فتاة البيوت المؤقتة.. كيف يكشف “blonde” كابوسية حياة مارلين مونرو؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/09 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/09 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
لوحة مارلين مونرو التي بيعت في مزاد علني/رويترز

وجه واحد يعرفه الجميع بلا استثناء، تقريباً في كل العالم، ومنذ بداية استخدام الكاميرا وصنع الأفلام للتسلية أو لصنع فن يساعد الناس على تحمل شقاء الحياة، ومنحهم الأمل اللازم لاستكمال حياتهم، لم يمر على الشاشة وجه أجمل من مارلين مونرو، المرأة التي امتلكت عيوناً مغوية ومغرية للنظر إليها بشكل دائم للجميع، بلا تمييز بين رجال ونساء أو أطفال ظل وجه مارلين صامداً في الذاكرة الجمعية على أنه أجمل وجه، وظلت مارلين حتى يومنا هذا مثالاً حياً لم يمت، ولم يشِب في الذاكرة، ولم يذُب بفعل السنين الطويلة التي مرت على رحيلها، وكأنها برحيلها هذا، أقصد رحيلها المأساوي/ الدرامي في ذروة شبابها ضمنت الخلود. المرأة التي يعرفها الجميع ولا يعرفها أحد، بنفس بساطة وتعقيد الجملة لا تحمل اسماً واحداً، ولا قصة براقة واحدة، في سيرة طويلة متعددة ومتقلبة الفصول، ومتغيرة في أوجهها العديدة، هنا كتابة عن مارلين التي لا يعرفها الكثيرون.

طفولة نورما جين: بين الملاجئ والبيوت المؤقتة

من المفترض أن نحكي من الطفولة حينما نريد أن نحكي حكاية، ففي البداية حملت مارلين مونرو اسمها الحقيقي لعدة سنوات، هي سنوات الطفولة الأكثر تأثيراً في حياتها، والأكثر قسوة عليها، والتي بصورة غير مباشرة أسهمت في كل هذا الألق والتوهج الذي كانت عليه كنجمة، وأيضاً تسببت في نهاية حياتها بشكلٍ مأساوي غير متوقع. 

عاشت نورما/ مارلين سنواتها الأولى نزيلةً في الملاجئ؛ لأن أمها كانت فقيرة بصورة غير متصورة، ولم تكن تملك أمها الوقت الكافي للبقاء بجانب ابنتها! كما في كتاب "قصتي مارلين مونرو"، الذي سردته مارلين على الكاتب الصحفي والسيناريست "بِن هكت"، بعدما اتفقا ووقعا معاً عقود صياغة السيرة الذاتية للنجمة الهوليوودية الأشهر مارلين مونرو، باستخدام كل الوسائل التي تمنحها مارلين للصحفي والكاتب، مقابل حصوله على العائد المادي من نشر السيرة للصحافة، بشرط أن تقوم مارلين بتحريرها بعد الانتهاء منها. 

مارلين مونرو لوحة مارلين مونرو
النجمة الأمريكية الراحلة مارلين مونرو – Getty Images

في الكتاب الذي صدر بعد وفاة مارلين وهكت بعدة سنوات، والذي صدر باللغة العربية عن دار المدى العراقية، ومن ترجمة "باسم محمود"، تحكي مارلين شذرات من كل مرحلة، نبذات عما حفر في قلبها ندوباً وأثقل قلبها طيلة سنوات عمرها، وأصقل موهبتها وعزَّز ثقتها بنفسها، التي لولاها ما ولدت من جديد وأصبحت مارلين مونرو. 

تحكي مارلين عن أول مرة التقت بأمها وهي في السابعة، حينما أدركت أن من تعيش في بيتهم ليسوا إلا مجرد أسرة فقيرة تدفع لهم أمها خمسة دولارات أسبوعياً نظير الاعتناء بها، وفي المقابل تعمل هي في غسل الصحون وتنظيف وترتيب المنزل وأعمال شاقة عديدة، تقوم بها وهي ابنة سبع سنوات، بالإضافة لحديثها عن والدها الذي ظلت تحلم به لأيامٍ عديدة، بعدما رأت صورته على حائط غرفة نوم أمها. 

تحكي مارلين كمن يعتصر قلبه، لتُخرج كل القصص القديمة من قلبها المُعذّب، تشكّل في وعي نورما جين/ مارلين مونرو، منذ الطفولة، أن غياب: البيت، الأم، الأب، الدعم، الملابس الجديدة، هدايا عيد الميلاد، والشعور بالأمان هو نتيجة خطأ منها هي، وتولّد إحساس الذنب في كل مرة تقع فيها في المتاعب. 

في الطفولة لم يكن التحرش الجنسي الذي لاقته مارلين على يد الغرباء الذين سكنت منازلهم هو أقسى تجربة، بل كانت هناك أشياء أقسى كالشعور بالدونية، وبقاؤها في المرتبة الأخيرة دوماً بين كل أفراد البيت الذي تسكنه كان يُشعرها بانعدام القيمة، وككل المشاعر السلبية التي تكبر معنا ما لم تتم معالجتها في وقتها الصحيح كبرت نورما جين، وتشكَّل جسدها وصار بارعاً، ولكنها ظلت تعاني بسبب مشاكل الماضي.

ميلاد مارلين: سيرينا التي تلفت الأنظار

حينما انفصلت مارلين عن زوجها في المرة الأولى سعت لإيجاد نفسها، مارلين مونرو هو اسم منحته نورما جين لنفسها، وكأنها هكذا تُولد من جديد، بعدما أودعت أمها في مصحة عقلية وهي لم تتجاوز عشر سنوات، تعيّن على نورما أن تعيش لقيطةً، بأب غير معروف وأم مضطربة أنجبت فتاةً غير مرغوب فيها، عاشت مارلين جزءاً كبيراً في حياتها بهذين الشعورين، أمام حقائق لا يمكن إنكارها بالنسبة لها قررت مارلين أن تمتلئ بحب نفسها. ومن خلال العمة غراس، ولاحقاً "جوني هايد"، الرجل الذي أحبَّها بإخلاص، ولكنها لم تبادله الحب ستعرف مارلين أكثر عن نفسها، وستؤمن في لحظات اضطرابها بأن مارلين جاءت لتُعوّض نورما جين عن السنوات التي كان الجميع فيها يتجاهل رؤيتها لأنها عبء ثقيل، ولأنها بلا شيء يستحق النظر.

الشقراء 

في فيلم "Blonde"، الصادر في سبتمبر/أيلول 2022، من إنتاج شبكة "نتفليكس" العالمية، تلعب "آنا دي أرماس" دور "مارلين مونرو". من اللحظة الأولى لظهور "آنا" سننسى أنها ممثلة تقوم بدورها في فيلم يُدعى الشقراء، ستتجسد معاناة مارلين على الشاشة، وسيطغى جمالها على الفجوات العديدة في الفيلم. اختيار العنوان يحمل في طياته ما اختصره العالم في مارلين مونرو، هي ليست إلا شقراء جميلة، بجسد فاتن، تملك عيوناً مغوية، وتمشى على مَهَل، كما لو أنها تتعمد لفت انتباه الجميع.

يظهر في الفيلم المبنيّ على رواية الكاتبة "جويس كارل أوتس"، التي حملت نفس عنوان الفيلم، معاناة مارلين مع جمالها الفاتن، الذي جعلها مطمعاً للجميع. 

في البداية هم لا يريدون توقيع العقود معها؛ لأنها موهوبة أو جيدة، لا تجارب أداء ولا عقود مهمة في المقابلة الأولى مع رؤساء الاستوديوهات المهمين في هوليوود، جسد مارلين كان يمكن أن يكون تذكرة عبورها للسينما كنجمة من الطراز الرفيع، بلا أي عناء كالذي لاقته، ولكنها في سيرتها الذاتية ترفض هذا، وتؤكد أنها لم تقُم بالجنس للحصول على العمل، وأنها تضررت من التحرشات العديدة التي طَبعت على جسدها علاماتٍ منذ الطفولة؛ لأنها يتيمة بلا أحد. 

في الفيلم تحمل مارلين وتفقد أطفالها لثلاث مرات، ليس مذكوراً في السيرة أمر المرة الأولى، ولا العلاقة الجنسية الثلاثية التي لا يبدو وجودها في الفيلم إلا دخيلاً؛ لأجل ترويج فيلم مبني في الأساس على جسد الشقراء، أما في المرة الثانية فإنها تفقد جنينها من الكاتب "آرثر ميلر" من دون قصد، ما يتسبب في وقوعها في دوامة اكتئاب واضطراب عنيفة. 

مارلين التي بحثت عن الأب طوال حياتها ولم تعرفه دعت جميع أزواجها في الفيلم بـ"بابا". الفتاة التي تُدعى نورما جين لم يحبها أحد كما أرادت، ولم يمنحها أحد نصف ما وعدها به من أمان وحب، حتى آرثر ميلر نفسه لم يدعُها إلا بالنرجسية المضطربة. تشمل ثنائية الجسد الفاتن/ الاضطراب حياة مارلين بشكل دائم. 

حينما تزوجت في السادسة عشرة لم تكن مهتمة بشأن الجنس، وكانت تشعر تجاه زوجها بالرفقة الطيبة وحسب، أما زواجها من "جو ديماجيو"، نجم البيسبول الشهير، فلم يدُم لأكثر من عدة أشهر؛ لأنه كان يرى أدوارها الفنية مجرد "ترخيص لنفسها" وجسدها، أحبا بعضهما بشدة، ولكنه لم يتقبل أن تكون زوجته معروضة للجميع بهذا الشكل المبتذل. رؤية ديماجيو كانت نفس رؤية مارلين لبعض الأدوار الفنية التي قامت بها، وللعديد من الأفلام التي رفضت تأديتها، بسبب سعي المنتجين لترويج جسدها هي، وليس فنها كممثلة تحلم بأداء أدوار فنية جادة مبنية على أعمال قيمة لكُتّاب كبار مثل دوستويفيسكي وتشيخوف، الذين تعرفت عليهم في مراحل الدراسة العديدة لإصقال موهبتها.

يقع الفيلم في المنطقة الضبابية ما بين الحقيقي والمُتخيل عن مارلين، ليس فيلماً وثائقياً مبنياً على سيرة ذاتية شاملة عن مارلين، وليس فيه من تقصّي الحقائق ما هو مثبت بالصوت والصورة أو اللقطات التي تتحدث فيها مارلين عن نفسها، هو فيلم مبني على رواية تحكي عن مارلين، كما يمكن أن يتخيلها الجميع من خلال المواد المتاحة، فيلم يرتق الفجوات العميقة الموجدة في سيرة مارلين الذاتية. وينتهي الفيلم بانتحار مارلين دون أي شبهة جنائية، ولكن بعدما يتم إجهاضها من ابن محتمل للرئيس الأمريكي جون كيندي.

كيف رحلت مارلين مونرو؟ 

بعد مرور 60 عاماً على رحيل مارلين مونرو، التي يجب أن يتم تعريفها أيضاً باسمها الحقيقي "نورما جين"؛ لأنه جزء لم ينفصل عنها، بعد أكثر من نصف قرن، وعشرات الأعمال التي حملت اسمها عن طريق روايات مكتوبة عنها، أو مبنية على قصتها الحقيقية، أو مستوحاة من حياتها كنجمة شهيرة، ليس معروفاً حتى الآن كيف رحلت مارلين مونرو، هل كان الرحيل نتيجة تناول العديد من العقاقير المهدئة، أم نتيجة تعرضها لاغتيال مُدبَّر لعلاقتها الملتبسة مع عائلة الرئيس الأمريكي كيندي، أم أنه خطأ طبي تسبب في تفاعل المواد الكميائية العديدة التي كانت تتناولها مع بعضها البعض، أودى بحياتها بهذا الشكل المأساوي؟

تبدو مارلين كـ"سيرينا" عاشت لتخطف الأنظار فحسب، بدون قصد وبلا رغبة في الجنس ولا الإغواء، وقعت نورما جين في فخ عيون مارلين، التي عانت لأجل ما لم تنله، والتي حلمت العديد من الأحلام، ورغم ذلك لم يتحقق أبسطها، كمعرفة والدها أو تكوين أسرة هادئة، وكسيل النهر من علٍ انجرفت نورما جين، وسقطت بشكل مأساوي في دائرة استهلكت عقلها وقلبها وجسدها رغم كل المحاولات. 

لا يمكن الكتابة عن نورما من الذاكرة الجمعية؛ لأن ما قدّمته لم يكن كافياً للاعتراف بقيمتها كممثلة موهوبة، الجميع استغل رغبتها في المال وجمالها للحصول على أغراض عديدة منها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد