالجها غلط، كنت العكاز بتاعها، تتسند عليها ونروح السينمات وأحكيلها الأفلام".

حين قيل لها "صوتك بشع"

كانت بداية ماجدة الخطيب مع أدوار صغيرة في أفلام مثل حب ودلع ولحن السعادة، لكنها وعقب سنوات قليلة ظهرت في حجم مماثل لحجم كل من شادية ورشدي أباظة على أفيش فيلم "نص ساعة جواز" من إنتاج رمسيس نجيب عام 1969، والذي مثّل بداية قوية جداً لها، واضطهاداً قوياً أيضاً كاد يفقدها ثقتها في نفسها وأن ينهي مشوارها الفني لولا إصرارها ومساعدة كل من شادية ورشدي أباظة لها، تقول: "رمسيس نجيب قال إن صوتي بشع وإني مش ممكن أعمل بطولة مشتركة مع شادية بالصوت الرجالي ده، وإداني دروس عند مدام راكي وبعد أسبوع رحنا نتفرج  على البروفات، لاقيت نفسي بمثل إني بمثل، صوت مش صوتي وشخصية مش بتاعتي، قولتله مش هاشتغل بالصوت اللي عملاه مدام راكي، وبكيت بشدة لأن المخرج قال يبقى كده هاتمشي من الفيلم، وده كان بالنسبة ليا فرصة كبيرة، دخلت أوضتي أعيط، لاقيت شادية في وشي والأستاذ رشدي أباظة سألوني عن السبب وفهمتهم اللي حصل، ووقتها هما الاتنين عملوا رباطية وأصروا إني أقدم دور داليا بصوتي الطبيعي، بدون افتعال أو تمثيل فوق التمثيل، وفعلا نجحت".

ماجدة الخطيب

هكذا أوقفها "زائر الفجر" 

واصلت ماجدة الخطيب عملها بنجاح، فشاركت في أفلام كبرى مثل "ثرثرة فوق النيل" و"شيء في صدري"، وحصلت على جائزة التمثيل "الهرم الذهبي" عام 1966، ما أعطاها ثقة كبرى في نفسها، حتى وصل الأمر إلى أنها بدأت في إنتاج الأفلام بنفسها، فأنتجت لنفسها فيلمي "امتثال" و"زائر الفجر"، والذي شاركها بطولته كل من عزت العلايلي وتحية كاريوكا، عن قصة صحفية تتعرض للموت وتبدأ الأسئلة حول السبب الحقيقي لوفاتها في الظهور، إلا أن الفيلم وبمجرد نزوله إلى السينمات عام 1973 تم منعه من العرض لما فيه من إسقاطات سياسية وجمل مثل "البلد دي ريحتها فاحت" وغيرها، فيلم زائر الفجر الذي تسبب في وفاة مخرجه ممدوح شكري بسبب سوء حالته النفسية، لم تقبل منتجته مادة الخطيب بما جرى معه، فقامت بالاتصال مباشرة بالرئيس أنور السادات، حيث تم تحديد موعد لها، قبل أن تذهب فعلاً، لكنها لم تجد السادات: "يومها كان مشغول جداً، قابلتني زوجته السيدة جيهان السادات، قولتلها مانعين الفيلم وأنا بقيت قاعدة في البيت خلاص، قالتلي سيبيه وهانشوفه، الحقيقة إن البلد كانت في ظروف مش حلوة، مكانوش هاينتبهوا لفيلم وقتها، كان في وقتها مظاهرات الجامعة، وأحداث كتير، بعد سنة من زيارتي اتصلوا بيا وقالولي الفيلم مفيهوش حاجة، وفعلاً رجع يتعرض لكن مخدش حظه، مع إنه فيلم محترم جداً، لما تنزلي فيلم عن حدث الناس عايشاه غير لما تنزلي بعد نهاية الحدث بكتير".

