منذ إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 وحتى الآن لم تتمكن القوى السياسية في العراق من تشكيل الحكومة بسبب تعنت القوى السياسية بمواقفها، وإصرار هذه الكتل على تمرير أجندتها الفئوية على حساب المصلحة العامة للبلد.
هذه الأزمة السياسية أظهرت حجم الخلاف الكبير بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم دولة القانون نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، والتي وصفها البعض على أنها خلاف بين الزعامة الدينية والزعامة السياسية.
وإذا نظرنا بصورة حيادية نجد أن هذا الخلاف أخذ أبعاداً أخطر مما هو ظاهر، بعد التسريبات الأخيرة التي نشرت للمالكي وتهجّمه الواضح على مقتدى الصدر ونيته في اقتحام النجف بميليشيات مدججة بالسلاح.
هذا الخلاف قسم الكتل السياسية الى قسمين، قسم ذهب مع التيار الصدري والقسم الآخر ذهب مع المالكي، ليتكون فريقين يمتلك كل منها أدواته السياسية والعسكرية لمواجهة الطرف الآخر، فمقتدى الصدر وجد ضالته لدى الأكراد والسنّة الذين خرجوا من الانتخابات الأخيرة بأكثر من 90 مقعداً، وهذا ما جعل منهم الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب العراقي إذا أضيف لهم الكتلة الصدرية بـ73 مقعداً ومجموعة من المستقلين، حيث شكلوا كتلة من 180 نائباً من أصل 329 مقعداً.
في الطرف الآخر انضمت جميع القوى السياسية الموالية لإيران إلى التحالف الذي شكّله نوري المالكي باسم الإطار التنسيقي، والذي ضم أيضاً مجموعة من الشخصيات السنيّة بعدد مقاعد لم يتجاوز 88 مقعداً، وكان واضحاً منذ البداية أن الغلبة ستكون لمقتدى الصدر وتحالفه.
غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفينة تحالف الصدر، حيث فشل هذا التحالف من جمع العدد الكافي اللازم لانتخاب رئيس الجمهورية، وهو ثلثا عدد مقاعد المجلس حسب ما ينص عليه الدستور العراقي وقرار المحكمة الاتحادية، والتي اشترطت تصويت الثلثين، متجاهلة العرف السياسي الذي كان سائداً لأربع انتخابات سابقة. وهذا ما دفع الصدر للاحتجاج على القضاء وسحب جميع أعضائه من المجلس باستقالة جماعية.
إن خطوة الاستقالة التي فرضها مقتدى الصدر على نواب التيار الصدري أفقده أحد أهم أسلحته السياسية التي كان يمكن له أن يسدد من خلالها ضربات موجعة لخصومه السياسيين في الإطار التنسيقي، وهذه الاستقالة استفاد منها الإطار بشكل كبير، حيث تفتت تحالف الصدر وتحول الإطار بين ليلة وضحاها من كتلة عاجزة داخل المجلس الى الكتلة الأكبر، بعد استبدال مقاعد نواب التيار الصدري.
ومع استمرار الضغط الذي تمارسه إيران في العراق والزيارات المتكررة لقائد الحرس الثوري الإيراني، والتي فشلت في إقناع الصدر بالعودة إلى التوافق مع قوى الإطار الموالي لها، لم يكن أمام الصدر سوى استخدام ورقة الشارع وإطلاق أتباعه للتظاهر لعرقلة تشكيل أي حكومة يقودها نوري المالكي أو من ينوب عنه، لتتحول هذه التظاهرات إلى مواجهات مسلحة داخل المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد سقط خلالها العشرات بين قتيل وجريح.
هنا كان لابد من تحرك دولي للسيطرة على الوضع، وحث جميع الأطراف على الحوار، الأمر الذي مكن إيران من التأثير على مقتدى الصدر من خلال الرسالة التي وجهها المرجع الشيعي كاظم الحائري للصدر، والتي طالبه فيها باتباع الخامنئي كمرجع ديني بعد اعتزاله، وهو ما دفع الصدر إلى اعتزال العمل السياسي كما قال.
ومن خلال ما سبق يتبين للجميع حجم التدخل الإيراني في العراق ومحاولاتها للسيطرة عليه سياسياً ودينياً أيضاً وتحويله إلى إقليم تابع لإيران كما فعلت مع عرب الأحواز، وكما تبين أيضاً أن المشكلة الحقيقية التي تقف أمام استعادة العراق الآن من الهيمنة الإيرانية تكمن في عدم وجود رغبة حقيقية من المجتمع الدولي، وخصوصاً أمريكا في استعادة العراق لمكانته الطبيعية في المنطقة.
إن العراق اصبح بالنسبة لأمريكا مجرد ملف تتفاوض به مع إيران، وهنا يجب أن نقول إن جميع محاولات إيران في السيطرة على العراق، مصيرها الفشل، وذلك بسبب طبيعة الإنسان العراقي الذي يرفض أن يكون تابعاً لأي دولة، وأن هذه الأزمة السياسية ما هي إلا أمر طبيعي للرفض الشعبي لإيران ولجميع ميليشياتها في العراق، حتى وإن اتفقت الكتل السياسية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.