إغراء الشعبوية.. هل يشهد العالم انبعاثاً جديداً للفاشية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/12 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/12 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش

في غضون شهر سبتمبر/أيلول المنصرم، اهتزت الساحة السياسية الأوروبية بفوز اليمين المتطرف في كل من السويد مع حزب "ديمقراطي السويد" ذي الجذور النازية، ثم مع حزب "إخوة إيطاليا" الذي تتزعمه جورجيا ميلوني، التي لم تكن تخفي تعاطفها مع الاتجاه الفاشي وإعجابها بالزعيم موسيليني.

وللحدث الإيطالي خصوصيته، فقد كان يُنظر دوماً إلى إيطاليا كمختبر أوروبا، ففيها بدأت الفاشية قبل أن تنتقل إلى ألمانيا، وبها ظهر تنظيم "الكتائب الحمراء" الإرهابي لينتقل تأثيره إلى تنظيم "الفعل المباشر" في فرنسا، وبها برز الشعبوي الأخرق مع برلسكوني بأسلوبه البذيء، الذي سوف يهيئ لترامب، وتبقى إيطاليا من أهم المراجع التنظيرية للفعل السياسي، منذ ماكيافيلي، إلى كرامشي مروراً ببارتيو صاحب نظرية "النخبة"، إحدى أهم أعمدة التحليل في علم السياسة.

 يُنظر إلى إيطاليا كحاملة لإرهاصات التوجهات العميقة التي اعتورت أوروبا.. وهذا ما يثير الاهتمام. ولذلك لا تُعتبر الانتخابات الأخيرة في إيطاليا شأناً إيطالياً فقط، فهي تهُم دول أوروبا المنضوية في الاتحاد الأوروبي كذلك، لِما يطبع الاتجاهات اليمينية المتطرفة ما يُعرف بالنزعة السيادية والشك في الاتجاه الأوروبي.

 ولئن عبّرت الزعيمة الإيطالية عن التزامها بالإبقاء على عملة الأورو، والتوجه الأطلسي، وإدانة روسيا في حربها على أوكرانيا، (ولو أنه سبق لها أن اعترضت على العقوبات المفروضة على روسيا)، فلأنها تحتاج إلى بروكسيل لتجاوز التداعيات السلبية لأزمة كورونا فضلاً عن الوضع الاقتصادي الحرج لإيطاليا. بيد أن أدبيات الأحزاب اليمينية المتطرفة تبقى حاملة لراية التوجه السيادي، ومنتقدة لما تسميه بيروقراطية بروكسيل. إلى ذلك تنظر فرنسا، أو على الأصح الرئيس ماكرون، بتوجس شديد إلى حزب "أخوة إيطاليا"، وزعيمته التي سبق أن انتقدت انتقاداً لاذعاً الرئيس الفرنسي حينما اعتبر رفض وزير الداخلية حينها ماتيو سيلفين سنة 2018، لباخرة Aquarius تُقل مهاجرين أفارقة الرسو في مرفأ لامبيدوزا الإيطالي، مقززاً، وكانت ميلوني قد ردت بأن المثير للتقزز هو نفاق فرنسا. تنطبع العلاقة ما بين فرنسا وإيطاليا باهتزاز منسوب الثقة؛ إذ يستشعر الإيطاليون بخذلان فرنسا لهم في الملف الليبي، وبعدم التنسيق معهم، والاستنكاف من التضامن أثناء جائحة كورونا. ضعف منسوب الثقة ما بين بلدي الاقتصاد الثاني والثالث في الاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يؤثر على البنيان المتصدع للإتحاد الأوروبي الذي لم يتعافَ من خروج بريطانيا، والأزمة المالية التي ضربت اليونان.

الشعبوية
جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب فراتيلي ديتاليا الإيطالي اليميني المتطرف (أخوة إيطاليا)، خلال مسيرة كجزء من حملة الانتخابات العامة، أيلول 2022/ Getty

إلى ذلك كله، سيُحفّز نجاح "أخوة إيطاليا" حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الفرنسي الذي تتزعمه مارين لوبان. 

