تعيش إيران في خضم حمى وأمواج انتفاضة منذ ما يقرب من شهر، وكل الأنظار متجهة صوب هذه المنطقة من العالم، ذلك لأن الحراك الشعبي هذه المرة قد يقلب المعادلات بشكل كلي، وربما يجتاز "نقطة التحول".
فاستمرار الانتفاضة على توسعها، وبنفس المستوى من الغضب تجاه الحكومة، وتصميم الشعب على تغيير النظام، خاصة مع الحالة المنظمة للمتظاهرين في جميع أنحاء إيران، تُعد من بين السمات البارزة للهبّة الحالية التي تهز أوصال النظام.
بعد 18 يوماً من المظاهرات والدماء ظهر آية الله خامنئي على مسرح الأحداث، ولم يكن في جعبته سوى الوعيد والتهديد بالمزيد من "القمع" و"العنف"، في تكرار لخطابات الديكتاتوريين المرتعدين عبر التاريخ.
غضبٌ على غضب!
دخل خامنئي المسرح بأسلوب كل الديكتاتوريين، ووصف الشعب بـ"مثيري الشغب" و"الغوغاء" و"الانفصاليين"، ووصف حكومته وولايته بـ"المظلومين"!
وهنا خطأٌ كبير في تقدير خامنئي، إذ يعتقد أنه يمكنه البقاء في الميدان بالقمع والاعتقال والتعذيب والإعدام، لكن الحقيقة شيء آخر، ولن يعود الوضع إلى الماضي أبداً، ونهج الديكتاتور هذا سيزيد من تصميم وغضب الشعب وربما يجعل من سقوطه أكثر قرباً.
أوضاع إيران الحالية
لم يعد الناس خائفين وأصبحوا مبادرين في معركتهم مع النظام، وهذا أفضل تكتيك في مواجهة نظامٍ ديكتاتوري. لقد تبدّلت الأوضاع وانتقل الخوف الآن إلى الحكومة وقواتها الأمنية، وغلت وتفجرت قوة وقدرات الشعب الحبيسة، خاصة لدى الشباب والنساء، وقد بلغ ذلك الغليان حداً بعيداً، ولن يقبل الشعب الإيراني بأقل من "إسقاط" الحكومة الدينية برمتها، وهذا ما يعرفه جيداً قادة النظام أنفسهم ولا يُخفونه.
حيث أعلنوا في الآونة الأخيرة مراراً أن "الحجاب ذريعة، وأن مبدأ النظام علامة"، وهو كما قالوا خلال أحداث انتفاضة 2009 أيضاً أن "الانتخابات ذريعة ومبدأ النظام علامة"، في انتفاضة ديسمبر/كانون الأول 2017، ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، وكذا في سلسلة الانتفاضات والحركات الاحتجاجية استخدموا أيضاً جملاً مشابهة كردود على غلاء البنزين أو نقص الماء وغيرها من الذرائع، وأن "مبدأ النظام علامة".
وعليه فإن قادة النظام يعرفون جيداً أن ما يريده الشعب الإيراني هو إسقاط الديكتاتورية وإنهاؤها، ليس ذلك فحسب، بل إنهم مصممون على اقتلاع جذور هذه الشجرة الشريرة من إيران، الشجرة التي تجذرت في كل مدينة وقرية وفي كل زقاق وعائلة، ودمرت مصير إيران والإيرانيين.
حالة المجتمع الملتهبة
فيما تحتل وتتصدر أنباء الغضب والاستياء ومواجهة الشعب ضد الديكتاتورية الحاكمة العناوين الرئيسية لوسائل إعلام النظام والعالم، وتتابع شعوب العالم أخبار إيران بفارغ الصبر، تضامناً مع الشعب الإيراني، يتبادر هذا السؤال إلى الأذهان: هل ستؤدي هذه الانتفاضة إلى سقوط ديكتاتور طهران؟ أم تستطيع الحكومة قمعها والسيطرة على الوضع؟ وماذا ستكون الأوضاع في هذه الحالة؟
أسئلة ومخاوف
عادة ما يتزامن تصاعد الانتفاضات الشعبية مع ظهور المتسلقين وراكبي الأمواج والانتهازيين، ويتزامن كل منها مع تنامي وتطور الانتفاضة، وتجدهم يتقربون من الشعب، وتظهر العديد من التيارات والقوى القديمة والجديدة عائمة على سطح المشهد، ويلعب كل منها دوراً، ولكن يجب ألا ننسى أن القسم الأعظم منهم ينمو كعشب الربيع ويزول أمام حقائق المجتمع بعد بضعة أيام، وهؤلاء هم من فئة "راكبي الأمواج" و"الانتهازيين" الذين سرجوا وزينوا "الخيول" وخيطوا "الأكياس"، لكنهم لا يدركون أن الحقائق أصعب بكثير مما يعتقدون أو يفكرون.
في ظروف تكون فيها الاضطرابات والعواطف جزءاً خاصاً مترابطاً لا ينفصم عن الرغبة الرئيسية للشعب في "إسقاط" هذا النظام برمته، فإن لكل شخص أو تيار قضية على الرغم من أن لكل شعار ومطلب أيضاً سجلات سوابق وهدفاً وعمقاً، وعليه فإنه في كل تحول كبير مُرتَقَبْ اختبار لكل منها، يتطلب اليقظة وموازنة الرغبة مع الهدف الأساسي للشعب؛ إسقاط هذا النظام!
التهديدات المصاحبة لفترة الانتفاضة
في هذه الأوضاع المتفجرة، حيث ستؤتي انتفاضة الشعب ثمارها ويزهر "الورد"، ستستخدم الديكتاتورية الحاكمة خبراتها القديمة والدروس من أسلافها، حتى لا تستسلم للانهيار، وتتمكن من الوقوف على قدميها، كما ستحاول تغيير مسار انتفاضة الشعب وجرها إلى مسار مختلف، وبهذه الطريقة يتمكنون من تحجيم المسألة، وبالتالي البقاء في السلطة.
والسيناريو الأكثر شيوعاً للديكتاتورية الحاكمة والعملاء المعادين للثورة هو صناعة وبث "التفرقة والانقسام" في صفوف الثورة، واستخدام الأوراق المحترقة سابقاً مثل الانفصالية، وانهيار إيران، وغياب قيادة الانتفاضة، والفوضى والفوضوية وغيرها.
معيار مُضي الثورة قدماً
وعليه واستناداً لعظمة ما تضطلع به الانتفاضة الحالية، التي قد تتحول إلى ثورة، وعواقب هذا التحول الكبير، فإن ما ينبغي أن يكون دليلاً للعمل وشعاراً رئيسياً ومعياراً لقياس الحركة الصحيحة هو تجنب التقليل من قدر الشعب من أجل إسقاط النظام، والذي سيكون أول ثماره الحرية وإرساء قواعد السيادة الوطنية وقيام سلطة الشعب، تنصيب حكومة لا تعتمد الإكراه والقمع وإراقة الدماء، حكومة تقوم على الحرية والتعايش والمساواة، إن إبراز الخلافات حول قضايا مثل الحجاب والعَلَم والقومية والدين وغيرها في هذه المرحلة الحرجة لن يخدم الشعب.
إن القضية الملحة الآن التي تواجهنا نحن الإيرانيين اليوم هي إنهاء الديكتاتورية وإقرار حق الشعب في الحرية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.