“إذا لم تقبل بالصليب فارجع إلى بلادك”! ما خطورة تولي الشقراء المتطرفة “جورجينا” رئاسة حكومة إيطاليا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/01 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/01 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
جورجينا ميلوني / رويترز

تماماً كما في عهد موسوليني، الذي جاء للسلطة عنوة بمسيرة الآلاف من ميليشيا القمصان السوداء، مطيحاً بملك إيطاليا، معلناً نفسه رئيساً للوزراء، تتهيّأ وريثته الروحية، جورجينا ميلوني لتصير أول امرأة مرشحة لاعتلاء سدة الحكومة الإيطالية، فضلاً عن أنها قدمت عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وبأصوات شكَّلت 26% من الكتلة المعبّر عنها لصالح حزب إخوة إيطاليا المؤسس العام 2012، ذلك الاسم الذي انتقته بعناية فائقة من مقطع شهير للنشيد الإيطالي، مثير للحس القومي العازف على وتر الشعور الوطني المهتز تحت ضربات تفشي البطالة والركود الاقتصادي، المتفاقم بشعور العزلة والتخلي الأوروبي عن إيطاليا خلال أزمة كورونا.

الشقراء والوحش.. الاستثمار في الخوف كمشروع سياسي 

ما أشبه يوم جورجينا ميلوني ببارحة بينيتو موسوليني، فيوم اعتلى الدوتشي الحكم كانت إيطاليا تعاني أزمة كساد اقتصادي وتضخم وبطالة، ومن تداعيات مجاعة 1939، ثم من آثار الحرب العالمية الثانية التي أحرقت العالم، وبين تلك التفاصيل كان الرجل يستغل الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، كملهمه هتلر، ليوزع معه خطاباً شعبوياً وتاريخياً لم يخلُ من مِنح وعلاوات للعمال والمتقاعدين وذوي الدخل المحدود، رسخت سطوته الزعامية برافعة مالية واجتماعية.

وتلك الظروف التي استغل فيها الرجل مثله كمثل هتلر الهشاشة الاقتصادية والبؤس الاجتماعي لإشعال الفتيل القومي ساعة الإحساس بالخطر، هي التي ستصنع مجد شقراء الغارباتيلا، ذلك الحي الشعبي بروما، الذي ترعرعت فيه برعاية أم عزباء، بعدما قرر والدها الشيوعي الانفصال عن أمها اليمينية، والهجرة نحو جزر الكناري الإسبانية.

لا يختلف اثنان في أن القاسم المشترك بين موسوليني وميلوني هو ذلك المشروع السياسي الذي تأسس على استثمار مربح، هو خوف الناس من المستقبل، ومن الفقر والجوع والبطالة، والأهم من كل هذا الخوف من المهاجرين الأغراب عن الهوية ونمط الحياة الغربية.

جورجينا ميلوني

لم يعد ذلك الشعور الأسود في إيطاليا فحسب، بل في أوروبا كلها، لكنه كان واضحاً في ألمانيا التي شهدت مع مطلع التسعينيات بروز الحركة النيونازية، التي طوّرت عنصرية ضد الجالية التركية المسلمة لاعتبارات ديمغرافية بعبارات "إنهم ينجبون مثل الأرانب، وفي يوم من الأيام ستغدو ألمانيا تركيا جديدة"، أما في فرنسا فقد كان زعيم اليمين المتطرف، جان ماري لوبان، الذي تواصل في وقت مبكر مع بقايا الفاشية التي أسست حركة التحالف الاجتماعي الإيطالي، فكان يردد إزاء المهاجرين المغاربيين: "أنا لا أكرهكم، أنا أحبكم في بلدانكم".

