قال لي: “لا أشعر بزيادة إيمان في قلبي بتلاوة القرآن” ولم أرد عليه.. الآن أمتلك الرد يا صديقي

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/11 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/11 الساعة 12:48 بتوقيت غرينتش
ما سر قرارات وزارة الأوقاف الأردنية تجاه أندية الطفل القرآني؟

حدَّثني أحدهم يوماً فقال: إني أقرأ القرآن كثيراً ولا أشعر بأي تغيير في سلوكي وأفعالي! وأكمل: أختم القرآن في رمضان ولا أتأثر بشيء، ولا أشعر بجديد في قلبي. وختم بقوله: لا أشعر بزيادة إيمان في قلبي بتلاوة القرآن، بل أعود إلى الذنوب والمعاصي التي تركتها!

ألا يقول القرآن: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً" فأين هذه الزيادة إذاً؟!

لم أستطع الرد عليه وقتها، وفكرت قليلاً حتى أستجمع الكلمات، ولكني تلعثمت وتركته وانصرفت وانصرف هو أيضاً ولم أجبه عن تساؤله؛ لكن ظل هذا التساؤل يراودني كثيراً حتى اليوم.

ما علاقة الإيمان بالقرآن؟
هل هي علاقة ابتداء؟

يعني هل أحتاج القرآن ابتداءً ليدخل الإيمان في قلبي؟
أم هي علاقة طردية؟ يزيد الإيمان بقدر زيادة تلاوة القرآن وحفظه؟
أم هي علاقة تثبيت على الإيمان والطريق نحو الله والجنة؟

أم هي كل ذلك في المجموع؟

أسئلة كثيرة متصلة ومنفصلة، ربما نجد الإجابة عنها في السطور القادمة بتوفيق الله ورحمته.

الحقيقة أن إجابة سؤاله كانت موجودة في نفس الآية التي ذكرها صديقي، بَيدَ أنه وإياي لم ندرك هذه الإجابة ولم نفطن إليها.
وربما كان اجتزاؤها من السياق سبباً لذلك، أو لغفلتنا عن السبيل الصحيح والغاية الكبرى لفهم هذا القرآن وآياته، أو لغير ذلك من الأسباب.

فعندما نتأمل هذه الآية بكامل سياقها المذكور نجد القرآن الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، قد أجاب عن أسئلة أرّقتنا وقَضّت مضاجعنا.
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقَّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)"، (سورة الأنفال).

بداية الآية كانت قصراً وحصراً لكي يفهم القارئ أنَّ الصفات المذكورة والأوصاف المتتابعة لا تكون إلا للمؤمنين، ولا تحدث إلا مترابطة مجتمعة غير متفرقة ولا متقطعة.
إن الحصر المذكور فيه جزم دقيق بأن الإيمان الذي يستوجب الطمأنينة في الدنيا، والأجر الكبير في الآخرة (الجنة) هو الإيمان الكامل، إن هؤلاء الذين هذه صفاتهم ونعوتهم هم أهل الإيمان حقاً، هم المؤمنون الصادقون.
ولذلك يقولون إن من لم يجد في نفسه وعمله هذه الصفات لم يجد الإيمان، ولم يكن مؤمناً حقاً.

وأُسلِّمُك إلى حبر هذه الأمة وترجمان قرآنها عبد الله بن عباس، الذي فقّهه الله في الدين وعلَّمه التأويل، استجابةً لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون على الله، ولا يصلّون إذا غابوا عن أعين الناس، ولا يؤدُّون زكاة أموالهم، فأخبر الله سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال: "إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم"، فأدوا فرائضه "وإذا تُليت عليهم آياتُه زادتهم إيماناً"، تصديقاً، "وعلى ربهم يتوكلون" يقول: لا يرجون غيره". انتهى كلامه رضي الله عنه. (انظر تفسير الطبري في الآية 2 سورة الأنفال)

والقلب المؤمن يجد في آيات القرآن ما يزيده إيماناً وما تطمئن إليه نفسه، وتسكن إليه روحه. القرآن يحجب الغشاوة من الأبصار، والطمس من القلوب ليذوق العبد حلاوة الإيمان ويجدها في قلبه، فإن القلب المؤمن هو الذي يدرك أن آيات القرآن تزيده إيماناً.
"وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسَاً وَلَا رَهَقَاً" (سورة الجن)

ولعل من جميل قدر الله- وأنا أبحث في سؤال صديقي- أن وقعت عيني على حديث أنهى كل التساؤلات، وقضى على كل الشكوك التي كانت تساورني، هذا الصحابي الشاب جندب بن عبد الله، الذي يقترب عمره من أعمارنا، يجيب عما يدور في أذهاننا نحن الشباب فيقول: "كنَّا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ونحنُ فتيانٌ حزاورةٌ، فتعلَّمنا الإيمانَ قبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ، ثمَّ تعلَّمنا القرآنَ فازددنا بِه إيماناً"، رواه ابن ماجه (52) وصححه الألباني.

كانوا حزاورة قاربوا على البلوغ (15 عاماً) تعلموا الإيمان وأركانه، تعلموا العقيدة الصحيحة من دون إفراط ولا تفريط، أخذوها من المنبع، من المعلّم الأول لكل ما جاء من عند الله، آمنوا بكتاب الله قبل أن يقرأوه، حقّقوا العلامة الكاملة! فلَّما تعلموا القرآن تلاوةً وقراءةً وحفظاً ودراسةً ازداد إيمانهم، وقويت عقيدتهم.

وهذا ما قصَدَته الآية يا صديقي- إن كنت تقرأ- ولم ننتبه إليه "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً".

وبهذا الإيمان الذي تعلموه كانوا يجدون في القرآن ذلك المذاق الجميل، عاشوا القرآن فعلاً وواقعاً، ولعل ما قاله عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- كان فيه ما أجاب عما وقع في القلوب من إشكاليات.
يقول: "لقد لبِثنا بُرهةً من دهرٍ وأحدُنا ليؤتَى الإيمانَ قبل القرآنِ، تنزلُ السورةُ على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالَها وحرامَها وأمرَها وزاجِرَها وما ينبغي أنْ يوقفَ عنده منها كما يتعلمُ أحدُكم السورةَ، ولقد رأيتُ رجالاً يؤتَى أحدُهم القرآنَ قبل الإيمانِ، يقرأُ ما بين فاتحتهِ إلى خاتمتهِ ما يعرفُ حلالَه ولا حرامَه ولا أمرَه ولا زاجِرَه، ولا ما ينبغي أنْ يوقفَ عنده منه وينثرهُ نثرَ الدَّقْلِ".
والدقل: هو رديء التمر.. رواه القاسم بن عوف الشيباني، وأخرجه الطحاوي في (شرح مشكل الآثار) (1453)، وابن منده في (الإيمان) (207) واللفظ له، والحاكم (101).

فهكذا كانوا يعيشون مع ربهم ومع هذا القرآن الذي يتنزل عليهم.. ليس الإيمان عندهم بالتمني، وإنما ما وقر في القلب وصدقه العمل.

يا صديقي: 

إن من عظيم نعم الله عليك أن منحك قلباً حياً نقياً، يلين ويخشع، ويَوجَل خوفاً من عذاب الله، ورجاءً في ثوابه وفضله، قلبٌ وصفه الله بالخوف والوجل عند ذكره لقوة إيمانه ومراعاته لعظمة ربه، وكأنه بين يديه، ويزيد انشراحاً بكثرة الآيات التي تُتلى عليه!

"اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهَاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ"، (سورة الزمر: 23).

أخبرك الله بالإجابة يا صديقي فلا تبحث عنها في مكان آخر، يقول لك "وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، ومَن لنا غيره نلجأ إليه ونتوكل عليه ونرجو ثوابه؟ من لنا غيره نلقي همومنا على أعتابه؟
لا نرجو سواه، ولا نلوذ إلا بجنابه، ولا نقصد إلا إياه، ولا نطلب الحوائج إلا منه، ولا نرغب إلا إليه، ونعلم أنه المصرّف والمدبر والمتصرف في الملك وحده لا شريك له.

وأختم الإجابة فأقول: القرآن والإيمان بينهما علاقة تكاملية، لا يوجد أحدهما دون الآخر. نحتاج القرآن ليدخل الإيمان في قلوبنا، ونثبت على الطريق الصحيح، ونحتاج الإيمان أولاً لنؤمن بالقرآن حقاً، ونحتاج القرآن ليثبت الإيمان في قلوبنا وتنبض بحب الله والتوكل عليه والخوف من عذابه والشوق إلى لقائه.

يا صديقي: لا تدع القرآن يغيب عن قلبك وعقلك، واجعله حاضراً دوماً. فحضوره يقويك، ويجعل منك مؤمناً حقاً، ولن تجني من غيابه إلا موت قلبك.
والويل كل الويل لمن مات قلبه ولم تزل أنفاسه تلج وتخرج!

"لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"، (سورة الحشر: 21).

"وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنَاً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعَاً وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًاً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ"، (سورة الرعد: 31).

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر عز الدين
مدوّن مصري
تحميل المزيد