لا يخفى على أي شخص يراقب الوضع السياسي الراهن في السودان عن كثب أن التطورات السياسية الأخيرة في البلاد ليست سوى "امتحان" عسير لثورة ديسمبر المجيدة.
هذا الامتحان هو عودة كوادر النظام المخلوع الفارين من العدالة، وممارسة جميع أنشطتهم السياسية المحظورة دون اعتراض عليها من قبل أي طرف لإيقافهم أو منعهم، وكثير منهم مطالبون بالوقوف أمام العدالة. تم تدوين بلاغات الفساد وإساءة استخدام الأموال ضدهم في أوائل عام 2019. خلال تلك الهبة الـ"ديسمبرية" التي خلعتهم من عروشهم بعد 30 عاماً من الحكم والطغيان والشمولية.
لكن؛ الوضع الآن مختلف تماماً، حتى لم يعد هناك خوف عليهم بعد أن اطمأنت قلوبهم من سلطة الانقلاب الحالية، التي ضمنت لهم مخرجاً آمناً، وسهلت لهم كل خطوة يتخذونها تمكنهم من العودة أو التحالف معهم سراً أو علانية.
لم يعد هناك شيء مستحيل، بدءاً من إطلاق سراحهم دون محاكمات، وتفكيك جميع الأرصدة المصرفية المجمدة بقرارات لجنة "إزالة التمكين" ومكافحة الفساد، تلك اللجنة الثورية التي تم حلها بقرارات انقلاب "البرهان" في 25 أكتوبر/تشرين الأول، الانقلاب المشؤوم الذي أعاد عقارب الساعة إلى الوراء في البلاد في جميع جوانب الحياة، ولم يجد الدعم، لا السياسي ولا المالي، حتى أصبح هذا الإفلاس السياسي الكبير ينتج علناً دون خجل.
شكله الحالي: تسويق عودة "الكيزان" إلى السياسة والسلطة معاً، والاستفزازات المستمرة للثورة مستمرة كل يوم، ففي شرق السودان، تجري الاستعدادات على قدم وساق لتدشين حفل استقبال أكبر لمحمد طاهر إيلا، والي بورتسودان السابق في عهد نظام المخلوع عمر البشير، وهو مطلوب للعدالة.
هذا بالإضافة إلى التطورات السريعة في قضايا الإفراج عن المتهمين بقتل شهداء ثورة ديسمبر المجيدة، الذين سجل الكثير منهم اعترافاً جنائياً أمام القضاء. ومع ذلك، تمت تبرئتهم من جميع التهم والإفراج عنهم بكل وقاحة واستفزاز لأسر الضحايا.
الإثنين 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022 في مدينة عطبرة شمال السودان برأت المحكمة العليا للولاية أحد المتهمين الرئيسيين في مقتل الشهيد طارق أحمد، أحد أوائل ضحايا المظاهرات ضد نظام الإنقاذ البائد في عام 2019، ما أغضب الثوار الذين تجمعوا باكراً أمام المحكمة، وغضبت عائلة الشهيد، حتى خاطبت والدته في مقطع مؤثر تم تداوله على نطاق واسع قائلة: "سوف يستأنفون الحكم ولن يتخلوا عن حقهم في قتل ابنهم طارق".
ليس هناك شك في أن ما يحدث الآن هو ردة كاملة على الثورة،
لا يمكن السكوت أو التماهي معها. يتعين على قوى الثورة فقط توحيد الجهود لتوحيد كلمتها في مقاومة هذا الانقلاب، ووضع صيغة جادة لوقف كل هذا الذي يجري، والثورة منتصرة بإذن الله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.