ما معنى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟ هل هي إنجاز وانتصار حقاً، أم مجرد خطوة لتحويل العدو إلى خصم يمكن التفاوض معه على الفواشات العوامات التي زرعها في البحر، والألغام التي زرعها في البر؟!
هي إنجاز لو أن الطرف المقابل كان فلسطينياً، أي كنا أمام اتفاقية بين إخوة، لكن أن يكون ممثل فلسطين في هذه الاتفاقية هو الكيان الذي اغتصب أرضها، فهذا يعني أن النصر هو نصر إسرائيلي بامتياز، وأن الطرف اللبناني قام بخطوة نحو تطبيع مقنع؛ لأنه يخجل من التطبيع الصريح!
وهل كان هناك من بديل آخر؟ سؤال يطرحه بعض المطبلين والمزمرين في لبنان، من خلال ترويجهم لنجاحهم المزعوم في تحقيق هذه الاتفاقية، وحجتهم أن الرؤية الجيوسياسية والمشروع الأميركي في المنطقة يفرض ذلك، وإن حصل بعض الإجحاف، فهذا أفضل من لا شيء.
لو سلمنا جدلاً أن الإرادة الأميركية قدر محتوم، فقد كان بالإمكان عدم التعجل، لكن، ولغاية دنيئة، ينام مرسوم الخط البحري رقم 29 الذي يضم حقل كاريش دون توقيع في أدراج رئاسة الجمهورية؛ لمنعه من الوصول إلى التسجيل في الأمم المتحدة. هذا الخط الذي كان أساساً للتفاوض في الناقورة بين الوفد العسكري اللبناني والإسرائيلي، لكن تم كف يد رئيس الوفد العسكري اللبناني عن هذا الملف حتى أن اتفاقية 17 مايو/أيار، التي سميت باتفاقية الذل والإذعان اعترفت فيها إسرائيل للبنان بحدود بحرية أفضل مما ورد في هذه الاتفاقية.
لكن طابخ السمّ آكله، وقبل توقيع اتفاقية الترسيم بين الطرفين حذّر عراب الاتفاقية الاميركي، شينكر، من انتخاب صهر الرئيس رئيساً للجمهورية بسبب فساده، قائلاً لمندوبة جريدة الشرق الأوسط "في نهاية المطاف سيكون القرار بيد الشعب اللبناني في اختيار رئيسه، لكن ستكون هناك تداعيات لانتخاب رئيس متهم بالفساد، بل يُنظر إليه كأحد أبرز الفاسدين في لبنان".
هذا الفيتو الأميركي الواضح على انتخاب صهر الرئيس تقابله خيبة أمل كبيرة في القصر الجمهوري، لكن فليكن عزاؤهم الوحيد هو نقل مرسوم حقل كاريش من أدراج القصر الجمهوري إلى خزائن الرابية للذكرى، ونأمل أن يتعظ من ذلك من تخلى عن حقوق بلاده الوطنية من أجل توريث الصهر العزيز.
وليس بنافع المفاخرة بأن المراسيم صدرت في بداية العهد، وأن الترسيم أتى في نهايته، لأن مطلع العهد كان نحساً ونهايته مجاعة تشتاق إلى كل مواطن في لبنان.
ويبقى السؤال: كيف سيستفيد الشعب اللبناني من ثرواته من حقل قانا مثلاً إذا لم تكن مآقيه قد جفت احتجاجاً على هذه الاتفاقية؟ يبدو أن هناك شركات بترول وهمية تعود ملكيتها لذئاب السلطة الحاكمة تتربص بمنتوج هذه الآبار لتقاسمها فيما بينهم، كأنها ملكهم الخاص، هؤلاء الذئاب استعجلوا الترسيم لتكرار حكاية الخليفة هارون الرشيد مع الغيوم، حيث كان يخاطب الغيمة التي تمر فوق قصره قائلاً: "أمطري حيث شئت، فسوف يأتيني خراجك".
لكن، فليعلم هؤلاء أن إيرادات الموارد الطبيعية لا تشبه، من حيث طبيعتها، الإيرادات الضريبية، حيث للسلطة حق التصرف بالايرادات الضريبة كما تشاء أم الإيرادات الطبيعية، فأصحابها هم الشعب اللبناني مباشرة، ولا حق للسلطة بالتصرف بها مثلاً لتسديد ديون الدولة، بل عليها البحث عن موارد أخرى. لذلك لا مفر من إنشاء صندوق سيادي يتولى أمر التصرف بالثروة الطبيعية لصالح كل فرد من أفراد الشعب اللبناني عبر آليات واضحة لا يدخلها محسوبيات أو فساد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.