خطاب بتوابل التعويض العرقي وصدام الحضارات 

ما تردده ميلوني من أفكار يقربها بشكل كبير من اليمين الفرنسي وزعيمه التاريخي جان ماري لوبان، ونجلته مارين لوبان، حتى إن شعار الشعلة المتقدة لإخوة إيطاليا هو نفسه شعار حزب لوبان، الذي استنسخه بحذافيره من الحركة الاجتماعية الإيطالية قبل خمسين عاماً، ذلك أن شقراء الغرباتيلا انضمت إلى ذلك الكيان الفاشي في الخامسة عشرة، لا بل إنها اعترفت في تصريحات لها بأن موسوليني سياسي جيد لم تستطع إيطاليا أن تنجب مثيله على مدار النصف القرن الأخير، وميزته أنه كان يدافع عن مصلحة الإيطاليين ولا شيء غير إيطاليا.

لكنها على صعيد آخر تبدو أخطر من الشقراء الفرنسية، ففي حين لا تتيح العلمانية في فرنسا الارتكاز على خلفية دينية، لا تتردد الصحفية السابقة في التلويح بالمفاهيم الدينية، والقومية، في مجتمع إيطالي لم يستطع فيه البرلمان تمرير قانون لافيونا لتجريم الفاشية، التي أنشأت لها متحفاً في بلدة بريدابيو، مسقط رأس الدوتشي، لا يفتأ أنصاره يزورونه، معلنين له الولاء بالتحية النازية، ولا أن تتحفظ عن رهن برنامجها الانتخابي في الدفاع عن الرب المسيحي والعائلة والوطن، وطن بات مهدداً بالأسلمة، وفقدان الهوية، بفعل موجات الهجرة الشاملة ويواجه خطر "التعويض العرقي"، تماماً كما يردده السياسي والصحفي الفرنسي ذو الأصول اليهودية إيريك زمور.

لقد أنشأ زمور حركة سياسية سمّاها "لا روكونكات"، وهي كلمة مطعمة بالخلفية التاريخية وصدام الشرق والغرب، وتعني إعادة الغزو، باعتباره غزواً إسلامياً للجمهورية الفرنسية، عبر الجاليات الإسلامية والعربية والإفريقية.

تبدو جورجينا قريبة منه، حينما تعلق مشكلات الإيطاليين على شجب المهاجرين غير الشرعيين، أو غير المنسجمين مع الهوية المسيحية، إذ تقول "يا هذا إذا كنت لا تقبل بعالمية الصليب، فالعالم واسع، ويمكنك أن ترحل، فهناك شعوب إسلامية كثيرة يمكنك أن تعيش بينها، فنحن نرفض أن تدمر حضارتنا".

وهي مستعدة أن تذهب إلى أبعد من ذلك، حينما انتهجت سياسة حليفها ماتيو سالفيني، بفرض حصار عسكري على الحدود البحرية مع دول شمال إفريقيا، ومنع قوارب المهاجرين، وكسر شبكات تهريب البشر، بمساعدة منظمات حقوقية غير حكومية ساذجة لا تتورع عن الدفاع عن وصولهم "فلا يجد الإيطاليون غير الاتجار في المخدرات ولا تجد الإيطاليات غير الارتزاق من الدعارة".

وإزاء ذلك تقرع جرس الخطر المحدق بالقول "عليكم أن تستيقظوا من النوم، نحن لسنا في مرحلة جمود فيما يخص الإنجاب، بل نحن في العصر الجليدي للخصوبة، حيث لم تنجب إيطاليا العام الفارط سوى 400 ألف مولود جديد".

 التقية البراغماتية: مصير اليميني النمساوي هايدر

تُنكر ميلوني علاقتها العضوية بالفاشية، فترسل رسائل تطمين وتهدئة للاتحاد الأوروبي من تصريحاتها المخيفة، حرصاً على مستقبلها السياسي ومشروعها الرسالي، فهي تؤيد التوجه الأطلسي بشجب العدوان الروسي على أوكرانيا، هذا رغم أنها كانت قد ساندت قبل أربع سنوات بوتين وبشار الأسد في حربهما ضد تنظيم داعش.

وهي إذ تبدي نوعاً من المرونة والليونة فلأنها تدرك أن ذراع مؤسسة أوروبا الموحدة قادرة على قتل التجارب المتطرفة في المهد، كما فعلت مع رئيس الوزراء اليميني الفائز في النمسا يورغ هايدر، فاضطرته العام 2007 للانسحاب قبل أن يشرب من النبع، كما لا تحبذ أن تفقد معونة مرتقبة 200 مليار يورو، ستسديها خزانة الاتحاد لإيطاليا، لترميم الاقتصاد المهتز بعد كورونا. لقد سبق لذات الاتحاد أن ردّد غداة صعود حليفها ماتيو سالفيني، على رأس حزب النجمات الخمس: "إن قوانين السوق ستعدل المزاج السيئ للإيطاليين"، إذ سرعان ما تراجع الرجل عن كثير من تصريحاته المزعجة، لذا فهي تعي أنه ودون صنبور المال الأوروبي لن يتحقق لها شيء من وعودها السياسية الصاخبة.

بذلت جورجينا جهداً كبيراً في الخروج من دائرة التصنيف الفاشيستي، بأن اعترفت بحق اليهود وأقرت قوانين معاداة السامية، لكنها وعلى مدار الممارسة ظلت ثابتة في مغازلة قواعدها الخلفية، فظهرت خلال حملتها الانتخابية مع حفيد موسوليني، كما أنها اعتمدت شعار الشعلة المتقدة لحزبها السابق، حركة الاجتماعية الإيطالية، شعاراً لحركتها الجديدة، وقد دلت رموزه اللاتينية المكونة من حروف " أم. أس.إي" المختصرة لاسمه الكامل "موفمنتو سوسيالي إيطاليانو"، عن تشفير يعني "موسوليني.سيمبري.ايترنالي"، الصاعد من منصة على شكل تابوت، مثل الروح من الجسد الميت، وتعني "موسوليني خالد إلى الأبد".

 بين اليمين الفرنسي واليمين الإيطالي أخوة في الرضاعة 

لا شك أن جورجينا ستلهم بقية الأحزاب الوطنية الشعبوية الأوروبية ذات التوجهات اليمينية، فهذه ماريون مارشال- خالة مارين لوبان- نائبة حزب لاروكونكات الذي يتزعمه إيريك زمور، الكاره للعرب والمسلمين، كانت تزوجت قبل عام الإيطالي فنسانزو سوفو وهو سياسي مر بالتحالف، وإخوة إيطاليا، ما يرسخ لعلاقات قرابة ليس على الصعيد البدني، بل على المستوى السياسي، إذ لم تتورع مارين عن التعبير عن سعادتها بفوز إخوة إيطاليا، معتبرة أن انتصارها وقيادتها المحتملة لإيطاليا ستشكل عامل حماية لمجموعتها السياسية ولكافة أنصار اليمين، ليس في فرنسا فحسب، بل في أوروبا قاطبة، في حين لم يتردد إيريك زمور في التعليق الانتصاري: "تمتع اليمين الإيطالي بذكاء سياسي في الجمع بين أقطابه الثلاثة، ميلوني وبرلسكوني وسالفيني، فخاض غمار الانتخابات في جبهة موحدة، يمكن تكرار الاستعانة بالمطبخ الإيطالي لإحداث خلطة فرنسية تجمع بين حزبي وحزب لوبان وحزب هالر". 

 شيطنة عموم المهاجرين عبر حوادث اغتصاب معزولة 

وفقاً لبيانات رسمية، اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2022، بلغ عدد الأجانب في إيطاليا 5.1 مليون نسمة، أي ما يعادل 8.6% من السكان. لم تكن تلك النسبة في العام 1990 تربو عن 0.8% من السكان، لكنها ومنذ حلول عام 2006 تجاوزت 5%.

وبين هؤلاء هناك 2.4 مليون مسلم، ما نسبته 4.1% من السكان، وهي الديانة الثانية في عاصمة الكاثوليكية، أما القادمون من إفريقيا، وجلهم مسلمون، فيناهزون 1.1 مليون نسمة.

يثير هذا النسيج الطارئ على إيطاليا مع تباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع معدلات الخصوبة، مخاوف من التعويض العرقي للإيطاليين، نفس المفهوم الذي طرحه إيريك زمور، من انتحار فرنسا بفضل قيم التسامح مع المهاجرين الذين أنشأوا جمهوريات إسلامية في الضواحي، متوعداً بأن تصبح فرنسا جمهورية إسلامية في المستقبل المتوسط والبعيد، ما يتطلب حسبه تطهير المجتمع الفرنسي من الهجرة ومراجعتها بشكل جذري، ومنع الالتحاق العائلي وحق الأرض المُكسب للجنسية، وعدم قبول الأسماء غير الفرنسية، والمزيد من الإجراءات القسرية التي تجعل من دخول الأراضي الفرنسية حلماً بعيد المنال، والحق أن اليمين الأوروبي ككل استغل عاملاً سيئاً هو صعود الحركات المتطرفة مثل القاعدة وداعش، والجرائم المنكرة بحق المسيحيين والمسلمين على حد سواء، لتنتشر أفكاره مثل النار في الهشيم، أضف إلى ذلك استغلالاً بشعاً لحوادث معزولة أسهمت في شيطنة المهاجرين والمسلمين، لم تتورع جورجينا في أن تنشر في حسابها عبر تويتر فيديو اغتصاب إفريقي لشابة أوكرانية، ما جلب لها انتقادات حادة، وتعاطفاً مع طرحها المتعلق بمكافحة الهجرة، هجرة تبدو أنها انتقائية على أساس الهوية الدينية، تماماً كما روجت ماريون مارشال فيديو لاغتصاب ثلاثة عرب فتاة أوروبية؛ سعياً وراء نفس ردة الفعل الانتخابية.

الخطوة التالية: حزب يميني أوروبي في بيت الاتحاد الأوروبي 

ثمة حذر أوروبي شديد من أن تكون جورجينا ميلوني عربة جر قاطرة اليمين الأوروربي والقوى الشعبوية المحافظة، ذلك أنها ترأست قبل فترة كتلة المحافظين المشكلة من أحزاب بريطانية وأمريكية، إلى جانب حزب الليكود الإسرائيلي، ما يعني ولادة جنين جديد سيُسهم بلا شك في تشكيل لوبي ضاغط، لكن التخوف الأبرز هو تلك الفكرة الآخذة في التبلور، من خلال إنشاء تكتل أوروبي يجمع الأحزاب اليمينية، إذ لم تخف من تعتبر رئيس الوزراء الهنغاري المثير للجدل، زعيم حزب فيزدس المجري فيكتور أوربان مثلها الأعلى، من تنسيق علاقات مع قوى يمينية صاعدة مناهضة للمهاجرين وأسلمة أوروبا، مثل أولف كريسترسون السويدي، وأندري دودا البولندي، وحزب فوكس الإسباني والجبهة الوطنية الفرنسية بقيادة جون ماري لوبان، وحزب روكونكات بقيادة إيريك زمور، ويتقاسم هؤلاء نفس الخط الأيديولوجي، ما يعني صعوبات جمة ضد المهاجرين والمسلمين، وبداية دق الإسفين في نعش الاتحاد الأوروبي، الذي كان نشأ حسب ما ردده أحد مهندسيه، الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان، لمواجهة المد الإسلامي، ومكافحة الهجرة، والحركات الإثنية الأوروبية، قبل أن ينتهي المشهد الأوروبي العام على صعود صاروخي لافت لقوى اليمين، عن طريق القوميات المحلية وشيطنة المهاجرين، وما سينجر عنه من قلاقل داخلية في مجتمعات أوروبية صارت تضم مواطنين يتقاسمون الجنسية، قبل أن يعيد اليمين فرزهم على أساس الدين والعرق واللون والجينوم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

طاهر حليسي
كاتب صحفي جزائري
طاهر حليسي، كاتب صحفي، يعمل حالياً مديراً لمكتب "الشروق" الجزائرية في مدينة باتنة،التحق بالصحيفة عام 2000، بعد تجربة إعلامية كمحرر مزدوج اللغة (عربي فرنسي) بجريدة الجمهور الأوراسي، ثم صحفي كاتب مقالات رأي وتحاليل ومترجم بأسبوعية "الأطلس". عمل رئيس تحرير بعدة صحف أسبوعية منها "الراية" و"الوئام".
تحميل المزيد