وتهم الانتخابات الإيطالية الأخيرة الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط، لأن للحزب مواقف معارضة للهجرة، وتُعتبر كل من ليبيا وتونس من أهم المعابر إلى مرافئ إيطاليا، فضلاً عن جالية مغربية عريضة…

 فوز "أخوة إيطاليا" يعتبر قوة الدفع الثالثة للاتجاهات الشعبوية، بعد قوة الدفع الأولى للبريكست (2016) (خروج بريطانيا من الاتحاد تحت تأثير الحزب اليميني المتطرف "استقلال")، ثم انتخاب ترامب (2017)، قوة الدفع الثانية الذي أعطى للشعبوية اليمينية ملمحها المميز. نحن على مشارف تحول كبير في المشهد السياسي على المستوى العالمي مع قوة الدفع الثالثة. وكان مما لفت انتباه المتتبعين اللقاء الذي دعا له حزب فوكس الإسباني ذو التوجه اليميني المتطرف، في 10 أكتوبر/تشرين الأول بمدريد للأحزاب اليمينية المتطرفة، والكلمة التي ألقتها جورجيا ميلوني، ودعت فيها إلى حركة "مواطني أوروبا"، ركزت فيها على الجانب الهوياتي لأوروبا "مسيحية وبيضاء"، حسب ما يدعو له زعيم المجر فيكتور أوربان، ولو أن ميلوني تحاشت ذكره وفضلت أن تقدم بولندا كنموذج، معتبرة في الوقت ذاته تجاوز ما أسمته بيوتوبيا اليسار.. أي أننا ولربما لأول مرة أمام إرهاصات "أممية شعبوية".

هل هو انبعاث للفاشية؟

 لا يمكن تصور انبعاث الفاشية بالشكل الذي ظهرت مع موسوليني، مع أسلوب التجييش والتعبئة والتنظيمات الموازية، والنزوع الشمولي، ولكن أمام شكل جديد للشعبوية؛ إذ كما يقول الكاتب الإيطالي بريمو ليفي، الذي استشهدت به كاتبة الدولة السابقة في الخارجية مادلين أولبرايت في كتابها "الفاشية، تحذيراً "لكل زمن فاشيته".

بعد اندحار تجربة موسوليني، عرف العالم تجارب كانت متأثرة بتجربة إيطاليا الفاشية، عُرفت بالفاشية الجديدة، كما في البرازيل، أو إسبانيا والبرتغال، أو حتى اليونان، أما المصطلح المستعمل حول تجربة كل من جاير بولسونارو في البرازيل، ومودي في الهند، ويدخل في خانته حزب "أخوة إيطاليا" والرابطة، و"فورزا إيطاليا" الذي يتزعمه برلسكوني فيُعرف بما يسمى "ما بعد الفاشية".. ويحمل الاتجاه الأول والثاني جينوم الفاشية، أو حسب ما أوردته الصحافة الإيطالية، من أن جورجيا ميلوني طلقت الفاشية ولكن أبقت علاقات ود معها…

الشعبوية
الديكتاتور الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني – Flickr

ومهما كانت التسمية، فاشية جديدة، أو ما بعد فاشية، أو شبه فاشية، حسب تعبير الرئيس بايدن في نعته لتنظيم "لنجعل أمريكا عظيمة ثانية" المعروف بحروفه اللاتينية MAGA فإن "ما بعد الفاشية" يحمل شيئاً من الفاشية، ومنه معاداته لشرائح من المجتمع، ودعوته للانكفاء، وتمجيده للقوة؛ مما قد يفضي للعنف… وهنا مكمن الخطورة.

تاريخياً، كانت الأزمة الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وقودَ الاتجاه للفاشية، وتعززت مع الأزمة الاقتصادية الكبرى، لسنة 1929. ويمكن اعتبار الأزمة الحالية مع التضخم وأزمة الطاقة والغذاء فضلاً عن الانكماش الاقتصادي وقوداً لما يسمى ما بعد الفاشية.

التطور الذي يحدث في إيطاليا يهم الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط، بالنظر لمواقف الأحزاب اليمينية المتطرفة من الهجرة، وتوجهاتها التي تنسكب في معاداتها للمسلمين أو الإسلاموفوبيا…

ليس ذلك فحسب، فمن شأن الشعبوية في الضفة الشمالية لحوض البحر الأبيض المتوسط، أن تؤثر في الضفة الجنوبية، وتمارس ما يسميه عالم السوسيولوجي التونسي حمادي الرديسي بإغراء الشعبوية… فالعالم العربي لم يكن قط بمعزل عن التوجهات العالمية الكبرى، وقد يرى البعض في ما آلت هي الأمور في تونس مع الرئيس قيس سعيّد، إرهاصاً لما قد يؤول إليه العالم العربي، بعد اندحار سردية القومية العربية وأزمة الإسلام السياسي. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حسن أوريد
الكاتب والمفكر المغربي
الكاتب والمفكر المغربي
تحميل المزيد