حسناً، كانت ماجدة الخطيب ذكية جداً، فلم تحتك بالسلطة مرة أخرى، هكذا أنتجت أفلامها التالية "في الصيف لازم نحب" عام 1974، و"توحيدة" عام 1976 و"13 كدبة وكدبة" عام 1977، قبل أن تعود إلى نوعية الأفلام التي تحب مرة أخرى بفيلم "الهروب من الخانكة" عن أحداث مارس 1954، ذلك التي أنتجته وارتضت فيه أن تظهر حليقة الرأس، فاقدة العقل، في مستشفى للأمراض العقلية، على غرار "زائر الفجر"، هذه المرة الضحية "نشوى" مذيعة بالتلفزيون، تقدم قضايا فساد للرأي العام، يلقي بها شقيقها في مستشفى للأمراض العقلية، حيث يتم قمع المعارضين والمعتقلين السياسيين، ويتم مسح أدمغتهم عبر عزلهم في عنابر خاصة، هناك في المستشفى صحفيون شرفاء ومعارضون أقوياء، هذا الفيلم منع أيضاً من العرض ولكن ضمنياً، ربما لن تراه أبداً غير في نسخته المسربة عبر المواقع الإلكترونية الخاصة، حيث تظهر لك جودة الكادرات وقوة الإنتاج والإخراج، كان هذا فيلمها قبل الأخير الذي أنتجته قبل "ابن تحية عزوز" عام 1986، من تأليف وإخراج شقيقها أحمد الخطيب. لا يزال كل من "زائر الفجر" و"الهروب من الخانكة" ممنوعين -ضميناً- من العرض، لن تراهما على الشاشة أبداً.

ماجدة الخطيب
ماجدة الخطيب في فيلم الخانكة

15 عاماً من البكاء والتيه 

"أول يوم دخلت السجن كان أقسى يوم في حياتي، لأنني تحولت من مواطنة شريفة إلى إنسانة خارجة عن القانون، ولكن الذي خفف ذلك الواقع المرير زميلات السجن، كانوا يعاملونني على أنني نجمة سينمائية كبيرة"، في الثمانينيات، كانت ماجدة الخطيب على موعد مع حادث ضخم، تقول إن أحدهم انحرف بسيارته عن المسار، فحاولت أن تفادي الاصطدام به، إلا أنها على الناحية الأخرى صدمت شخصين بالفعل، مات أحدهما، لتبدأ معاناة طويلة لم تنته حتى وفاتها، تقول: "مفيش إنسان بيسوق عربيته وعاوز يموت حد أو يعمل حادثة، اللي حصل عملت حادثة خارجة عن إرادتي، لما حصل وتوفى الرجل فضلت 15 سنة مش بسوق عربية، وعندي عقدة من العربيات، وعشت في محنة طويلة، 15 سنة بعيط كل يوم بالليل، وأقوم من النوم مفزوعة، مش عارفة أتصرف، روحت لأهله وراضيتهم، لكن فضل عندي إحساس داخلي إني أذيت إنسان".

لم يكن هذا هو عقابها وحسب، فقد تم حبسها في أعقاب الحادث 8 أشهر حتى تمت محاكمتها وحكم عليها بالحبس عاماً مع وقف التنفيذ، وغرامة بلغت 5 آلاف جنيه، لكنها وعقب 3 أعوام من الحادث الأول، ألقي القبض عليها بتهمة تعاطي المخدرات، وحكمت عليها المحكمة بالسجن لمدة 5 سنوات، لكنها هذه المرة لم تحتمل فكرة العودة إلى السجن مرة أخرى، ما دفعها إلى الهروب خارج البلاد، حتى يسقط الحكم، لكنها كانت تجربة مريرة عرفت خلالها معنى الجوع والعوز والفقر والوحدة، "مكنتش هاصمد في السجن مرة تانية، معرفش كان هايحصلي إيه، كنت هاطلع مجنونة، أو مشلولة أو مطلعش، مكنش عندي قوة أو صحة، جوه دنيا تانية تضيع اللي مايضعش، في الغربة كان سجن أكبر من سجن مصر، هناك اتعلمت أفوت، وإن الحياة بسيطة، اتعلمت أكون متسامحة وعرفت قيمة القرش اللي مكنتش أعرف قيمته".

ماجدة الخطيب

لهذا كسرت هياتم قدمها 

في التسعينيات حاولت هياتم أن تدخل إلى مجال الإنتاج، فقامت بإنتاج فيلمين، ومسرحية، لعبت بطولتها مع عدد من الفنانين بينهم ماجدة الخطيب، لكن يبدو أن الإيرادات لم تكن بالحجم المتوقع، ما جعل هياتم تطالب الفنانين المشاركين بتخفيض أجورهم، فضلاً عن تأخير بعض المستحقات، لكن الأمور تطورت سريعاً إلى درجة الاشتباك البدني، حيث قامت الخطيب بإصابة هياتم بارتجاج في المخ بواسطة "فرشاة شعر"، بينما قامت هياتم بكسر قدمها، في مشاجرة عنيفة جداً، تبادلا من بعدها محاضر السب والقذف والتقارير الطبية من المستشفيات المختلفة. تقول هياتم: "مسكتني على غفلة شدتني من شعري، واللي قاعدين هم اللي خلصوني منها، قالوا إني أنا اللي ضربتها، هو أنا لازم أتدبح أو أتشوه عشان يتقال إني اتضربت؟"، انتهى الأمر في النهاية بالصلح، عقب 3 سنوات من الاتهامات.

3 زيجات في حياتها 

تزامن انفصال ماجدة الخطيب عن زوجها الأول محمد رياض، مع بعض الشائعات عن قصة حب عاشتها من بعده مع شخص يمني، صحفي يدعى محمد زين، بحسب جريدة الأهرام المصرية، والذي رفضت عائلته زواجهما، ما أصاب الخطيب بحالة نفسية سيئة، ربما هذا من أشارت إليه في لقاء سابق لها حين سُئلت:

حضرتك في حاجة عملتيها ندمتي عليها؟

فأجابت: آه، حبيت مرة إنسان مكانش لازم أحبه؛ كان أقل من مستوايا العاطفي، كان واخد الحب بطريقة سطحية جداً، معرفش يقدر معنى العواطف الكبيرة، يعني إيه واحدة تحب وتخلِص.. تتفانى، ما هي بردو غلطتي أنا، هو إنسان غير أهل للثقة.

حسناً، أنت لن ترى لها صورة مع زوجها أبداً، كان زوجها الأول محمد رياض، يكبرها في العمر كثيراً، وقد ساعدها على إقامة صالونات فنية وندوات، كانت الحياة بينهما مثالية بحسبها: "كنا نخرج نروح مطعم نتعشى أو بيجيلنا أصدقاء كابلز، حياة رسمية واستقرار وعقل، هو حبني جداً وتبناني، لكن حصل صراع، محبتش إنه يكون رقم واحد، وده كان غلط، لما بفتكره بندم لأنه كان يستحق يكون رقم واحد في حياتي". 

هكذا جاءت الزيجة الثانية في حياتها عاصفة للغاية، حيث تزوجت من مدحت الهواري طليق ابنة مريم فخر الدين، تقول: "عرفته عقب 10 أيام من الطلاق، وتزوجت عقب 3 شهور، لذلك تخيلوا أني السبب في انفصالهم، كان شاب بيحب التنطيط والسهر، روتين ماتعودتش عليه". صحيح أنهما لم يواصلا الزواج طويلاً، لكن الفنانة مريم فخر الدين ظلت تكيل لها الاتهامات بأنها امرأة "خطافة رجالة"، إلا أنها ظهرت مع صفاء أبو السعود لتقول الجملة الأبرز والأكثر صدقاً: "مفيش حاجة اسمها ست تخطف راجل، الراجل لو عاوز يتخطف هايتخطف لوحده، مش هاقعد أرسم وأعمل".

لا تتحدث كثيراً عن الشخص الثالث الذي كانت تستعد للزواج منه، فقط أشارت إلى أنه شخص نصاب أوهمها أنه ليس مصرياً، لكنها اكتشفت لتقطع علاقتها به فوراً، لكن اللافت حقاً بالنسبة لي أنها على الرغم من كل العقبات في حياتها لم تتوقف لحظة عن العمل، حتى اللحظة الأخيرة، حيث توفيت قبل عرض عملها الأخير "لا أحد ينام في الإسكندرية"، وقد توفيت في عمر الـ63 عاماً بالتهاب في الرئة، حيث ظلت أسبوعين في المستشفى قبل أن تتوقف أجهزة جسدها عن العمل وتعود إلى بارئها يوم 16 ديسمبر/كانون الأول من عام 2006.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد