على مر التاريخ، رأت البشرية الكوارث الطبيعية كغضب قادم من السماء، فالدمار والموت والخوف والرعب الذي تخلفه هذه الكوارث، لا يدل في أعين البشر إلا على غضب الرب، وهكذا كان يراها البشر دائماً باختلاف حضاراتهم وأزمانهم وثقافاتهم كانعكاس لأعمالهم التي أغضبت السماء عليهم، وإعصار إيان الذي يفتك الآن بمساحات واسعة ما بين ولاية فلوريدا إلى جنوب كارولينا خير دليل على مقدار الرعب الذي يمكن أن تزرعه تلك الكوارث في قلوب البشر، لذا أولاً دعني أوضح لك ما هو إعصار إيان حقاً.
إعصار إيان
الإعصار إيان هو خامس أقوى إعصار يضرب الولايات المتحدة الأمريكية خلال تاريخها المسجل، إعصار بسرعة رياح تصل لـ150 ميلاً في الساعة، يقترب بشكل مرعب من قوة الإعصار تشارلي الذي ضرب سواحل فلوريدا الغربية عام 2004 والذي كان كذلك الإعصار الأقوى في التاريخ.
ورغم أننا الآن نمر بموسم الأعاصير الأطلنطية، إلا أن التغير المناخي، وعملية التدفئة المستمرة لأسطح المحيطات، قد مدت الأعاصير المعتادة بقوة مدمرة أكثر، وما حدث في مدينة بورتو ريكو بعد أن ضربها الإعصار فيونا والذي كان من المستوى الرابع دليل على ذلك.
وقد حمل اسم "إيان" ثمانية أعاصير فقط على مر التاريخ، ضرب أحدها أستراليا عام 1992، وضرب آخر تونجا عام 2014، ولكن إعصار إيان الحالي والذي أصبح من المستوى الرابع وضرب الولايات المتحدة، يعد أقواها وأكثرها تدميراً حتى الآن، أما بالنسبة لاسمه، فالاسم يحمل مدلولاً ثقافياً إنسانياً قديماً.
فكما قلت من قبل، ينظر البشر لتلك الكوارث نظرة دينية بحتة مهما اختلفت معتقداتهم وخلفياتهم الثقافية، بالتالي تحمل أسماء الأعاصير دائماً مدلولاً مرعباً، وهكذا يكون اسم "إيان" أو "Ian" من أصل عبري، ومعناه "هدية الرب"، ومن المثير للسخرية، أن تكون هدية الرب بهذا الرعب وتسبب كل هذا الدمار، إلا إن كانت هدية غضبه في النهاية.
مسلسل Five Days At Memorial
في خضم تلك الكوارث، يجد البشر أنفسهم محاصرين من كل اتجاه، فلا منجى من غضب الرب إلا هو في النهاية، وهكذا يجد الناجون منها أنفسهم في خضم محنة قد يكون أحياناً من المستحيل تجاوزها، امتحان يجعلهم يتساءلون عما يجعلهم بشراً حقاً، واختبار يضعهم في مواقف تدفعهم لحدود إنسانيتهم.
في نهايات شهر أغسطس عام 2005، ضرب الإعصار المرعب كاترينا جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، كان إعصاراً من المستوى الخامس، وبسرعة رياح تصل لـ175 ميلاً في الساعة، قتل أكثر من ألف وخمسمئة إنسان، وتسبب في دمار مقدر بـ125 بليون دولار، جاعلاً إياه أكثر الكوارث الطبيعية كلفة في تاريخ الولايات المتحدة.
في يوم التاسع عشر من شهر أغسطس عام 2005، كان مركز Memorial الطبي يعاني من أضرار بالغة بعدما ضربه الإعصار في نيور أورليانز، وبينما كان المركز محاصراً بالفيضانات من كل اتجاه وبلا كهرباء وبمؤن توشك على النفاد، قررت الطبيبة آنا بو وزملاؤها من الأطباء والممرضين أخذ قرارات صعبة لضمان نجاة أكبر عدد من المرضى.
لا أحد يدري حقاً ما حدث في تلك الأيام المظلمة داخل أروقة المركز الطبي، ولكن في يوم الواحد والثلاثين من أغسطس طمأنت الحكومة الأمريكية شعبها بأنها ستقوم باستخراج ألفين وخمسمئة مريض من مستشفيات نيو أورليانز المحاصرة من كارثة الإعصار، وفي يوم الحادي عشر من سبتمبر تم استخراج خمسة وأربعين جثة تقريباً من مركز Memorial الطبي فقط، خمس منهم توفوا قبل الكارثة.
وبالرغم من أن عدد جثث المرضى الذين تم استخراجها من مستشفيات نيو أورليانز كان 215، إلا أن مركز Memorial كان يحتوي على العدد الأكبر منها، ما تسبب باعتقال الطبيبة آنا بو وممرضتين في شهر يوليو عام 2006 بتهمة قتل المرضى.
وبعد تحقيقات دامت عاماً كاملاً، تمت إزالة جميع التهم الموجهة لآنا بو، ولكن تم كذلك إخفاء كل الأدلة والتحقيقات والشهادات حول ما حدث حقاً داخل المشفى، ما حافظ على الشكوك وأصابع الاتهام بأن طاقم المشفى قام بقتل المرضى حتى لا يضطروا لمواجهة كابوس إخلائهم أو التخلي عنهم.
ومن هنا يسرد لنا مسلسل Five Days At Memorial الأحداث المرعبة والتي حدثت طوال خمسة أيام بعد انقطاع الكهرباء ووسط الحصار وارتفاع درجات الحرارة، حينها يضطر طاقم المشفى لاتخاذ قرارات خطيرة ستتحكم بحياة وموت مرضاهم، قرارات ستطاردهم أبد الدهر.
ومن أهم النقاط التي يعرضها لنا المسلسل، هو الحصار الذي يشعر به البشر حول رقابهم في أزمنة الكوارث، حيث يرينا المسلسل طوال حلقاته الثماني مشاهد مرعبة ومؤثرة ومؤلمة، لما مر به طاقم المشفى ومرضاه من أزمات جعلت الموت يتخطفهم من كل اتجاه.
وفي تلك اللحظات، حين يقرر الأطباء والمسئولون اتخاذ قرارات القتل، حينها ستدرك وقع ذلك القرار والاختيار في قلوبهم، وما كان عليهم أن يواجهوه من رعب طوال الأيام الخمس.
في النهاية، يعرض لنا المسلسل جانباً يجب أن ندركه جيداً من تلك الكوارث، حتى وإن كانت بعيدة عنا، فهي كما نعلم تصيب جنسنا البشري بأكمله.
أعمال سينمائية ودرامية أخرى تعرضت لمعاناة الكوارث الطبيعية
والآن دعني أرشح لك عدة أعمال ستريك المعاناة البشرية بين تلك الكوارث:
1- The Impossible (2012)
يقرر الزوجان ماريا وهنري الذهاب إلى تايلاند لقضاء إجازة عيد الميلاد، وهناك يقضون أياماً جميلة في فيلتهم على الساحل، حيث يستمتعون بالجلوس في حمام السباحة على غرار الكثير من السياح غيرهم، ولكن لصدمتهم، تضرب موجة تسونامي رهيبة الساحل التايلاندي، مهددة بإفناء كل البشر أمامها، تتعرض العائلة لمواجهة الموت الذي يفرقهم، وتُفرض عليهم مواجهة المستحيل كي يجتمعوا من جديد.
2- Pompeii(2014)
خلال عام 79 ميلادياً، سنرافق العبد ميلو في رحلته كمصارع داخل حلبة مدينة بومباي، حيث سيجد نفسه في سباق محموم مع الزمن لإنقاذ نفسه وحبيبته من كارثة البركان الذي يوشك أن يبيد المدينة بأسرها، يروي الفيلم ملحمة رومانسية في ظلال كارثة تاريخية حقيقية، ستجد نفسك متمسكاً بمقعدك أمامه.
3- Night Of the Twisters(1996)
يسرد الفيلم قصة حقيقية بشخصيات خيالية، عن سكان بلدة صغيرة في الولايات المتحدة، يستيقظون في ليلة مفزعة على سلسلة من الأعاصير التي تقرر الفتك ببلدتهم، وبين سكان البلدة طفل يحاول قدر استطاعته إيصال عائلته إلى بر الأمان.
يتبنى الفيلم حادثة إعصار Grand Island الذي ضرب المنطقة خلال عام 1980.
4- Deepwater Horizon(2016)
في هذا الفيلم سنشهد إحدى أسوأ الكوارث التي سببها البشر على مر التاريخ، وهي كارثة مصفاة النفط الأمريكية التي حدثت خلال عام 2010 حيث انفجرت مصفاة النفط Deepwater Horizon مسببة بذلك أفظع عملية تسريب بترول في التاريخ الأمريكي.
5- Only the Brave(2017)
يسرد الفيلم القصة الحقيقية لمجموعة من الإطفائيين الشجعان الذين يحاولون إنقاذ بلدتهم من حريق غابة مهول وتاريخي، والذي حدث خلال عام 2013 في حريق Yarnel Hill والذي تطلب جهوداً وتضحيات فاقت كل التوقعات.
في النهاية تمثل الكوارث الطبيعية جزءاً من حياتنا كبشر على هذا الكوكب، ولكننا للأسف لسنا مستعدين لها ولن نكون أبداً، لذا ربما عليك أن تأخذ نظرة خاطفة حول ما يتطلبه الأمر لتجاوز تلك الأزمات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.